الأقباط متحدون - الأباء المختطفون !
  • ١٧:١٨
  • الجمعة , ٢٦ مايو ٢٠١٧
English version

الأباء المختطفون !

البروتوبرسفيتيروس أثناسيوس حنين

مساحة رأي

٠٥: ١١ ص +02:00 EET

الجمعة ٢٦ مايو ٢٠١٧

مطرانى حلب بولس يازجى ويوحنا ابراهيم
مطرانى حلب بولس يازجى ويوحنا ابراهيم

The Kidnapped Fathers
طغمة جديدة فى تاريخ أباء الكنيسة الجامعة

بقلم الأب ألدكتور أثناسيوس حنين
تم نشر هذا المقال فى دورية مطرانية حلب "الصليب المحيى" بمناسبة مرور 4 سنوات على خطف مطرانى حلب بولس يازجى ويوحنا ابراهيم – السنة الثامنة /العدد الثانى والثلاثين/نيسان 2017 .

الأب أثناسيوس حنين ولد فى مصر 1952 ونال أجازة فى الأدب الانجليزى ’ ثم شهاد اللاهوت من أثينا .ماستر فى الأداب القبطية من باريس ومن دبلوم الدراسات المتعمقة فى الباترولوجى من السوربون ’ ودبلوم فى اللغة اليونانية القديمة من باريس ’ ودبلوم فى اللغة والأداب القبطية من الجامعة الكاثوليكية فى باريس ’ ومن ثم الدكتوراة فى التاريخ ’ تاريخ العلاقة بين التراث الهيللينى والتراث المصرى ’ من كلية الأداب واللغات القديمة بجامعة ليموج فرنسا 2010 ’ يخدم الأن فى مطرانية بيرية باليونان .

الأباء المختطفون !
The Kidnapped Fathers !
طغمة جديدة فى تاريخ أباء الكنيسة الجامعة
خواطر حزينة فى الذكرى الرابعة للاختفاء المأساوى لسيادة المطرانين بولس يازجى ويوحنا ابراهيم .
الأب المتقدم فى الكهنة الدكتور أثناسيوس حنين – مطرانية بيرية -اليونان

"الخطف هو العزلة القسرية وهى الموت تحديدا لأن التعذيب هو فى انتظار التعذيب كما يقول اللاهوت الارثوذكسى ’ الخطف هو حتى

حرب على الحضرة الألهية فى الانسان ’ أيقونة الله ’ على الوجه البروسبون ’ولله وحده حق اختبارنا بالصبر وبابتلائنا ونقلنا الى حضرته ورؤيته وجها لوجه ’ ذلك أنه لا يعزلنا بذا الا عن معاصينا . وأذا أخذنا حب وجهه حتى نتنزه عن عبودية المخلوق يكون قد أختطفنا ’ هو ’ بذهول العشق.

حينما طلب منى الأب باسيليوس أن أكتب كلمة فى الذكرى الرابعة للاختفاء القسرى للأباء المطارنة السوريين المطران بولس يازجى والمطران يوحنا

’ وطلبات الأحباء أوامر’ تجدد فى قلبى حزن ووجع لا ينقطع من أجل أقربائنا وأحبائنا فى دمشق الغناء وسوريا الحضارة ’ لقد صاركل شئ موجع حتى أخذنا القلم والكلمات تتكسر كما تكسرت أضلع أطفال سوريا ’ والنازحون يفترشون اليأس ’ وهنا لا أملك الا أن أعاتب الرب مع صاحب المزامير فى أحد صرخاته التى يعنونها العلماء ضمن (صلوات الاستغاثة والثقة والحمد ) وأقول :

"لماذا يا رب تقف بعيدا وفى زمن الضيق تحتجب ؟
الشرير بكبريائه يلاحق المؤمن فليؤخذ بالمكايد التى دبرها.
لأن الشرير يفتخر بشهوات نفسه والخاطف يجدف . يهين الرب .
عيناه تراقبان المتواضع تربص فى المخباء
يتربص ليخطف البائس يخطف المتواضع ويجذبه الى شباكه" .

