أسماء الأبناء وتداعياتها الخطيرة
منير بشاي
٠٥:
١٠
ص +02:00 EET
الأحد ٢٨ مايو ٢٠١٧
بقلم منير بشاى
لو استطاع النائب عن محافظة كفر الشيخ بدير عبد العزيز ان يحقق ما يتمناه فان حق اختيار اسم المولود فى مصر سيصبح من سلطة الدولة. بل ان الوالد قد يجد نفسه عرضة للغرامة والسجن ان سولت له نفسه اختيار اسماء اجنبية لأبنائه مثل سام او جون او مارك.
النائب يعكف الان على اعداد مشروع قانون يجرّم تسمية الاطفال باسماء اجنبية ليس لها اصل عربى. والسبب – حسب قوله- انها تسبب لهم حرجا كلما كبروا فى السن، كما ان ترك الاسماء العربية يغيّر من ثقافة المجتمع ويشوّهها ويجعل الاطفال غير منتمين لهويتهم الأصلية.
مشروع القانون الجديد لم تتم صياغته بعد ولا يعرف احد فرصته فى الفوز وان كان بعض النواب قد اعلنوا رفضهم له. ومن هؤلاء النائبة عبلة الهوارى عضو لجنة الشئون التشريعية التى شككت فى دستورية القانون حيث انه فى رايها يخالف نصوص مواد الحريات الشخصية والمواثيق والاعراف الدولية. ورفضت النائبة فكرة ان الاسماء تسبب احراجا للاطفال عندما يكبرون مؤكدة ان الاطفال يسعدون بهذه الاسماء عندما يكبرون.
ولكى يعطى مشروع القانون الجديد اكبر فرصة للنجاح حاول النائب ان يسد بعض الثغرات ويعالج الاعتراضات المحتملة. ومن ذلك انه اعلن ان القانون الجديد سوف يطبق على المسلمين ولن يطبق على المسيحيين. ولكن هذا الاستثناء سيفتح الباب امام مشاكل لا حصر لها. ذلك لأنه سيؤدى الى المزيد من الفرز الطائفى وما يتبع ذلك من تمييز بين المواطنين بعد ان تصبح الاسماء اداة لكشف الهوية الدينية للمواطن.
هذا البعد الطائفى يهم الاقليات غير المسلمة فى مصر اكثر من غيرها لوجود خلفية عالقة بالذهن من التحيز ضدهم. ولا شك ان الاسماء ستلعب دورا هاما نحو كشف هذه الهوية وتعريض اتباعها للغبن فى مجالات الامتحانات الشفوية، وفى اختبارات التعيينات، وفى كافة العلاقات المجتمعية.
ولن يعالج الموقف القول ان القانون سيطبّق على المسلمين وحدهم. فتحديد الهوية الدينية لطرف سيعلن تلقائيا الهوية الدينية للآخر. فاذا اجبر المسلمون على اعطاء ابنائهم اسماء ذات صبغة عربية اسلامية، فهذا معناه ان من لا يحمل هذه الاسماء اصبح واضحا انه غير مسلم.
تاريخيا كان اختيار الاسماء عملية حساسة يمكن ان تسبب المشاكل لصاحبها. ومن اجل هذا حاول الاقباط ان يبعدوا ابنائهم عن مشكلة الطائفية بتسميتهم اسماء مشتركة مثل: سمير ونبيل وعزيز وفريد وسعاد ونوال ومنى. بل ظهرت اسماء تميل الى الاسلامية مثل: شريف وطارق وامير وكريم واسامة. وطبعا كان هناك من يستعمل الاسماء المسيحية او التى وردت فى الكتاب المقدس مثل دانيل ويونان ويوحنا وبطرس وبولس وراعوث واستير وفيبى ولوئيس او الاسماء المصرية القديمة التى لا يستعملها غير المسيحيين مثل رمسيس ومينا وايزيس.
تخصيص اسماء على المواطنين المسلمين هو محاولة لتعميق الشرخ الطائفى الذى اخذ يطغى على المجتمع المصرى فى الاونة الأخيرة. هو وأد لمبدا المواطنة بدلا من ان يكون المواطنون سواسية لا فرق بين الواحد والآخر. وهو محاولة للقضاء على قيم التسامح الدينى وقبول الواحد للآخر. كما هو تعدى على مبدأ الحرية الشخصية فى واحدة من اهم خصوصيات الانسان وهو حقه فى ان يسمى اولاده بالاسم الذى يراه مناسبا.
المواثيق الدولية التى تتعلق بحقوق الطفل تملى على الوالدين ان يعطوا الطفل فور ولادته اسما مناسبا. وكلمة "مناسب" وضعت لحماية الطفل من اعطائه اسما شاذة قد تتسبب فى سخرية الناس منه او تحقيره عندما يكبر. ولا اظن ان هذه الاشكالية مرتبطة بالاسماء الاجنبية.
فرض اسماء للمواطن المسلم تختلف عن اسماء المسيحيين تعود بنا الى عهد الذمية البغيض حيث كان المسيحى يعامل على انه مواطن من الدرجة الثانية او الثالثة. ذلك العهد الذى كان يفرض عليهم معايير تميزهم عن المسلمين بهدف اذلالهم وتحقيرهم مثل:
• ان لا يشبهوا المسلمين فى شىء من لباسهم
• ان يجزوا مقادم رؤوسهم.
• ان يشدوا زنانير على اوساطهم.
• وان لا يتكنوا بكناهم. اى لا يستعملوا الاسماء التى يستعملها المسلمون.
محاولة النائب التدخل فى الاسماء ردة الى القرن السابع، فى الوقت الذى نلهث لنلحق بالقرن الواحد والعشرن. ما نحتاجه هو اقتراحات تجمعنا ولا تفرقنا، تدفعنا للامام ولا ترجعنا الى الوراء.
الاسماء الاجنبية تضيف قيمة جمالية للاسماء وتثرى اى لغة. وهى منتشرة فى كل اللغات ولم نسمع احدا فى الغرب ينزعج من استعمال المواطنين لاسماء بلغات اخرى. انزعاجنا فى العالم العربى من الاسماء الاجنبية يعبر عن مركب نقص ليس له ما يبرره.
Mounir.bishay@sbcglobal.net