الأقباط متحدون - حلايب وشلاتين مصريتان إلى آخر الزمان
  • ٠١:٥٨
  • الخميس , ٢٥ مايو ٢٠١٧
English version

حلايب وشلاتين مصريتان إلى آخر الزمان

مقالات مختارة | بقلم :سليمان شفيق

٣١: ٠٤ م +02:00 EET

الخميس ٢٥ مايو ٢٠١٧

سليمان شفيق
سليمان شفيق

 مع احترامى للشعب السودانى، فوجئ الرأى العام بالرئيس السودانى عمر البشير فى حديثه لإحدى الصحف العربية يقول: «حلايب وشلاتين ملك للسودان، وأن الخرطوم تمتلك أدلة على ذلك»، وأضاف: «لن نحارب مصر فى هذه الحدود، وسنحاول حلّها بالتحاور والتفاوض مع إخوتنا المصريين وفى حالة العجز التام فلن يكون أمامنا إلا اللجوء إلى التحكيم وإلى الأمم المتحدة، ونحن لنا أمل بأن نصل إلى نهاية سعيدة بالتفاهم والتحاور والتفاوض المتعقّل، ولن ندخل فى حرب مع الشقيقة مصر فى هذه الحدود لأن ما بين البلدين والشعبين الشقيقين أكثر من تداخل، فهما كفيلان بأن يتجاوزا مشكلة الحدود».

 
اندهشت للغاية من حديث البشير، وكأنة رئيس دولة، وليس المتهم فى قضايا ضد الإنسانية ومطلوب تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية؟! ولست أدرى من أين أتى بتلك الجرأة التى تجعله يتصور أنه يستطيع أن يحارب مصر؟ ولكننى قررت أن أكتب للأجيال الجديدة معلومة أن السودان كلها كانت جزءا من مصر واستقلت عن مصر بعد الإعلان التاريخى للرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر باستقلال السودان فى 1956.
 
ويعود التاريخ المعاصر للعلاقات بين البلدين، عندما جاء محمد على إلى مصر أدرك أهمية السودان فضمها إلى مصر عام 1822 لتكون أرضاً واحدة وشعبا واحدا، فى ظل خشية دول أوروبا من طموحاته وطموحات ابنه إبراهيم، وفى عهد الخديوى إسماعيل تزايدت أنشطة مصر فى السودان من إنشاء المدارس والمساجد والمرافق، بل ووصل الإعمار إلى الصومال.
 
ومع احتلال الإنجليز لمصر عام 1882 بدأ السعى إلى تفتيت هذه الوحدة، إلى أن تمكن المستعمر من فرض اتفاقية 1899 التى نصت على أن يتولى الإشراف على السودان ممثل لحاكم مصر وممثل للإنجليز، وأن يرفع العلم الإنجليزى بجانب العلم المصرى، وسمح لمصر بتقديم معونات مالية للسودان، وإن كان هذا الحكم يتخذ شكلاً ثنائياً إلا أن الواقع هو انفراد إنجلترا بحكم السودان رغم رفع العلم المصرى بالسودان، بل ورغم وجود قوات للجيش المصرى هناك، وبدا هذا منطقياً إذ إن مصر ذاتها كانت محتلة من الإنجليز.
 
وبدأت أزمة السودان بعد عقد هذه الاتفاقية: «اتفاقية الحكم الثنائى بين مصر وبريطانيا»، حتى قيام ثورة 23 يوليو التى كانت مع السودانيين فى تقرير مصيرهم وتمكن الرئيس المصرى حينذاك، محمد نجيب من عقد اتفاق مرضٍ بين حزب الأمة السودانى أحد الأحزاب المتمسكة باستقلال السودان، فى 29 أكتوبر 1952 بعد أن وجه نجيب الدعوة لزعماء الحزب للحضور إلى القاهرة، ثم نجح فى توحيد جميع الأحزاب الاتحادية السودانية المشتتة، بعد أن حضروا إلى القاهرة فى حزب واحد، وهو ما أطلق عليه «الحزب الوطنى الاتحادى».
 
