أغراض غزوة ترامب للسعودية!
د. عبد الخالق حسين
الاربعاء ٢٤ مايو ٢٠١٧
د.عبدالخالق حسين
في الحقيقة إن ما قام به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السعودية والمنطقة لم يكن زيارة تقليدية يقوم بها رئيس دولة لدولة أخرى، وإنما كانت غزوة بكل معنى الكلمة، ولكن بدون جيوش جرارة وسفك دماء، حالياً على الأقل، إذ حقق كل ما تحققه الجيوش الغازية المنتصرة من مكاسب ضد الدولة المهزومة. فكانت الحصيلة الآنية لهذه الغزوة هي صفقات تجارية واستثمارية بأرقام خيالية قد تصل في المستقبل القريب إلى تريليون دولار. فكما جاء في أحد التعليقات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي أن " الجزية التي أخذها المسلمون من المسيحيين خلال 1400 سنه على مر التأريخ استرجعها ترامب في جلسةٍ واحدةٍ". حقاً ما قاله حكيم صيني: (النصر الحقيقي هو النصر الذي تحققه على عدوك بدون حرب).
لقد أثبت ترامب أنه أكبر مخادع سياسي في التاريخ وبلا خجل، فقد كال في حملته الانتخابية سيلاً من الوعود الجذابة للجماهير الأمريكية وغير الأمريكية، مثل حماسه في محاربة الإرهاب، والتطرف الإسلامي، وتهجمه على السعودية ووصفه لها بأنها راعية الإرهاب، و تهديده بمحاسبتها وفق قانون (جاستا) على جريمة 11 سبتمبر 2011، وإرغامها على دفع تكاليف الحماية الأمريكية لها طوال العقود الماضية والقادمة. وهو الذي قال: "أن السعودية هي البقرة الحلوب لأمريكا، ومتى ما جف ضرعها ولم يعد يعطي الدولارات والذهب، عند ذلك نأمر بذبحها او نطلب من غيرنا بذبحها او نساعد مجموعة اخرى على ذبحها". كما وأشاد ترامب في حملته الانتخابية بالرئيس السوري بشار الأسد، والرئيس الروسي بوتين، لدورهما الفعال في محاربة الإرهاب، وأنه يمكن العمل معهما لدحره. ولكن الذي حصل بعد فوزه، وتسلمه الرئاسة، هو العكس تماماً، إذ دشن عهده بقصف القوات السورية المحاربة للإرهاب، واعتبار الأسد شريراً لا يمكن العمل معه، ويجب إزاحته. أما موقفه من السعودية، فقد كافأها كأول دولة يزورها في جولته الخارجية، حيث استقبل استقبالاً حاراً لم يحظى به أي رئيس من قبل.
ومن منجزاته في هذه الزيارة عقد تحالف "الناتو العربي الإسلامي"، وضم إسرائيل إليه، والتطبيع الكامل معها، ومحاربة كل من يعارض هذا التطبيع واتهامه بالإرهاب. فترامب هذا "اتفق مع الحكومة السعودية على صفقات تجارية واستثمارية بلغت 450 مليار دولار، من بينها صفقة الأسلحة التي بلغت 110 مليار دولار لهذا العام، تحت واجهة محاربة التطرف والإرهاب، إذ كما قال إثناء توقيع العقد "يمكن أن تمنح المؤسسة العسكرية السعودية دورا مهما في المجال الإقليمي، لتعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط."(1)
فهل حقاً لعبت السعودية أي دور لتعزيز السلام في المنطقة؟
الواقع يجيب: كلا، وألف كلا...، فالسعودية هي على رأس الدول التي ساهمت في زعزعة الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، حيث دمرت سوريا، والعراق عن طريق إثارة الفتن الطائفية، ودعمها للعصابات الإرهابية، مثل داعش وجبهة النصرة وقبلهما القاعدة، وغيرها. كما وشنت السعودية الحرب الظالمة على الشعب اليمني الجريح، وقامت بتدمير كل بناه التحتية وركائزه الاقتصادية، وقصف المستشفيات والمدارس، ومخازن الأطعمة، ولم يسلم من القصف السعودي حتى مجالس العزاء لضحاياهم. إضافة إلى عواقب هذا الدمار مثل المجاعة و تفشي الأمراض والأوبئة، ومنها الكوليرا التي فتكت بالألوف، فهل هذا هو تعزيز السلام الذي يريده ترامب؟
ثم تأتي الطامة الكبرى في خطاب ترامب أمام مؤتمر القمة الإسلامي في الرياض يوم 21/5/2017 والذي جمع نحو خمسين من رؤساء وملوك وأمراء الدول الإسلامية والعربية. فمن قرأ الخطاب أو سمعه، يعرف وكأن الذي كتبه هو وزير الإعلام السعودي، فالخطاب كله عبارة عن مقتطفات ترددها وسائل الإعلام السعودي على الدوام في هجومه على إيران وسوريا وحزب الله اللبناني وحماس وكل من ليس على وفاق مع أمريكا وإسرائيل. ومما جاء في هذا الخطاب أمام قادة العالم الإسلامي للتعاون لمكافحة التطرف، أنه اتهم إيران بزعزعة أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، و"أن الأسد ارتكب جرائم لا يمكن وصفها وكان مدعوما من طرف إيران." متهماً إيران، وليس السعودية، برعاية الإرهاب وتمويلها وتسليحها، وقال إنها "تسلح وتمول الميليشيات التي تنشر الدمار واالفوضى، وأن السياسة الإيرانية مسؤولة عن الكثير من الصراعات التي ادت إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة."(1)