من يقرأ تاريخ المسيحية يعرف القليل أو الكثير عن الأباء الرسوليون والأباء المدافعون والأباء اللاهوتيون ’ لكنه لابد ومن أن يصيبه لون من الدهش حينما يسمع عن فئة جديدة تنضم الى صفوف الأباء وكان لابد على علماء الأباء أن يوثقوا لها ويخصصوا لها بابا فى كتب (الباترولوجيا). وهذه الطغمة هى خورس "الأباء المختطفون ! " . وحتى ساعة خطف المطرانين ’ كنا نعرف من كتبنا التراثية ومراجعنا اللاهوتية بأن "الخطف والاختطاف" هو حالة من التجلى الروحانى والقداسة "الثاؤريا" أى رؤية النور الغير المخلوق وهنا ينخطف العقل فى الرؤية وبالرؤية ولقد حذر الأباء الشيوخ من الوقوع فى فخ الثاؤريا المركبة والتى هى فخ الشيطان لأن الثيؤريا أو الانخطاف العقلى هو حالة بسيطة وليست بشئ مركب" .قيل عن الأب القديس أغاثون أنه لما كان عتيدأ أن ينطلق الى الرب مكث ثلاثة أيام وعيناه مفتوحتان لا يتحرك(حالة صلاة دائمة وأنخطاف!) فأقامه الأخوة وقالوا له :يا أبانا : أين أنت ؟! فقال : أنا أقف أمام عرش القضاء الالهى !فقالوا له : هل هذا يفزعك ويخيفك أنت أيضا ؟! لإ ’أجابهم :"على قدر طاقتى أحببت الرب وحفظت وصاياه . الا أننى أنسان . من أين لى أن أعلم اذا كان عملى قد أرضى الله ؟" فقالوا له : ألست واثقا بأن عملك مرضي عند الله الأب ؟ فقال الشيخ : "لن أثق تماما دون أن ألقى وجه الله لأن حكم الناس شئ وحكم الله شئ أخر ".فطلبوا منه كلمة منفعة . فقال لهم : أصنعوا محبة . ولا تكلمونى لأنى مشغول فى هذه الساعة(حالة انخطاف ) . وللوقت تنيح . فأبصر الأخوة وجهه كمن يقوم بتقبيل وجه حبيبه ". هذا هو الانخطاف الذى نعرفه والذى عاشه ويعيشه رجال الله القديسون والمتألهون العقول .

لقد أحدث الاختفاء القسرى والقهرى للمطرانين بولس الكارز ويوحنا الرائى فى ظروف غامضة صدمة كبرى عند العلماء والبسطاء ’ على السواء ’ولكن الصدمة لم تهز وجدان ولا ضمير من خططوا لها ومن مولوها ومن نفذوها ومن أفتوا بشرعيتها ومن صمتوا و يصمتون عنها من كبار هذه الدنيا ! لقد جمع سيادة المطران بولس يازجى بين علوم الدين وعلوم الدنيا وصنع منهما منظومة لاهوتية متجسدة فى هموم الانسان ’ كل انسان ’ وكل الانسان . أن من يقرر أن يبحث عن عن الأساس الأخروى للاخلاق الدنيوية ’وهذا موضوع أطروحة الدكتوراة التى قدمها سيادته فى كلية اللاهوت جامعة تسالونيكى ’ نقول لابد وأن يكون لاهوتيا من طراز فريد وخاصة بعد أن أنتشرت الانفصامية النسطورية والمونوفيزية الامتزاجية والمزاجية ’أو كادت بين الاخلاقيات واللاهوتيات والأرضيات والسماويات وبين الدنيويات والأخرويات وبين الأتيات والأنيات وبين اللاهوت والحياة. ربما لو أدرك الخاطفون شئ من هذه الرؤية ’ لما أقدموا على فعلتهم الشنعاء.

