الهجمات الإعلامية والتشويه الذاتي للبرلمان
سعيد السنى
السبت ٢٠ مايو ٢٠١٧
سعيد السني
ليست غريبة هذه اللغة المُستفزة والمُنفرَة، والمتعالية على الدستور، التي تحدث بها النائب أسامة هيكل، رئيس لجنة الثقافة والإعلام بالبرلمان، في المؤتمر الصحفي المنعقد صباح الإثنين الماضي، دفاعاً عن مجلس النواب، سرداً لما يُسمىَ إنجازات، ورداً على حملات التشويه والهجمات الإعلامية «المزعومة»، ضد مجلسهم، والتي لا وجود لها إلا في خيالهم.. فهذه «الهجمات»، التي يتحدثون عنها، ماهي إلا نقد تُمارسه وسائل الإعلام تأدية لدورها، وواجبها، تفعيلاً للرقابة الشعبية.
قبل الاستطراد، ففد استخف هيكل بالدستور، وتَّكبَر عليه، بما ساقهُ تبريراً ساذجاً، لامتناع البرلمان عن تنفيذ حكم محكمة النقض (يوليو 2016م)، ببطلان عضوية أحمد مرتضى منصور بالبرلمان، وتصعيد الدكتورعمرو الشوبكى بدلا منه، إذ قال سيادته بكل ثقة، إن حكم محكمة النقض متعارض مع اللائحة الداخلية لمجلس النواب.. آه والله، وزاد شارحاً بأن اللائحة تنص على أنه «لو حدث بطلان لعضوية أحد النواب يتم فتح باب الترشيح لشغل المقعد».. فهل يجوز هذا الهزل؟.. ذلك أن «محكمة النقض» أصدرت حكمها لصالح الشوبكي، إعمالاً لاختصاصها، باﻟﻔﺼﻞ في «ﺻﺤﺔ العضوية»، المنصوص عليه بالمادة 107 من الدستور، والتي ألزمت مجلس النواب أيضا، ﺑالتنفيذ الفوري، لحكم النقض ببطلان العضوية.. فهل يجوز لهيكل إعلاء «اللائحة الداخلية»، وهي صادرة بقانون، لتكون فوق «الدستور» الذي يتربع أعلى قمة هرم التدرج التشريعي؟!.. مثل هذا الكلام السخيف لا يجوز أن يتفوه به طالب في أولى سنوات دراسته للقانون، فما بالُنا والقائل هو أسامة هيكل النائب والوزير السابق للإعلام، الذي أقسم على احترام الدستور والقانون.
«برلمان الدكتور على عبدالعال»، ونوابه، هم الذين يشوهون أنفسهم، ويستمطرون الغضب الشعبي عليهم، بممارساتهم، وقمع رئيسهم للنواب المعارضين، وآرائهم، تهديداً وتلويحاً بالإحالة إلى لجنة القيم، واستدعاء الأمن، مثلما جرى مع النائب السيد الطنطاوي في ديسمبر الماضي، لمنع الأخير من إبداء رأيه، ولا تنسى إسقاط عضوية النائب محمد انور السادات، لخروجه عن النص وفضح صفقة السيارات الفارهة لعبدالعال ووكلائه.. هذا بخلاف توحد البرلمان والحكومة ليكونا يداً واحدة، تخليَّا برلمانيَّا عن الدور الرقابي المرسوم دستوريَّا، بما فتح الباب واسعاً لتمرير سياسات حكومية مؤلمة لغالبية المصريين، ناهيك عن تفانين النواب من غرائب ومثيرات، على شاكلة نائبة توثيق الخطوبة، والنائب الذي يريد تمرير قانون بفرض 200 جنيه رسوماً شهرية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، وربط الدخول إلى الصفحة الشخصية بالرقم القومي، وثالث ينادى بإخضاع الطالبات للكشف الطبي عن عذريتهن، شرطاً منه للقبول بالتعليم الجامعي، ومطالبته للنائبات بالاحتشام في ملابسهن، ورابعة تشغلنا بطالبة، أو عدة طالبات جامعيات، يرتدين بنطلونات مُقَّطَعة، وغيره من الافتكاسات الكاشفة عن ابتعاد النواب ومجلسهم عن هموم المواطنين وشواغلهم، فضلاً عن كون هذه الأمور الغريبة وما شابهها، تحركها فكرة خارج الزمن، وهي فرض المزيد من القيود والتحكمات في حركة البشر، وتكبيل حرياتهم وحقهم في التعبير، وإحصاء حركاتهم وسكناتهم عليهم، ليكونوا تحت الرقابة والسيطرة الكاملة، كما لوكانوا عبيداً في العصور السحيقة قبل تطور البشرية وتحضرها وتمدنها.
لن أتوقف كثيرا عند هذا الكم الهائل من القوانين التي يتفاخر هيكل بإقرارها (340 قرارا جمهوريا بقوانين خلال 15 يوماً الأولى، و167 قانوناً حتى الآن)، والاتفاقيات الدولية التي تم إقرارها (68 اتفاقية)، وطلبات الإحاطة (ألف و103 طلبات)، والبيانات العاجلة (693 بياناً)، والأسئلة (472 سؤالاً)، والاقتراحات (740 اقتراحاً) المٌفترض مناقشتها، إضافة إلى ألفين و115 اجتماعاً للجان النوعية، حسبما قال هيكل.. فهذه الأعداد الكبيرة لـ«القوانين والأسئلة وغيرها»، مما يُدين البرلمان، ويُحسب عليه، لكونها دليلا دامغا على عدم خضوعها للبحث الكافي والدراسة المتأنية، إذ لو أمعنّا الحساب، يمكن الوصول بسهولة إلى أن بحث ودراسة أي قانون أو اتفاقية، أو طلب إحاطة أو غيرهم، لم يستغرق دقائق، وربما ثوان معدودة على أصابع اليد الواحدة في بعض الحالات، أخذا في الاعتبار 55 سفرية أو زيارة خارجية وربما بعضها داخلي، لرئيس البرلمان والأعضاء، مع ملاحظة غياب «الاستجواب» تماما من القائمة الضخمة للإنجازات الموهومة، رغم كونه الأداة الرقابية البرلمانة الأهم والأخطر والأقوى لمساءلة الحكومة ومحاسبة أعضائها.. فيما الشعور السائد شعبيَّا، يؤكد أن البرلمان يمثل سنداً للحكومة وليس للشعب.
العبارات الرنانة إذن عن التشويه والهجمات الإعلامية، هي إنكار لما هو ظاهر، وواضح، بأن «البرلمان» ونوابه هم المتكفلون بالتشويه الذاتي.
نسأل الله السلامة لمصر.