ليس من رأى كمن سمع أو قرأ!، حكمة قديمة كنت أسمعها وأصدقها دائماً وفى كل زيارة أولى لأى دولة أفاجأ بأشياء لم أعرفها، بل ولم أتخيل وجودها مهما كنت قد قرأت أو سمعت عن المكان الذى سأسافر إليه، وهنا يرن فى أذنى المثل أو الحكمة السابقة. ولقد سافرت منذ أيام ولأول مرة إلى دولة الكويت الشقيقة بدعوة كريمة من الشيخة حصة الصباح، وتعرفت هناك على ما يسمى بالديوانيات، وهى صالونات أسبوعية أو شهرية تعقد داخل منازل أهل الكويت ويتفاعل معها كثيرون، وتتشكل بحسب طبيعة وميول الحضور، فمنها ديوانيات تهتم بالفنون، وأخرى تعنى بأمور الموسيقى، وديوانيات تهتم بشؤون المال وعالم الاقتصاد والتجارة، وكذلك ديوانيات تهتم بالسياسة سواء الداخلية أو الخارجية ويتم فيها مناقشة كل أمور السياسة دون أى محاذير أو وجود خطوط حمراء، والناس تتحدث بكل حرية وتعلن رأيها، وهناك دائما من يوافق ومن يعارض، لكن لا أحد يتهم أو يخون أحد الكل يعيش ويعمل ويفكر فى مصلحة الكويت وللكويت التى يعشقونها.
فى منزل الشيخة حصة الصباح قابلت صباح الريس الذى قال لى إنهم يجتمعون كل أربعاء من كل أسبوع لمناقشة موضوعات ثقافية أو فنية وقد يكون الموضوع عن أسطورة الغناء العربى أم كلثوم مثلاً فيمتد الحوار والنقاش إلى عدة جلسات، كذلك يهتمون ليس فقط بالموسيقى الشرقية وإنما بالموسيقى الغربية الكلاسيكية، ومنهم الهواة فى الشعر أو العزف على الآلات الموسيقية المختلفة، وقضايا التراث سواء الكويتى أو العربى والعالمى دائماً مثارة، وهم يناقشون ويحللون ويأتون بالحلول ثم يطبقون ما اتفقوا عليه، ولذلك تجد نهضة فى مجال النشر عن قضايا التراث الثقافى والأثرى.
قضيت ثلاثة أيام فى الكويت وتصادف أن زار الرئيس عبدالفتاح السيسى الكويت خلالها وكان استقباله هناك حافلاً معبراً عن مكانة مصر فى قلوب أهل الكويت. وكانت محاضرتى العامة عن الآثار والاكتشافات الأثرية قد حضرها السفير المصرى ياسر عاطف وحرمه وخصصت الجزء الأول منها عن الذى حدث فى مصر بعد ثورة يناير وخلال حكم الإخوان وما حدث للتراث الأثرى المصرى وكيف كان ردة الفعل البشعة من الإخوان بعدما لفظهم المصريون وتدميرهم لمتحف ملوى ثم المتحف الإسلامى فى انفجار مديرية الأمن، وحريق الكنائس الأثرية، وكيف صمم المصريون على مواجهة الإرهاب وإعادة الأمن والأمان إلى بلادهم وقدمت لهم دعوة لقضاء عطلاتهم وإجازاتهم فى مصر بلدهم الثانى. وبعد المحاضرة التقيت بالوزير الشيخ محمد العبدالله الصباح، وزير الإعلام، والمسؤول عن الثقافة بالكويت، وقد شكرته على البرامج التى تقدم هناك فى الأوبرا والأعمال الفنية والموسيقية العالمية التى تحرص دار الأوبرا على إتاحتها لأهل الكويت. بعدها كان هناك لقاء تليفزيونى على الهواء مباشرة فى برنامج يتابعه كل أهل الكويت واستمر لنصف ساعة وكنت مرهقاً جداً بعد المحاضرة، ولذلك عندما سألتنى مقدمة البرنامج عن حقيقة لعنة الفراعنة قلت لها إن اللعنة ستحل على البرنامج إذا استمر أكثر من ذلك فضحكت، وكان ذلك من قبيل الدعابة التى وجدت أن أهلنا بالكويت يعشقون كل ما هو مصرى بفضل تأثير الثقافة المصرية، وكانت دهشتى أن معظم من قابلتهم من أهلنا فى الكويت من رجال ونساء قد عاش وتعلم فى مدارس وجامعات مصرية. لقد كنت فى غاية السعادة وأنا أرى طفرة كبيرة بالمتاحف الفنية والثقافية وبرامج تعليم الصغار الحديثة لتعليم النشء، تاريخ الكويت القديم والحديث.
نقلا عن المصرى اليوم