أرنست ارجانوس جبران
قد مرت السنون كومض البرق يا أخى جورج .. و لم نكمل نقاشنا حول الفروقات بين رسم الأيقونات .. حيث كنا نناقش الفرق بين الرسم ذو "الأبعاد الثلاثة" أو الرسم "المُجَسم" ..وبين الرسم " المُسَطح " .. أرجو المعذرة إن خاننى التعبير فى الوصف الفنى الدقيق .. ولكننى أقول ببساطة .. ان المنهج الرائع الذى تتخذونه هوالرسم" المجسّم " ذات الأبعاد الثلاثة .. أما هناك النوع الآخر من الرسم .. والذى أنا أسميه أو أصفه بالرسم " المُسَطح " .. والذى درج عليه الفنان الراحل" إيزاك فانوس " .. أرجو أن تعذر أخاك العجوز ارنست ..و جهله الفنى .. وعلى الرغم من أن الرسم كان هو أحد هواياتى المفضلة ..حيث قمتُ برسم لوحاتٍ كثيرة أيام الشباب ..إلا أنها كانت بقلم الرصاص .. وليتنىقابلتكم آنذاك.. لكنتُالآن أحد تلاميذك المجتهدين .. ولكن للأسف .. عمك العجوز .. الآن ، عامل نفسو شباب ليناقش الشباب .. ما علينا .. نرجع الى موضوعنا ..وبالتحديد و فى يوم الأحد الماضى الموافق 15 يناير من هذا العام 2017 .. وأثناء الصلاة فى كنيسة العذراء مريم والملاك ميخائيل بهيوستن .. وقعت عيناى على أيقونة يعقوب وهو يبارك إبنى يوسف .. منسى وأفرايم .. هذه الأيقونة التى قاربت على الإنتهاء وكما نقول بالبلدى كده .. أنها الآن فى مرحلة " التشطيبات النهائية " .. قد شدتنى هذه الأيقونة الجميلة .. والتى جعلتنى أقرأ فيها كلمات الأصحاح 48 من سفر التكوين ..عندما قام يعقوب بوضع يده اليمنى على رأس أفرايم الأصغر .. واليسرى على رأس منسى الأكبر .. على الرغم من معارضة يوسف لأبيه محاولاً نقل موضع اليد اليمنى لوضعها على رأس منسى الإبن البِكر ..إلا أن أباه يعقوب أبى قائلاً له: "علمتُ يا إبنى، علمتُ. هو أيضاً يكون شعباً، وهو أيضاً يصير كبيراً. ولكن أخاهُ الصغير يكون أكبر منهُ، ونسله يكون جمهوراً من الأمم "...
هكذا كان رد أبيه يعقوب مؤكداً له أنه يعلم ماذا يفعل مكرراً كلمة " علمتُ .. علمتُ " .. نعم هذه الأيقونة البديعة .. كم أعجبنى .. هاهو يوسف بزيه المصرى الفرعونى الأصيل .. وزوجته أسنات وهى واقفة فى خشوع وراءهم ضارعة الى الله ..بينما كان يعقوب يقوم بعملية " البركة " للإبنين .. وهنا أود أن أتوقف قليلاً عند أسنات زوجة يوسف .. حيث علّق أحد خدام الرب المباركين فى عظة له .. إن " أسنات " كانت إمرأة فاضلة .. ولو رجعنا الى الأصحاح 41 من سفر التكوين .. يقول الكتاب " ودعا يوسف إسم البكر "منسى" قائلاً:" لأن الله أنسانى كل تعبى وكل بيت أبى "وكما قالها خادم الرب المبارك، يوسف رياض إن الكتاب المقدس لم يذكر الكثير عن " أسنات " ولكن من صمت الكتاب نخرج بتعليم .. لو كانت " أسنات " إمرأة " نكدية" على حد تعبير الأخ الحبيب يوسف رياض .. لتبدلت كلمات يوسفمثلاً قد تكون كلماته .. " كانت سنون السجن أرحم مما أنا عليه الآن .. الخ .. هكذا سيكون شعوره وتعبيره .. إن لم يكن سعيداً مع زوجته .. ولكن تسميته لإبنه البِكر " منسى " كان أكبر دليل لسعادته مع زوجته أسنات التى أنسته ماضيه الأليم .. نعود الى الأيقونةوالى رسمكم الجميل يا أخى جورج ..هاهى اسنات واقفة وراء يعقوب ويوسف فى حالة خشوع تام ..كأنما كانت هى أيضاً تصلى الى الله ضارعة من أجل بركة الإبنين .. وأقول الصدق يا أخى .. كل الأيقونات التى قمتم برسمها .. كل واحدة منها تحكى كلمات الكتاب المقدس بكل تفصيل ودقة .. بل أقولها من كل قلبى ..انها توضح وبالتفصيل الدقيق عما يقوله الكتاب المقدس فى كل أيقونة .. مثلاً الأيقونة الكبيرة " أيقونة طرد آدم وحواء من جنة عدن " .. والتى توجد فى الجهة اليمنى لأيقونة يعقوب وهو يبارك أبنى يوسف .. وغيرهما وغيرهما .. إن أردت أن أقف لأصف كل واحدة على حِدَه لامتلأت صفحات كتاب بأكمله .. وهنا أجزم .. بأن الروح القدس هو الذى يصقل الموهبة التى وهبها الله لكم .. وكما يقول الكتاب المقدس " ولكن جدوا للمواهب الحسنى. وأيضاً أريكم طريقاً أفضل " .. فها أنتم مجتهدون .. وهكذا الله يساعدكم فى إقتناء هذه الموهبة .. مع إرشادالروح القدس و هو الذى يقودكم فى كل أعمالكم الفنية .. وهو الوحيد الذى يستطيع أن يعطيكم الصبر على إحتمال المشقات وأنتم مُعَلقون بين السماء والأرض ..