تشارك المطرانان فى حب الرب وكنيسته من الصغر وبعد أن نهلا من علوم الدنيا قصدا مراكز المسيحية الكبرى فى اليونان وروما ’ أتيا كعصفورين من الشرق لا لكى يتغربوا عن الأصول بل لكى يعيدوا حفر الأبار الشرقية اللاهوتية القديمة والتى حفرها الأباء الانطاكيون العظام من أغناطيوس الثيؤفوروس الى اليوم ’ قصد أحدهم روما العظيمة في ابداعاتها وهيكالياتها القانونية وبهائها الامبراطوري والأخر ذهب حاجا وناسكا الى مدينة تسالونيكى المتواضعة على خطى حبيبه بولس الكارز . لقد أصاب سيادة المطران بولس فى اختياره مدينة تسالونيكى اذ كنا نسمع دائما ونحن طلاب لاهوت فى أثينا أن الأثينيون قد (عقلنوا) اللاهوت (وفذلكوه) ’أو على حد رؤية عالم اللاهوت الالمانى أدولف هارناك "أن المسيحية قد تهللنت وتعقلنت حتى الجفاف" بينما التسالونيكيون قد نجحوا فى تنصير الهللينية حتى الطراوة ’ اذعاشوا اللاهوت سرا فى القلب واعلانات فى العقل ولعل أحد أهم أسباب هذا النضوج اللاهوتى هو بعدها عن أثينا الشغب العقلى ’ وقرب المدينة من الجبل المقدس أثوس حيث عاش وتنسك أكابر الروح فى الشرق والغرب ولقد كان لسيادة المطران بولس محجات كثيرة الى جبل أثوس وعاشر أكابر الروح .لم يكن لاهوتيا قلبيا فقط وكما لم يكن قلبا بلا حياة ’ كتب أحد أصدقائه فى كلية اللاهوت تسالونيكى وهو المتقدم فى الكهنة ليونيذاس أثناسوليس بمطرانية بيرية (باللغة اليونانية وقام بالترجمة الى العربية الأب أثناسيوس حنين كاتب المقال) يقول :

"أنى أحسب نفسى محظوظا لأن الله قد وهبنى عطية أن يكون زميلى فى الدراسة فى كلية اللاهوت –جامعة ارسطوطيلوس –تسالونيكى هو صاحب السيادة مطران فيرياس والكسندريتاس (حلب وتوابعها) بولس بين عامى 1984 و1988. وتبدأ ذكرياتنا من مقاعد الدراسة وقاعة المحاضرات الكبرى فى كلية اللاهوت ’ فى شهر سبتمبر عام 1984 من القرن الماضى ’ ووقتها كان سيادته علمانيا . وحدث أنه غاب عنا وعن الدروس فى الجامعة لمدة شهر تقريبا ’ ومن ثم عاد شماسا أنجيليا ’ وخدم فى دير فلاطادون ’ حيث كان يقيم كضيف .

تم تعيينه بعد ذلك للخدمة فى مطرانية تسالونيكى المقدسة وتم استضافته للاقامة فى دير القديسة ثيؤدورا ’ وخدم فى كنيسة القديس ثيرابونتاس حتى حصوله على الشهادة . كان الأب بولس ’ خلال هذه الأربعة سنوات من رفقة الدراسة ’ مكرسا حياته ووقته لدراسة العلوم المقدسة وخدمة الكنيسة . ولقد تشرفت بأن أكون بجانبه فى الدروس وكنا نتشارك أفكارنا وهمومنا وأشواقنا للكنيسة ومعاناتنا اليومية وغربتنا وافاق مستقبل خدمتنا فى كنيسة الله . لقد حدثنى عن عائلته الرائعة والمباركة ’وعن أخيه الأب يوحنا كاهن اللاذقية (الأن بطريرك أنطاكية )’ وعن الحياة الكنسية كما عاشها فى سورية ’ موطنه الأصلى . وأشهد أننى فى وجه الأب بولس ’ رأيت روميا حقيقيا ومسيحى أصيل ’ وأنسان يعشق العلم حتى الثمالة ’ ولفتنى معارفه الغزيرة ’ واتقانه اللغات العديدة ’ وفوق ذلك درايته بالموسيقى البيزنطية وتاريخها وتراثها ’ ولا أنسى أنه ’ وأيضا وأيضا ’ فنان ورسام للايقونات. لقد قام بفلاحة كل هذه المواهب ’ ليس فقط فى صفوف اللاهوت ’ بل ذهب الى الينبوع ’ الى الجبل المقدس أثوس ’ الذى كان يعشقه ’ وارتبط به وفيه برباطات روحية كثيرة وكبيرة وخاصة مع دير ’ شفيعه وحبيبه ’ القديس بولس الرسول ويعتبره الأباء فى الدير أخا من أخوة الدير العريق.

