الأقباط متحدون - الخطأ الذى وقع فيه الشيخ سالم عبدالجليل
  • ٠٤:١٢
  • السبت , ٢٠ مايو ٢٠١٧
English version

الخطأ الذى وقع فيه الشيخ سالم عبدالجليل

مقالات مختارة | صلاح عيسي

٠٥: ٠٩ ص +02:00 EET

السبت ٢٠ مايو ٢٠١٧

صلاح عيسي
صلاح عيسي

ضمن التداعيات الحادة، التى ترتبت على قول د. سالم عبدالجليل، وكيل وزارة الأوقاف السابق، فى آخر حلقات البرنامج التليفزيونى الذى كان يقدمه على شاشة «قناة المحور» بأن غير المسلمين كفرة، ويؤمنون بعقائد فاسدة، توقفت أمام إعلان فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر بأنه قرر تشكيل لجنة لوضع اقتراح بمشروع قانون لمكافحة الكراهية والعنف باسم الدين لتقديمه إلى مجلس النواب خلال دور الانعقاد المقبل.

ذلك اقتراح لقانون يصعب - قبل الانتهاء منه - اكتشاف العلاقة بينه وبين الواقعة المنسوبة للدكتور سالم عبدالجليل، الذى شمل مسلسل العقوبات التى وقعت عليه حتى الآن: وقف البرنامج الذى كان يقدمه بقرار من إدارة القناة، التى تعاقدت معه على تقديمه، وحرمانه من الخطابة والوعظ فى المساجد بقرار من وزير الأوقاف، فضلاً عن تقديمه للمحاكمة بتهمة ارتكاب جريمة ازدراء الأديان المؤثمة طبقاً لنص المادة 98 «و» من قانون العقوبات، التى تعاقب كل من استغل الدين فى الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأى وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتسبة إليها، أو الإضرار بالوحدة الوطنية، بالحبس مدة تتراوح بين ستة شهور وخمس سنوات أو بغرامة تتراوح بين 500 و1000 جنيه.

وإذا كان من المنطقى أن المحكمة التى سوف يمثل أمامها د. سالم عبدالجليل سوف تطبق عليه القانون القائم - وهو قانون ازدراء الأديان - وليس الاقتراح بقانون الذى لاتزال اللجنة التى أمر فضيلة الإمام الأكبر بتشكيلها تفكر فى نصوصه، استناداً إلى القاعدة الدستورية التى تقضى بألا جريمة إلا بناء على نص، ولا عقوبة إلا على الأفعال التالية لصدور القانون الذى يؤثمها، فمن المنطقى - كذلك - أن دفاع د. سالم أمام المحكمة سوف يستند إلى الذرائع نفسها التى برر بها ما قاله، فى التصريحات الصحفية والمداخلات التليفزيونية الكثيرة، التى أدلى بها خلال الأسبوع الماضى، ويستشهد بنفس الآيات القرآنية التى اعتمد عليها فى تبرير حكمه، لكى يثبت للمحكمة أنه - على عكس ما تقول المادة 98 «و» من قانون العقوبات، لم يروج لأفكار متطرفة ولم يقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتسبة إليها، أو الإضرار بالوحدة الوطنية، وسوف يكون على النيابة العامة، أو دفاع الذين أقاموا الدعوى العمومية ضده، أن يثبتوا أنه أخطأ - متعمداً - فى تفسير هذه الآيات.

لا مفر إذن من الإقرار بالحقيقة التى تقول بأن الأديان السماوية لا تعترف ببعضها البعض، فاليهود لا يعترفون بالمسيحية ولا بالإسلام، والمسيحيون يعتبرون اليهود مجدفين، ولا يعترفون بنبوة نبى المسلمين، والمسلمون، وإن كانوا يعترفون بنبوة كل من موسى وعيسى، إلا أنهم يؤمنون بأن الكتب التى يعتمد عليها اليهود والنصارى قد أصابها التحريف، ليس هذا فقط، بل إن أتباع المذاهب المختلفة داخل الدين الواحد من هذه الأديان السماوية، ينكر كل منهم الآخر، ويتهمه بالخروج عن الملّة، وكان ذلك من بين أسباب الحروب الدينية التى سالت بسببها أنهار من الدم، إلى أن نشأت الدولة الوطنية لترسى القواعد الدستورية، التى تحكم عالمنا المعاصر، وهى حرية العقيدة وحرية إقامة الشعائر الدينية والمساواة بين المواطنين على أساس الانتماء للوطن.

ولأن تأسيس الدولة الوطنية قد تأخر فى مصر - وفى البلاد الإسلامية عموماً - ثلاثة قرون على الأقل عن مثيلاتها من دول العالم المتقدم، فإن الإقرار بالتنوع الدينى والمذهبى، والفصل بينه وبين المساواة على أساس المواطنة، لايزالان يتطلبان بعض الوقت.. وساهمت الجماعات الدينية والمذهبية المتعصبة فى تأجيج الصراع بين أتباع الأديان والمذاهب المختلفة، خاصة التى تتخذ من الدين ستاراً لأطماعها السياسية.. وكان ذلك ما دفعنى - منذ أكثر من ربع قرن - إلى المطالبة بإصدار قانون يحظر المقارنة بين الأديان والمذاهب فى المنابر العامة التى تخاطب العوام، حتى لا يقودهم الجهل والانفعال إلى ممارسة العنف ضد الذين يختلفون معهم دينياً ومذهبياً، وقصر المناقشات فى مثل هذه الأمور على المجامع الدينية المتخصصة التى تسعى للتقريب بين الأديان والمذاهب، ويتسع صدر المشاركين فيها - بحكم تفقههم فى المسائل الدينية - لتحمل الخلاف فى الرأى حول مسائل حساسة مثل الأديان والعقائد.

وفى أثناء المؤتمر العام الثالث للصحفيين، الذى عقد فى أعقاب أزمة القانون رقم 93 لسنة 1995، اقترحت أن يتضمن القانون البديل، مادة أقرت فيما بعد، ولاتزال قائمة ومعمول بها حتى الآن، هى المادة 20 من القانون رقم 96 لسنة 1996، التى تنص على أن يلتزم الصحفى بالامتناع عن الانحياز إلى الدعوات العنصرية أو التى تنطوى على امتهان للأديان أو الدعوة إلى كراهيتها أو الطعن فى إيمان الآخرين، أو ترويج التحيز أو الاحتقار لأى من طوائف المجتمع.. ونصت المادة 22 من القانون نفسه على معاقبة الصحفى الذى يخالف هذه المادة، بالحبس مدة لا تزيد على سنة، أو بغرامة تتراوح بين خمسة وعشرة آلاف جنيه. ومع أن اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية، كانت قد احتفظت بالنص نفسه، بين مواد قانون الصحافة والإعلام الموحد، مع إلغاء عقوبة الحبس ومضاعفة الغرامة، إلا أن يداً حذفت منها عبارة الطعن فى إيمان الآخرين.. وإعادة هذه العبارة إلى نص المادة، وتغليظ الحد الأقصى للغرامة ليصل إلى 50 ألف جنيه، وغير ذلك مما قد تتطلبه إعادة صياغة المادة، تفتح الباب لكى يتضمن قانون تنظيم الصحافة والإعلام، الذى يفترض أن ينظره مجلس النواب قريباً، حظراً قانونياً لشيوع الاتهام بالكفر فى وسائل الإعلام التى تتوجه للعوام، وهو مصطلح لا يفهم هؤلاء له إلا معنى واحداً: هو القتل الحلال باسم الله! وذلك هو الخطأ الذى وقع فيه الدكتور سالم عبدالجليل.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع