إلى وزير التربية والتعليم: الثانوية العامة إلى أين؟
د. عايدة نصيف
الاثنين ١٥ مايو ٢٠١٧
د/ عايدة نصيف
كلنا نعانى من آثار تعويم الجنيه ومن آثاره السلبية على المواطن المصرى، وربما يكون هذا جزءًا من قرارات الإصلاح الاقتصادى، وبوصفى غير متخصصة في الاقتصاد وإنما أتابع بصورة جيدة بل ألتمس الآثار الاقتصادية الصعبة على المواطن المصرى ولكنى لن أطيل في هذه الجزئية، بل أتناول في مقالى هذا القضية التي أهتم بها وفى واقع تخصصى كأستاذة أكاديمية ولى خبرات مختلفة في التعليم عبر مراحله، بل كتبت منذ سنوات عن إصلاح منظومة التعليم وخاصة ما قبل الجامعى لأنه الأساس.
أقيمت مؤتمرات وندوات وورش عمل، وهناك كتابات وأبحاث جديدة وتوسمت الخير في وزير التربية والتعليم الحالى أن يستفيد من هذه الجهود لإصلاح التعليم، ولكنى فوجئت بأنه يعلن عن نظام بديل للثانوية العامة ملامحه كما قرأت مستوردة وهذا لا عيب فيه.. بل بالعكس لابد أن ننظر إلى نظم عالمية للتطوير ولكن قبل أن أستعير نظامًا خارجيًا يجب أن تُهيأ بيئة التعليم المصرى؛ فمعالى الوزير قد طرح علينا في الفضائيات مشروع غير واضح الملامح أي فكرة وليس منظومة متكاملة تتماشى مع الواقع فقد طرح سيادته نظاما بديلا للثانوية العامة دون منهجية ودون وجود بيئة حاضنة ودون آليات معروفة.
وأقول لمعالى الوزير:
أسس أولا بيئة مهيأة لنظام جديد جئت به من الخارج، ارفع مهارات المعلمين ودربهم على الوسائل الحديثة وأرسلهم في منح وبعثات إلى الخارج ثم يأتوا ليعلموا أولادنا؛ فالطلاب الآن مهاراتهم أعلى من مهارات الأستاذ، ألغ كل عبارة في المناهج التعليمية تحض على التمييز والعنصرية وكراهية الآخر وعدم الانتماء، اجعل هناك مدارس تصلح للتعليم وليس أبنية صامتة، طهر يا معالى الوزير وزارتك من عناصر متشددة تحمل "هوية وهابية"، ضع نظامًا جديدًا يبدأ من المرحلة الابتدائية منذ الصغر؛ فالتعليم يامعالى الوزير يجب أن يكون تراكميًا وليس وثبة بصورة فجائية..
معاليكم أنشأت بنكًا للمعرفة وهذا جهد محمود وإن كانت المعرفة الآن متاحة للجميع على مستوى العالم، فضع منهجًا لاستخدام هذا البنك إذا أردت استثمار مجهودك منذ المرحلة الأولى من التعليم وليس من الثانوية العامة، فمن غير المعقول أن أنقل طلاب الإعدادية الآن من مرحلة التلقين إلى مرحلة الثانوية ومهارات التفكير بصورة فجائية وفى مرحلة تضع رسمًا لمستقبل الطالب.
أود أن أقول لمعاليكم إن نظام التنسيق به عدالة اجتماعية لا يخضع لمحسوبية ولا وسائط.. فكيف تقرر أن تلغيه دون وضع آليات في الجامعات لاختبار مهارات الطالب دون أن يخضع للهوى والمعارف والذاتية والمصالح والواسطة، يمكن أن تضع تعديلًا للتنسيق بصورة أقدر دون أن تلغي الآلية الوحيدة التي لا تخضع للوساطة والمحسوبية.
معاليكم عرضت أن نظام الثانوية العامة سوف يصبح بدلا من سنة واحدة ثلاث سنوات.. فهل نزيد من تعذيب الناس وإرهاقهم بين الدروس الخصوصية ثلاث سنوات بدلا من سنة واحدة؟
أعلم جيدًا أن المفاتيح القديمة لا تفتح الأبواب الجديدة ولكن في المقابل يجب أن تأتي بمفاتيح تستطيع الإصلاح والتطوير وليس بمفاتيح تغلق البابا إغلاقًا محكمًا فهل هذه الفكرة التي تطرحها مصممة لخدمة اقتصاد الصناعة ولربط التعليم بسوق العمل أشك في ذلك!
هل هذه الفكرة التي تطرحها تقوم بتدريب الطلاب على الالتزام بالمواعيد واستعادة منظومة النظام؟ هل ما تطرحه يستعيد منظومة الأخلاق في التعليم؟
اللحظة التاريخية تفرض علينا الانتقال من النمطية إلى التنوع والاختلاف واحترام الاختلاف، ولكن في التعليم يأتى ذلك بصورة متدرجة؛ لأن التعليم كما تحدثت يجب أن يكون تراكميًا وليس وثبةً، علينا الانتقال من التعليم النمطى إلى التعليم الذاتى ولكن بتوضيح ووضع الآليات والمنهجية وأن تكون قابلة للتحقيق الفعلى وليس فكرة تنسف ما بقى من التعليم، نحتاج أن ننتقل من التخصص الضيق إلى المعرفة الشاملة ولكن في ظل آليات تربوية وإدارية.
نحن في ضرورة ملحة يامعالى الوزير أن ننتقل من التخطيط القصير المدى إلى الرؤية المستقبلية بالتعليم ولكن دون أن يفقد الطالب معرفة هويته الأصيلة.
عليك أن تفرق يامعالى الوزير بين إصلاح التعليم وبين إعادة بناء نظم تعليمية جديدة على أساس احتياجات مجتمع المعلومات، وأعطى النصيحة لك أنه لا غنى عن إعادة البناء على الأسس فهدف التعليم هو إعداد الإنسان المتوافق مع عصره فمن الضرورى أن يدرك طبيعة العصر الذي نمضى إليه وطبيعة إشكالياته وأن تتعرف على مؤشراته حتى تستطيع أن تستنبط نوع التعليم الذي يفيد في إعداد إنسان متوافق مع عصره.
ختامًا قبل أن نؤيد أو نرفض مشروع الوزير يجب أولا أن نعرف ملامح هذا المشروع تفصيليا، وأن يطرح للحوار المجتمعي من ناحية وأن يطرح على المتخصصين والأكاديميين من ناحية أخرى للاستفادة من الخبرات الموجودة لنصل إلى نظام جديد للثانوية العامة وللتعليم يصلح للتطبيق ويتماشى مع الواقع المصري، وأن تكون هناك دراسة دقيقة لنتائجه قبل البدء في التنفيذ.