كثيرا ما كنا نحتسى القهوة العربية ’ برائحتها الزكية ’ فى أروقة دير فلاطادون ’ وفى دير القديسة ثيؤدورا ’ حيث كان يقيم ’ وهكذا تعرفت على الغنى الروحى لشخصية الأب بولس ’ طابعه المميز والمملح والمفلح ’ وصلابة أخلاقه ’ ودرايته الكاملة بحجم وقيمة ومركز المؤسسة التى يمثلها فى أنطاكية العظمى ’ وكذلك تعطشه للمعرفة والفلاحة الروحية.

لقد كان الأب بولس يمتص رحيق العبادة كمثل الاسفنجة ’ من خلال الأنشطة التى أشتركنا فيها ’ أثناء أقامتنا ضيوف ’ هو ’ فى القديسة ثيؤدورا ’ وأنا فى القديس أنطونيوس ’ فى ضيافة طيب الذكر مطران تسالونيكى بندليمون ’ ومعاونيه البروتوسينجيلوس والأن مطران فيرياس بندليمون و أيضا المسئول عن أنشطة الشباب ’ وقتها ’ وهو مطران لاغادا كيريوس يؤأنس. نحن نطوب معا هذه البركة التى أعطاها لنا الله أن نكون مقيمين فى مثل هذا الجو الروحى فى مدينة الله العظمى تسالونيكى .

وأخيرا ’ أصلى الى الله الكلى قدسه ’ ونحن مقبلون على الصوم الأربعينى المقدس ’ ونترجى فصحا مجيدا ’ أن يعطى الله ’ نهاية سعيدة لتجربة سيادته وأن يعيده بسلام صحيحا معافا مديد الأيام الى بطريركية أنطاكية العريقة والمجيدة ’ وأن يصير زينة كنيستنا الجامعة الارثوذكسية . وكما أترجى لصاحب الغبطة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق كيريوس كيروس يوحنا العاشر بأن يعود ويستقبل فى أحضانه أخيه بالجسد وأخيه فى الروح على المذبح الكلى القداسة ".

لا تقتصر شهادت احباء المطران بولس يازجى على الاكيريكيين ’ بل تتعداها الى أثره فى حياة العلماء والمثقفين ’ فقد صارحت صديقى البروفسور نبيل حبيب كبير الأطباء الارثوذكسى اللذى يسكن المملكة المتحدة ’ ويقوم بخدمة عظيمة اذ يرسل للارثوكس المقيمين فى أوربا وربما خارجها’ كل يوم أحد مقدس ’ النشرة الارثوذكسية والتى تحتوى على الرسالة والانجيل وعظة الراعى وهذا الراعى ليس أخر سوى سيادة المطران بولس يازجى ’ وسف نختم كلمتنا بعظة الغفران لسيادة المطران بولس ’وق أرسل لى رسالة صغيرة فى حجمها ولكنها عظيمة فى شهادتها يقول :

Dear father Athanasios ,
Unfortuntely I don,t know Bishop Paul well at all. I only met him once in Aleppo for less than 15 minutes .I visited St. Semon Church.!I know him more from his writings which have been inspiring in making me understand the depth of our faith and tradition I. Sincerely.
Nabil

. لهذا صار تقليدا أنه لابد لطلاب اللاهوت الأثينيين من زيارة حج الى مدينة تسالونيكى لاستلهام المصالحة البولسية بين العقل والقلب اذ بينما مارس بولس علم المحاجاة مع اليهود التسالونيكيين موضحا لهم حقيقة شخص المسيح (أعمال الرسل 17 ’1) نجده فى أثينا وقد "أحتدت روحه رأى المدينة مملوة أصناما ...وقابله قوم من الفلاسفة الابيكوريين والرواقيين وقال بعضهم ماذا يريد هذا المهذار أن يقول وبعض انه يظهر مناديا بألهة غريبة .لأنه كان يبشرهم بيسوع والقيامة . فأخذوه وذهبوا به الى الأريوس باغوس قائلين ’هل يمكننا أن نعرف ما هو هذا التعليم الجديد الذى تتكلم به ؟" . الأن نفهم لماذا فضل المطران بولس يازجى أن يذهب الى تسالونيكى ليتعلم اللاهوت !