حينما تكونون على إرتفاع لا يستهان به .. هذا ناهيك عن الأوضاع الخطِرة أثناء قيامكم بالرسم .. حقيقة .. الرب معكم .. ويقويكم.. وهنا وجب علىّ أن أسأل وأتساءل .. لماذا ركزت كنيستنا القبطية على اتباع خطى الفنان إيزاك فانوس حيث جعلت الرسم المُسطح له من الأفضلية بمكان .. حيث فضلته عن الرسم " المُجَسم " .. فى حين أن الرسم الذى يتسم بالأبعاد الثلاثة له من الجمال بإبراز مقاطع الأيقونة المختلفة الأبعاد .. بل أنه يستنفذ وقتاً أكثر فى عملية إختيار الألوان وتركيبها ثم خلطها ووضعها فى صيغة أيقونة ناطقة .. كل هذا إنما هو تعبير دقيقعما يراد رسمة فى صورة طبيعية إبداعية .. لأن هذا النوع من الرسم .. لابد وأن يظهر للرائى كأنما ينظر الإنسان الى أخيه الإنسان .. حيث يريد أن يراه فى الصورة التى تراه بها " عدسة " عينه البشرية .. أو كما أنه يريد أن يرىالطبيعة بأشكالها الواقعية ..الطبيعية بألوانها التى خلقها الله لنا .. لأجلنا نحن بنى البشر لنروح فيها .. لنذوب فيها .. متأملين فى خليقة اللهالماثلة أمامنا بأشكالها وبألوانها .. ها هو كل شئ .. كما هو فى الواقع المُعاشبالأشكال الطبيعية .. الى تصورها لنا " كاميرا العين الأصلية التى خلقها الله لنا .. " وليست بالخطوط المُسَطحة الغير مجسمة " .. لا أدرى ماذا أقول ..وكما يقول المثل " إختلاف الرأى لا يفسد للود قضية " وحتى فى سفر أشعياء يقول الكتاب المقدس" هلمّ نتحاجج ، يقول الرب " .. سامحونى عندما أقولها .. لا يمكن بحال من الأحوال أن أقوم بعمل وجه مقارنة بين الجمال .. نتيجة الجهد المبذول فى الرسم ذى الأبعاد الثلاثة مقارنة مع الجهد المبذول فى الرسم المسطح ..اننى أعتقد بل أجزم إن رسم الأيقونة المجسم يجعل كل مصلى وكل زائر للكنيسة يتأمل فى كلام الله من واقع الأيقونة التى أمامه ..وهنا نتأمل كيف يقوم رسام الأيقونة المجسمة .. بعمل الحسابات والقياساتالدقيقة للأبعاد .. مرة أخرى لا يمكن بأى حال من الأحوال عمل مقارنة بين الرسم " المجسم " الدقيق .. و" المسطح " السريع .. ومرة أخرى .. أقول وأكرر .. لا يمكن أن يكون بحال من الأحوال أن نضع الرسم المُجَسّم فى نفس مستوى كفة الرسم المُسَطح .. لا يمكن أن يكون هناك وجه مقارنة بين الشكل الطبيعى والشكل الهندسى المسطح .. وهنا أيضاً أود أن أكتب وأقول ، بأن الأخ الحبيب جورج سبق وأن ذكر لى الكثير من المراجع التى بحوزته والتى تثبت بأن الأيقونات القبطية القديمة كانت ترسم بنظام الأبعاد الثلاثة ..
ليتنا نجد إجابة لأسئلتنا التى تدور حول رسم الأيقونات .. مرة أخرى .. لماذا تأخذ الكنيسة القبطية مبدأ الفنان إيزاك فانوس .. ولا تأخذ برسم الأيقونات المُجَسمة .. !!! .. وهنا وجب عليّ يا أخى جورج بأن أطالبكم .. أن تجدوا وقتاً لكتابة كتاباً يوضح هذه الحقيقة .. بإن الرسومات القبطية القديمة ، كانت تتبع نظام الرسم الخاص بالأبعاد الثلاثة .. من فضلك .. من فضلك .. من فضلك .. هذه خسارة كبيرة .. أن يضيع هذا النوع من رسم الأيقونات من الكنائس ..نحن نود إرجاع الفن القبطى القديم .. الأصيل الذى يوضح الملامح الكاملة .. والذى يرفع من شأن كنائسنا ليجعلنا نتأمل فى كلمات الكتاب المقدس عن طريق رسم الأيقونات .. وهنا أود أن أتساءل هل يرضى الإنسان أن يرى أخاه الإنسان وهو بشكل الرسم المسطح .. ؟؟ .. وكم .. وكم يكون شعورنا .. عندما نرى السيد المسيح له كل المجد .. فى الأيقونة .. برسم مسطح .. !!! .. بالطبع .. كُلنا نتمنى أن نرى وجه السيد المسيح بالوجه " المُجسم " الجميل .. يارب لك كل المجد .. ساعدنا وساعد الجميع ...
بالمناسبة يا أخى الحبيب الأستاذ جورج .. أنا انتظرتكم حتى اكتمال رسم الأيقونة لأقوم بنشر هذا المقال .. وها هى الأيقونة .. بكامل هيئتها الرائعة .. ما أجملها .. ما أجملها ..
الرب يبارك فى أعمالكم ..وفى حياتكم ..
أخوكم العجوز الغلبان ..
ارنست أرجانوس جبران ..