ونحن لا نريد هنا أن ندافع عن إيران، ولكن الحقيقة يجب أن تقال، وإلا ستنهار القيم، ونقرأ على الأخلاق السلام. فالكل يعرف، و من اعترافات وتصريحات قادة الإدارة الأمريكية السابقة، وحتى من خطابات ترامب نفسه إثناء حملته الانتخابية، أن السعودية، هي راعية الإرهاب. والكل يعرف أيضاً أن إيران تساعد العراق وسوريا في حربهما على الإرهاب، وليست راعية للإرهاب كما يدعى ترامب. فالدول الراعية للإرهاب هي السعودية وقطر وتركيا، حليفات أمريكا وإسرائيل. ولكن المصالح الاقتصادية، وتوقيع صفقات استثمارية بقيمة 450 مليار دولار، هي التي تميت الضمائر وتعمي البصائر، وتحيل الحق إلى باطل والباطل إلى حق، وتجعل السياسة بلا أخلاق، وتعتبر الجهات الراعية للإرهاب هي محاربة له، والتي تحارب الإرهاب هي راعية له. فترامب هذا يعامل السعودية وكأنها قلعة الديمقراطية، إذ كما قال محمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران في رده متهكماً على ترامب: "إيران التي أنهت للتو انتخابات حقيقية تتعرض لهجوم من رئيس الولايات المتحدة في معقل الديمقراطية والاعتدال. هل هي سياسة خارجية أم استخلاص 480 مليار دولار من السعودية ببساطة؟".(2)
والمؤسف، أن البعض يعتبر خطاب ترامب أمام مؤتمر القمة الإسلامي في الرياض تكراراً لخطاب أوباما في جامعة القاهرة في عام 2009. وهذا تجني على الحقيقة، إذ شتان ما بين المناسبتين والخطابين والقصد منهما. فخطاب أوباما كان من أجل بناء الجسور بين العالم الإسلامي وأمريكا للقضاء على التطرف والإرهاب، بينما خطاب ترامب هو لإشعال الحروب على إيران والشيعة والمقاومة الفلسطينية، وتعميق الصراع الطائفي السني-الشيعي في العالم الإسلامي، واعتبار كل من يطالب بحق الشعب الفلسطيني مثل حماس وحزب الله اللبناني، وأية حكومة تدعم هذا الحق، هي جهات إرهابية في رأيه.
إذنْ، ما هي أغراض غزوة ترامب للمنطقة:
أولاً، تحويل (الصراع العربي-الإسرائيلي)، إلى صراع بين المسلمين أنفسهم، أي إلى (صراع عربي-إيراني)، و(صراع سني- شيعي)، وبالتالي تحقيق تحالف إسلامي إسرائيلي ضد إيران الشيعية. وبما أن إيران وسوريا والقوى المتحالفة معهما هي ضد التطبيع مع إسرائيل، فإيران في نظر ترامب هي المسؤولة عن زعزعة الوضع في الشرق الأوسط، وليست السعودية.
ثانياً، وعد ترامب الشعب الأمريكي أن يستحلب السعودية والدول الخليجية الغنية إلى آخر دولار، لجلب الاستثمار إلى أمريكا. وهاهو قد حقق هذا الغرض بتوقيع صفقات بلغت قيمتها لحد الآن نحو 450 مليار دولار كوجبة أولى والبقية تأتي.
ثالثاً، إثارة مخاوف الدول الخليجية من البعبع الإيراني والبعبع الشيعي، ودفعها لسباق التسلح، خدمة لشركات ومعامل ولوبيات السلاح في أمريكا وغيرها من الدول الغربية.
رابعاً، نجح ترامب بعقد الصفقات التجارية مع السعودية في تخفيف الهجوم عليه في أمريكا، ولو إلى حين، إذ من المتوقع أن يواجه قريباً محاكمة دستورية أمام البرلمان بتهمة إفشاء أسرار أمنية تتعلق بالأمن القومي إلى روسيا، ويمكن أن يكون مصيره كمصير الرئيس الأمريكي الأسبق، رتشارد نيكسون في السبعينات من القرن الماضي في فضيحة ووترغيت.
خامساً، أثبتت زيارة ترامب أن حكام الخليج وخاصة العائلة المالكة السعودية، عبارة عن عبيد مطيعين لأمريكا، وأن مصيرهم وبقاءهم في السلطة مرتبط بالحماية الأمريكية لهم، وليس بالاعتماد على شعوبهم، لأن شعوبهم غاضبة عليهم، وما أن تسحب أمريكا حمايتها لهم، فإنهم سيسقطون كأوراق الخريف.
خلاصة القول، إن نتائج زيارة أو غزوة ترامب خطيرة جداً على أمن واستقرار المنطقة، فهي ليست ضد الإرهاب والتطرف كما يدعي، بل العكس تماماً، أي لدعم الإرهاب، وشن حرب على كل من يحارب الإرهاب، و ذلك خدمة لإسرائيل.
فما هو تأثير هذه الغزوة على العراق، وماذا يجب أن يكون موقف العراق منها؟ هذا سيكون موضوع مقالنا القادم.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــ
رابط ذات علاقة
1- ترامب يدعو من السعودية لمكافحة الإرهاب ويتهم إيران بزعزعة استقرار المنطقة
http://www.bbc.com/arabic/middleeast-39990477
2- تعليق لاذع من إيران على الصفقات التي وقعها ترامب مع السعودية
https://arabic.sputniknews.com/arab_world/201705211024139090-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%82-
3- د.عبدالخالق حسين: ترامب في خدمة الإرهاب
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=882