الشئ اللافت أن الفعل (يخطف ) ومشتقاته لم يرد فى الكتاب المقدس ’ وحسب فهرس الكتاب ’ الا قليلا ’ وليسمح لى القارئ بأن لا أعرج على أيات قرأنية عن القضية ولقد أفرط حفنة من المسيحيين فى استعمالها ووضعها على رؤؤسهم مجاملة وبلا مقابل وهم يعلمون بأن فى القرأن أيات عدوانية وبأن التفسير أشد ضراوة من النص ! ينسب الكلام الالهى الخطف الى الله كعقاب للشرير ويحدد معانى الخطف فى كلمات قليلة "أحببت كل كلام مهلك ولسان غش ’ أيضا يهدمك الله الى الأبد ويقلعك من مسكنك ويستأصلك من أرض الأحياء" وفى مواضع أخرى التى ورد فيها تعبير الخطف يتكلم عن ايجابيات الخطف وبركات الاختطاف " الحق أقول لكم ....ان ملكوت السموات يؤخذ بالسهر الروحى ’ والساهرون يختطفونه"

.المسيحيون يتسابقون من أجل أختطاف ملكوت الله ’ بينما نرى أخرين ومنهم الذين أقدموا على خطف المطرانيين الجليللين ’ يرون فى خطف الأبرياء خدمة لله’ ! وفى سفر الأعمال الذى أحبه المطرانان وفسروه وجالوا وصالوا بين اعلاناته وبشارته ’ نرى أن الذى يختطف هو روح الرب ومن أجل خير الناس وخلاصهم وأن من يعاين حادثة الخطف لا يكتئب ويحزن ’ بل يفرح اذا خطف روح الرب فيليبس بعد أن قام بتعميد وتنصير الخصى "فعمد فيليبس الخصى ’ ولما خرجا من الماء خطف روح الرب فيلبس ’ فغاب عن نظر الخصى " وبدلا من أن يصيب الحزن قلب المعتمد الجديد ’ نراه يسير فى طريقه فرحا لأن خطف فيلبس كان للبشارة والخدمة لحساب ملكوت الله وليس نزوة فى خدمة ملكوت أبليس ! ’ الخطف هنا يجلب الفرح لأنه من الروح وبينما نجد من يخطفه الروح يمجد الله ’ فأن الخاطف للناس بدون وجه حق ’ حسب كتاب المزامير " يجدف ويكفر . يهين الرب " . الخاطف للناس كافر حسب الكتاب المقدس .واذا جئنا الى الاسخاتولوجيا أى الاخرويات والتى كرس لها أحد المطرانين المخطوفين ’ رسالة دكتوراة ’ فسنجد أن بولس الكارز وفى رسالته مدينة التسالونيكيين المحبوبة الى البولسين ’ الطرسوسى واليازجى ’ ’ يطمئن المؤمنين بخصوص الأيام الأخيرة ’ وما بعد الموت ومجئ السيد ’ ربما لهذا السبب أحب المطران اليازجى شخص بولس ومدينة تسالونيكى ’ قال بولس " لا تريد أن تجهلوا أيها الأخوة من جهة الراقدين لكى لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم ’ لأنه ان كنا نؤمن أن يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله أيضا معه ’فأننا نقول لكم هذا بكلمة الرب اننا نحن الأحياء الباقين الى مجئ الرب لا نسبق الراقدين ’ لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وببوق الله سوف ينزل من السماء والأموات فى المسيح سيقومون أولا " الى أن يأتى الى الاحياء على الارض أثناء مجئ المسيح ويقول " ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعا معهم فى السحاب للقاء الرب فى الهواء وكذلك نكون كل حين مع الرب . عزوا بعضكم بعضكم بهذا الكلام " . هذا اختطاف يسبب الفرح ويجلب العزاء ’ بينما تسبب اختطاف المطرانيين فى أن سوريا كلها والشرق معها تبكى مع سوريا كلها ولا تريد أن تتعزى لأن بولس ويوحنا ليسوا موجودين ولن نتعزى ولن نعطى لعيوننا نوما ’ فى هذا الصوم المقدس ’ ولا لاجفاننا نعاسا حتى نراهم ’ قريبا ’ قائمون وأحياء فى وسطنا فى فصح جديد . يوحنا الرسول شفيع المطران يوحنا ابراهيم يقارن بين عمل الراعى الصالح وعمل الذئب الخاطف ويرى فى الخطف عملا من أعمال الذئاب الأجراء (الممولون من الخارج بلغة اليوم!)"أنا هو الراعى الصالح والراعى الصالح يبذل نفسه فى سبيل الخراف ’وأما الأجير وهو ليس براع وليست الخراف له ’ فاذا رأى الذئب مقبلا ترك الخراف وهرب فيخطف الذئب الخراف ويبددها " .الخطف عمل من أعمال الذئاب النجسة ورجس من عمل الشيطان الرجيم .يضع الكتاب المقدس الخاطفين فى نفس مرتبة الزناة والطماعين وعباد الأصنام ومحترفى الدعارة .يجب أن يدرك تجار خطف الأبرياء أنهم وبينما يتوهمون أو قد أوهموهم بأن عملهم هذا سوف يدخلهم سماء ما ’ يجب أن يفهموا بأن انجيل المسيح يضع الخاطفين مع أسفل طبقات الناس فيقول "أم لستم تعلمون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله . لا تضلوا لا زناة ولا عبد أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعو ذكور ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله " . ولا ينكر الانجيل بأن كان يوجد مسيحيون ساقطون بين اولئك الخاطفين ’ ولكنهم قد تابوا وأغتسلوا بل تقدسوا بل تبرروا باسم المسيح وبروح الله ’ وربما هذه دعوة مفتوحة الى الخاطفين لكى ما يتوبوا ويقدموا قلوبهم لنعمة الرب ووقتها سنفرح بتوبتهم مع أبائنا المطارنة العائدون بسلام ’ ونختم رسالتنا بعظة أبينا المطران بولس وأتخيله يوجهها ’ ليس فقط الى خاطفيه ’ بل الى كل من خطفوا الفرحة والسلام من قلوب شعب سوريا بل وشعوب الشرق ويؤكد لهم أنهم ’ أذا ما قرروا أن يعيدوه الى كنيسته مع سيادة المطران يوحنا ’ فأن الله سوف يغفر لهم كما غفر لهم المطارنة المخطوفين .

كلمة الراعي

الصيام والغفران

"إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أبوكم السماويّ أيضاً"

هذا هو الأحد الرابع من آحاد التهيئة للصيام والأخير فيها؛ وغداً ندخل الصوم المبارك.
في أحد الفريسيّ والعشّار يفتح المسيح أبواب التوبة ويدخل الطريق المؤدية إلى الصوم ألا وهي التواضع. وفي أحد الابن الضال يثبت نظره إلى الأب غاية الصوم. وفي أحد مرفع اللحم-الدينونة يتأمّل في أهمّية القريب، لأنّه معه ستتمّ أعمال المحبّة؛ وهنا في أحد الغفران يقبّل القريب قبلة المحبّة ليدخل الصوم فرحاً؛ متصالحاً مع الله والقريب وبالتالي مع ذاته.

في طقوسنا وصلواتنا لهذا الأحد كما في الإنجيل هناك محوران تدور حولهما كلّ المواضيع. المحور الأوّل هو إقامة تذكار لطرد آدم من الفردوس، الذي جلس هناك يبكي. وتقارن الترانيم والقراءات بين تلك الحالة الفردوسيّة وبين حالة التبشيريّة بعد السقوط، المقارنة التي تستحقّ فعلاً النحيب والتوبة كما تكرر الترانيم.

والمحور الثاني هو الغفران، أي طلب الغفران من الله ووهب الغفران للقريب. وهذا ما يدور حوله النصّ الإنجيلي، الذي يتكلّم عن غفران الله لنا وغفراننا للآخرين مباشرة قبل كلامه عن الصوم. وهذا ما تعيد تذكاره الكنيسة اليوم بحيث ننهي أعمال الاستعداد للصوم بالغفران لندخل بعد ذلك مباشرة إليه.