ونجحت المفاوضات بالفعل، وقام الوفدان المصرى والبريطانى بتوقيع اتفاقية الحكم الذاتى للسودان فى 12 فبراير 1953 بعد نجاح زيارة صلاح سالم للجنوب التى قوبلت بالسرور من قبل الأهالى، وفى 25 نوفمبر من نفس العام اكتسح الحزب الوطنى الاتحادى الانتخابات البرلمانية، وأصبح له أغلبية ضخمة فى مجلس النواب والشيوخ، إلى أن تم انتخاب إسماعيل الأزهرى رئيسًا للوزراء من قبل المجلس فى يناير 1954، وبعد إعفاء محمد نجيب من منصبه فى 14 نوفمبر 1954، ومع سياسة إسماعيل الأزهرى المتسمة بالجفاء والتباعد عن مصر، حدثت صدامات حادة فى العلاقات بين البلدين من خلال وسائل الإعلام.
 
وسافر بعدها الرئيس جمال عبدالناصر إلى الخرطوم ليعلن عن استقلال الشعب السودانى أمام البرلمان، ليصبح عبدالناصر بطلًا وزعيم الاستقلال، فيما اعتبر قرارا تاريخيا، وأعلن رئيس الوزراء إسماعيل الأزهرى استقلال السودان خلال جلسة البرلمان التاريخية التى عقدت فى مطلع يناير 1956.
 
تاريخيا أيضا حلايب وشلاتين مصريتان، ووفق معاهدة 1899 التى رسمت فيها الحدود بين مصر والسودان التى حددتها بريطانيا، ضمت المناطق من دائرة 22 شمالا لمصر وعليها يقع مثلث حلايب وشلاتين، داخل الحدود المصرية، وبعد ثلاثة أعوام 1902، عاد الاحتلال البريطانى الذى كان يحكم البلدين بجعل المثلث تابعا للإدارة السودانية، وبعد اتفاقية جلاء الاستعمار البريطانى عن مصر وكذلك استقلال السودان 1956، وفى 18 فبراير 1958 قام جمال عبدالناصر بإرسال قوات إلى المنطقة بعد انسحاب القوات السودانية، ولكن النزاع ظهر مرة أخرى فى 1992، عندما اعترضت مصر على إعطاء حكومة السودان حقوق التنقيب عن البترول فى المياه المقابلة لمثلث حلايب لشركة كندية. فقامت الشركة بالانسحاب حتى يتم الفصل فى مسألة السيادة على المنطقة، وفى الانتخابات البرلمانية المصرية لعام 2011 فى نوفمبر وشملت مثلث حلايب ونقلت صناديق الانتخاب إلى الغردقة بطائرة مروحية عسكرية مصرية لفرز الاصوات هناك.
 
تزامنت تلك القلاقل مع تحركات الدوحة وأنقرة تجاه السودان، والتقارب مع رئيسها، عمر البشير، فى حين زارت الشيخة موزة بنت ناصر للخرطوم، وانتشرت صورها عبر وسائل التواصل الاجتماعى، كالنار فى الهشيم، حيث موقعها بمنطقة أهرامات السودان التى يقوم بترميمها المشروع القطرى السودانى. وفى الشهر التالى قام أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثانى، بزيارة السودان، ولقاء رئيسها، فى إطار تفقد المشروع القطرى بتمويل من منظمة «قطر الخيرية» بـ12 مليون دولار.
 
فيما وقعت تركيا والسودان فى مايو الجارى على مواد اتفاقية الشراكة التجارية بينهما، وأعلن نائب وزير الاقتصاد والتجارة التركى، فاتح متين، أن الجولة الثالثة من المفاوضات ستنطلق فى يوليو المقبل، كما أكد الجانب السودانى على سعيه لاستكمال متطلبات الاتفاقية خلال يونيو المقبل، وقال وزير الدولة بوزارة التجارة السودانية، الصادق محمد على: «الاتفاقية ستمكن الاقتصاد السودانى وقطاعاته المختلفة، من إنتاج سلعه وخدمات تحتاج إليها السوق التركية».
هنا نرى أنه بعد فشل الحلف التركى القطرى فى توظيف الإرهابيين الإخوان فى إعاقة مصر عن تقدمها فى مكافحة الإرهاب والمضى فى التنمية والبناء، نحن إزاء تحركات الحلف التركى القطرى نحو السودان فى محاولة شغل مصر بعيدا عن قضاياها الرئيسية، ولكن أبدا لن يمروا وستظل حلايب وشلاتين مصريتين، إلى آخر الزمان.
نقلا عن اليوم السابع
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع