بقلم: أكرم نعام هارون
لقد أفرزت التطورات السياسية الحالية ثلاث قوى تلعب في الساحة المصرية: القوة الأولى هي الجيش، القوة الثانية: هي الأخوان المسلمون والتيارات المتشددة، القوة الثالثة: هي الشعب.
القوتان الأولى والثانية قوتان مسيستان، ولهما برامج وقيادة وخطط واضحة، ومنظمتان تنظيمًا جيدًا، أما الشعب فهو غير مسيس وبدون قائد، وليس له برامج أو خطط، غير أنه يريد مصر أفضل ولكنه يتخبط. توجد بالطبع اختراقات من الجيش للأخوان والعكس، ومن الجيش والأخوان للشعب. الكل يحاول فرض برنامجه ورؤيته على الجميع.. الشعب لم ولن يستطيع اختراق القوتين الأخريتين .
الشعب بدون قائد وغير مسيس، وبه خصائص ضعف معينة متمثلة في نسبة الأمية المرتفعة، عدم الوعي السياسي لنسبة عالية منه، عاطفية وطيبة الشعب المصري بصفة عامة، وميله للعاطفية أكثر من العقلانية؛ هذه كلها تعتبر خصائص ضعف لهذه القوة التي بحق تريد مصر أفضل، لكنها تتخبط ولا تعرف الطريق، لذا تنتشر بينها المتناقضات من الأفكار، أحدهم يقول شرقًا والآخر غربًا، غيره ينادي شمالاً، وغيره جنوبًا، لايوجد اتفاقا علي سياسات معينة، بل إن القائد دومًا ما يتغير ربما كل ساعة، فقد ينادي قائد بمطلب أو فكرة لمدة قصيرة، فتتجيش قوة الشعب كله وراءه، لحيثما تظهر فكرة أخرى أو مطلب آخر، بقائد آخر لوقت قصير، فيجيش الأغلبية مرة أخرى في اتجاهه؛ بصفة عامة الكل يتكلم ويريد للباقي أن يسمع.
هل تستطيع القوة الغير مسيسة وبدون قائد، وبلا خطط وبرامج واضحة، وغير واعية بالمتغيرات العالمية والقوى العالمية الممسكة بزمام الأمور من حولها، وفي نفس الوقت لا تدرك جيدًا حجم وبرامج القوتين الأخريتين، وفي نفس الوقت رفضها المستمر لتنصيب أي قائد، لها بزعم قوة الشعب، أن تفرض قراراها ورؤيتها على جميع الشعب، وعلى القوتين الأخريتين؟ وإن استطاعت فما هي رؤيتها؟ وما هي برامجها؟ وماهي خططها؟ وماهي إمكانياتها لانتشال مصر من التخبط السياسي الحادث فيها؟ وبالتالي الاتجاه نحو تنمية مصر ورفع شأن مصر وإنقاذ اقتصادها أولاً، ثم دفعه نحو آفاق من التنمية غير عادية، ليست النوايا الطيبة والعاطفية التي يتميز بها الشعب المصري التي ستحدث التغيير والتنمية، أوان العواطف قد ولى، فقد كان مفيدًا لحشد الجماهير في مرحلة سابقة، لكن الآن مطلوب أوان العقل وإعماله، لتدبر الامر بحنكة ووعي. فهذا الاقتصاد المتردي الذي ثار بسببه الشعب ثورة عارمة، مجبرًا مبارك يوم 11 فيراير علي التنحي.
المتأمل لماذا خرج الشعب في تظاهرات سلمية يوم 25 يناير، ولماذا أجبر مبارك على التنحي باستمالة قوة الجيش إليه مدفوعًا الشعب من القوتين الأخريتين داخله، سيجد أن السبب هو الاقتصاد المتردي ومستوي المعيشة السئ هو من شجع الشعب علي الخروج، مطالبًا باسقاط النظام، صحيح أن الأمور السياسية شجعت أيضًا الشعب، لكن المحك الأساسي هو ثروة الشعب التي اكتشف انها منهوبة في أيدي قراصنة. فهل يملك الشعب بخصائصه التي يتميز بها، وعدم توحده أن يدفع عجلة الاقتصاد في تنمية غير عادية، بدون الاستعانة بقوة ذات قيادة وذات برنامج وخطط، تستطيع بها مخاطبة القوي الاستثمارية في العالم، لتستمع لها هذه القوى، وتملك من التحالفات الدولية ما يؤهل مصر لدفع اقتصادها للأمام بدون الاستعانة بأي من القوتين الأخريتين الجيش أوالتيارات الاسلامية.
القوي الدولية لن تثق في أن تتعامل مع قوة غير مسيسة، وليس لها قائد وتتخبط في أفكارها يمنة ويسرة، وبذلك لن تمد يدها لمساعدة مصر وتنميتها، إلا إذا استطاع الشعب توحيد صفوفه، واختيار قيادة له يتركها تعمل بدون التدخل في برامجها، حتى تؤتي ثمرًا، فلن يأتي الإصلاح في صاروخ، وإنما يلزم له وقت، هذا وارد لكنه صعب المنال... فما الحل؟
أعتقد أنه على الشعب أن يضع يده في يد إحدى القوتين؛ سواء الجيش أو التيارات الإسلامية السياسية، ليترك الصياح جانبًا وينهض للتنمية الشاملة، وعليه أن يختار من من القوتين يضع ثقله عليهم، إما أن تفرز الأوضاع السياسية الراهنة تجمعًا قائدًا، يجمع الشعب حوله، وينهيه من التخبط.
وللحديث بقية...