الرهان على صبر الأقباط.. لقذ نفذ رصيدنا
أماني موسى
٣٥:
١٢
م +02:00 EET
الأحد ٢٨ مايو ٢٠١٧
بقلم – أماني موسى
توقفت منذ فترة عن كتابة مقالات رأي، للتعليق عن أية أحداث تمر بها البلاد، من أزمات اقتصادية طاحنة وغلاء متصاعد غير مفهوم وغير محكوم بأية أجهزة رقابية، لأزمات مجتمعية تحاصرك أينما ذهبت، لزيادة سكانية مطردة تدمر الاقتصاد والبنية التحتية وما ينتج عنها أيضًا من أزمات مجتمعية تقود البلد لمصير مأساوي محتوم، لفساد مستشري بكافة الأجهزة، انتهاءًا بالإرهاب الذي يلتقيك في الشارع والمواصلات العامة باعتبارك كافر يجب ترحيلك من هذا البلد المؤمن، إلى ذاك الذي يحصد الأرواح يوميًا، حتى إنك إن عدت إلى منزلك فأنت محظوظ.
ولكن.. حادث المنيا والهجوم على عدد 2 أتوبيس يقل أقباط "غلابة" وهنا أقصد المعنى، إذ أنهم من أشخاص بسيطون من قرى بسيطة، لم يسعوا لسلطة أو منصب ولم يكونوا يومًا طامحين لأن يكونوا طرفًا في المعادلة السياسية، وأكتفوا فقط بأن يكونوا في هذه المعادلة أرقامًا على شاشات مرفقة بعبارات التعازي وشريطة سوداء!!
الحادث مفجع، في الطريقة والتنفيذ والاستهداف المتتالي لأقباط على الهوية الدينية، واليوم يُقتَلون الأطفال دون أي ذنب اقترفوه سوى أنهم مسيحيون ويعيشون في مصر، فقبل أن يمر أربعين يوم حداد على حادث تفجير أو ذبح أو قتل، يحدث الآخر، وقبل أن تجف دماء سابقيهم، ترتوي الأرض بدماء آخرون جدد ينضمون لجوقة الشهداء، يدفعون ثمن بقاء وطن!
والمؤسف بالأكثر عبارات الفرح والشماتة من بعض "المصريين" بموت الأطفال!! لتقف متساءلاً: أين إنسانيتكم؟
وعلى الجانب الآخر بينما قامت العديد من الدول برفع الأعلام المصرية على مؤسساتها تضامنًا مع الحادث البشع، تبارت القنوات المصرية في عرض مسلسلات رمضان والأغاني والفوازير!
أعزائي المسؤولين في المناصب القيادية، لا تراهنوا كثيرًا على صبر الأقباط، لا تمتدحوهم في الإعلام أو تصفوهم بالفولاذ، فهم ليسوا بفولاذ ولا حديد، هم فقط بشر وليسوا ملائكة، يشعرون يغضبون، يئنون، لا تراهنوا على صبرهم بعد كل فجيعة تفقد فيها أسر كاملة وعائلات، لا تراهنوا على أوضاع تضيق عليه الخناق من عدم القدرة على المعيشة بشكل آدمي بعد الغلاء الفاحش، وعدم القدرة على تلقي تعليم جيد، وعدم القدرة على تلقي علاج آدمي، وعدم القدرة على الصلاة بسبب أن هذا يزعج البعض، وعدم القدرة على السير في الشارع بملابس عادية تظهر هويته الدينية ومن ثم تعرضه لمضايقات، لا تراهنوا على كل هذا.. فربما تسمعون عفوًا لقد نفذ رصيدنا من الصبر والاحتمال، دعونا نرحل عن هذا البلد لآخر نجد فيه الأمان، ووقتها واجهوا وحدكم السياف وسفاك الدماء الشره في بقايا الوطن.
ربما لا يعي الجميع خاصة الإخوة المسلمين أن المسيحيون يدفعون حياتهم ثمنًا لبقاء هذا الوطن؟ ويعتقدون أن الأمر برمته فتنة طائفية وتعدي، هل تساءلت يومًا عزيزي المسلم شريك الوطن ماذا لو تم المزيد من القتل والاستهداف الديني للأقباط وتم تهجير بعضهم وترحيل آخرين، وهرب آخرون كلاجئين لبلاد أخرى بحثًا عن الحق في حياة فقط آمنة؟ ماذا لو تم سيناريو مسيحيوا سوريا والعراق؟ ما المصير الذي ينتظر مصر حينئد؟ تخيل للحظات السيناريو المتوقع وقبل أن تنتهي من إجابتك استعد للسياف الذي يقف على بابك، ولا تنسى أن تقدم له امرأتك هدية، بعدما يغسل يديه من دماءك.
اليوم يعتريني شعور كبير بالخوف من هذا البلد وعليها أيضًا، اليوم أرتدي النظارة السوداء ولا استطيع التنبؤ ببصيص أمل، لم تعد البيانات تؤثر فيّ ولو بقدر ضئيل، لم تعد الخطابات مُرضية أو مطمئنة، وحتى الضربات العسكرية لم يعد لها نفس التأثير المهدئ والمخدر، فأمام هذا الكم من الدم لم تعد الكلمات تشفي، أمام صرخات الأقباط المتتالية ونحيبهم يخفض تأثير الكلمات الرنانة والشعارات، أمام هذا الألم لم تعد بيانات الجهات الدينية في مصر مقنعة أو مفهومة أو مرضية بأي حال، فما معنى بياناتك المكررة بكلمات ساذجة إزاء كل حادث تدين فيها قتلي بينما تشجعه بكل الوسائل على أرض الواقع؟ ما معنى أن ترفض تكفير داعش بينما تكفرني جهارًا نهارًا بالمساجد والإعلام والشوارع والوظائف؟ لكن وعلى أية حال.. ربما اقترب الوقت الذي سيتغنى فيه المصريون بنغمة أمة واحدة في مواجهة إرهاب واحد.
وأخيرًا أين تجديد الخطاب الديني؟ ماذا تم في مناهج الأزهر؟ أين المجلس القومي الأعلى لمكافحة الإرهاب؟ أين قانون الإجراءات الجنائية؟ ماذا حدث مع الخلايا المتورطة بتفجيرات الكنائس؟ ماذا تم مع أسرهم التي أنتجت هذه العقول الإرهابية؟ ليس لنا إلا الله.