ليه المثقف دمه تقيل على قلب الدولة؟!
مقالات مختارة | خالد منتصر
الاربعاء ٢٤ مايو ٢٠١٧
أثناء قراءتى كتاب «الطريق إلى داعش» للكاتب الصديق «وائل لطفى» وهو كتاب مهم كتوثيق للتغيرات والتراكمات السلفية التى أدت بنا فى النهاية لهذا الوضع الداعشى الذى نعيشه، أثار أول فصل فى ذهنى علامة استفهام كبيرة، لماذا لا تثق الدولة فى المثقفين؟ لماذا مفيش استلطاف وبتعتبر دمهم تقيل على قلبها؟ لماذا هدف الدولة دائماً هو الاستخدام لهم وليس الاستعلام منهم، هو الرغبة فى التجنيد لا التجديد لتكون النتيجة التبديد؟! تبديد طاقة الدولة والمثقف على السواء، أتحدث عن المثقف زرقاء اليمامة لا المثقف تاجر الشنطة، المثقف الحقيقى المخلص وليس المشهلاتى مقاول الأنفار،
فقد عرض وائل لطفى لدراسة مهمة كتبتها لجنة برئاسة الراحل د. إسماعيل صبرى عبدالله تجيب فيها عن سؤال مهم وهو: ماذا سيفعل الإخوان لو وصلوا للحكم؟ ولا بد للقارئ أن يندهش كيف كُتب هذا التقرير بتلك الدقة وكأنه كان يقرأ الغيب، لا بد أن تتعجب أن كل ما كتبه هؤلاء المثقفون قد حدث بالمللى وبتفاصيل التفاصيل فوتوكوبى!! فقيد اليسار العظيم د. إسماعيل صبرى ورفاقه فى اللجنة لم يضربوا الودع ولا حضّروا الجان ولا فتحوا المندل وقرأوا الكوتشينة، إنهم فقط مثقفون آمنوا بوطنهم وازدادوا حباً وعشقاً لترابه، هم قراء تاريخ بامتياز، ولكنها قراءة ما وراء السطور وخلف الأحداث ودلالاتها، وليست قراءة تاريخ دليل التليفونات وتسميع التواريخ وتمجيد القادة وترديد أسماء الغزوات والمواقع الحربية! لذلك كانت توقعاتهم مبنية على أساس علمى، لكن المهم ماذا فعلت الدولة بهذه الدراسة وتلك التقارير؟!! بدلاً من أن تدخل إلى مطبخ الحاكم لتبدأ خطة المواجهة على أساسها، تم فرمها فى ماكينة التجاهل ورميها فى سلة قمامة اللامبالاة ليتم التحالف السلطوى الإخوانى السلفى! إن الصفة التى أطلقها السادات على المثقفين نتيجة خلافاته مع هيكل واليسار المصرى،
وهى صفة الأفندية الأراذل المشاغبين، فى مقابل ما كان يرسخه من مفاهيم للمثقف الصالح المطيع الوفى ويضعها وسط حزمة أكبر من عبارات تروج لترييف المدينة مثل أخلاق القرية وكبير العيلة والرئيس المؤمن وقانون العيب... إلخ، علاقة ملتبسة معقدة مركبة غير مفهومة ما بين الحاكم والمثقف، لو تمرد المثقف على الاستخدام الرئاسى وخرج عن قطيع الهتيفة المطبلاتية ماسحى الجوخ حاملى المباخر عبدة الأصنام، يصبح مصيره الطرد من الجنة والحرمان من دفء السلطة وفراش المناصب الوثير وحظوة القرب من مملكة الأمن والأمان والثروة والجاه والهيلمان،
إسماعيل صبرى عبدالله نفسه، والذى كان رئيساً لتلك اللجنة، خرج من المعتقل هو وزميله العظيم فؤاد مرسى إلى الوزارة فى زمن السادات لأن الرئيس وقتها كان يظن أن الطريق إلى قلب روسيا يمر عبر جسر الماركسيين المصريين، وأنه من الممكن استئناسهم وإدخالهم إلى حظيرة السلطة التى يربى ويسمن فيها المثقف الداجن الأليف، ولأن إسماعيل صبرى عبدالله وفؤاد مرسى ومن فى وزنهما الفكرى والثقافى كانوا يريدون العمل من أجل عيون هذا الوطن وليس من أجل عيون هذا الحاكم فقد انقلب عليهم السادات سريعاً وفض الشراكة الوهمية حين وجد عجينة هؤلاء مستعصية على التشكيل والتحويل من مثقف إلى صنايعى ومن مفكر إلى سمسار ومن صاحب رؤية لتاجر شنطة، فهل آن الأوان أن تستمع السلطة إلى المثقف ولو مرة، وتتركها من مسألة الاستلطاف والاستظراف تلك وتذهب إلى منطقة أكثر عملية وأعظم فائدة وأخلد وأبقى أثراً، وهى منطقة التفاعل مع المثقف والثقة فيه والإصغاء إلى ما يقوله وتحليله بجدية وعدم اعتباره متهماً حتى تثبت براءته أو بالأصح يثبت انسحاقه!!
نقلا عن الوطن