وهذان المحوران، محور النحيب على الطرد من الفردوس، ومحور الغفران من الله والقريب يلتقيان عند موضوع واحد، إنّه الصوم.

ألم يكن غياب الصوم هو سبب المخالفة مع الله وعصيانه سبب طرد آدم من الفردوس؟ والصوم هو الأداة التي ستعيد المصالحة بين الآدميين والله، الصوم إذن سيمنحنا الغفران بدل المعصية.

أحد مرفع الجبن يذكّر بحدثَين، الأوّل هو طرد آدم من الفردوس، إنّها لحظة "المقاطعة" بين الله والإنسان، والصور عن هذا الحدث في الكتاب قاسية، فلقد وضع الله ملاكاً يحرس باب الجنّة وبيده سيف من نار. وقد تبدو هذه الصور صارمة في حقّ إعادة المصالحة مع الله، وذلك بعد إهمال الصوم. أمّا الحدث الثاني فهو شبه إعلان عن غفران الله الذي تمّ مع الرجاء أن تغفر للناس لكي يتحقّق نهائيّاً الغفران الإلهيّ، كما يذكر ذلك الإنجيل صراحة. وهذه هي لحظة "المصالحة" مع الله.

سنتصالح إذن مع الله بالصوم الذي علينا أن نبدأه بالغفران للقريب والمصالحة معه. قد يكون من السهل أن نساعد فقيراً ونحسن إلى إنسان غريب. ولكن الأصعب هو أن نسامح الإنسان القريب، بين المؤمنين والقريب، لكن المصالحة هي المحبّة التي تفوق محبّة الذات والكرامات، إنّها برهان أنّنا وضعنا القريب ليس فوق بعض ممتلكاتنا بل فوق كرامتنا، لأنّنا بمصالحته نرضي القلب الإلهيّ ونشعر بالسّلام.

لهذا وضعت الكنيسة في طقوسها، والطقس هو الأسلوب المنظور والعمليّ لممارسة الإيمان، أن يلتقي المسيحيّون جميعاً مساء أحد الغفران اليوم في صلاة الغروب، حيث يتبادلون في نهاية الصلاة القبلة الأخويّة ويصافح كلّ منهم الآخر علامةً للمصالحة والمحبّة التامة.

في مثل هذا اليوم مساءً، في الكنائس الأرثوذكسيّة، جرى العرف أن يجتمع الأسقف مع كلّ الكهنة وكلّ الناس ويقيمون صلاة الغروب معاً ويطلبون الواحد من الآخر الغفران ليدخلوا الصوم بفرح وقوّة.

النصّ الإنجيليّ بعد كلامه عن ضرورة الغفران للقريب لنُوهَبَ غفران الله ينتقل إلى الكلام عن الصوم، الذي يجب أن تظهر معه علامات الفرح وألاّ نظهر للناس "معبّسين".

نعم إنّ الصوم ليس فترة تعذيب للذات ولا هو فترة معاقبة لها أو إيفاء ديون لله. الصوم هو الفترة التي تسودها المحبّة الأخويّة والشعور بمحبّة الله وغمرته النورانيّة لنا. الصوم هو الفترة التي تملؤنا فيها النعمة السماويّة من سكبها في قلوبنا وحضرتها في حياتنا "فنسهو عن أكل خبزنا". الصوم هو الفترة التي لا نحيا فيها متصارعين من أجل "لقمة" خبز، بل هو الفترة التي يصبح فيها خبزنا الجوهري طعام الملائكة، أي التسبيح، وإطعام الأخوة أي المحبّة. وهذا ما نرتله مساءً هذا الأحد قائلين: لبنتدئنّ زمن الصيام بحبور مطلقين ذواتنا أمام الجهادات الروحيّة. فلننقِّ النفس ونطهّر الجسد صائمين عن أهوائنا كصومنا عن الأطعمة. ولنتنعّم بفضائل الروح.

فها وقت حسنٌ قبوله وها أوان التوبة نبدؤه بكلمة اغفرْ لي يا أخي ولندخلْ معاً الصيام بقبلة السّلام. آميــن

المطران بولس يازجي

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع