الأقباط متحدون | الكنيسة والسياسة
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٩:٠٠ | الاربعاء ٢ مارس ٢٠١١ | ٢٣ أمشير ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٢٠ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

الكنيسة والسياسة

الاربعاء ٢ مارس ٢٠١١ - ٢٠: ٠١ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: منير بشاي
لا خلاف على أن رسالة الكنيسة هي دينية في الأساس، وتتركز في تقديم الرعاية الروحية لأعضائها ونشر رسالة الإنجيل بين الناس، ولكن هذا لا يمنع وجود قضايا أخرى ثانوية تجد الكنيسة نفسها مضطرة للتعامل معها بحكم وجودها ككيان فاعل داخل المجتمع، من هذه القضايا علاقة الكنيسة بالعمل السياسي، وهو موضوع متشعب وتختلف حوله الآراء، والسؤال الذي يتردد كثيرًا هل يجوز للكنيسة أن يكون لها دور سياسي؟ وما هي حدود هذا الدور وضوابطه؟

بداية أدرك أن الموضوع حساس، وأن هناك من الناس من يأخذ مواقف متباينة ومتشددة منه،  وليس هدفي هنا أن أنتصر لهذا الرأي أو ذاك، كما لا أسعى إلى تأجيج نار الخلاف،  كل ما أتمناه  أن تساعد كلماتي على تقريب وجهات النظر، وتلطيف جو الحوار، وأن تسهم في إلقاء أضواء جديدة على الموضوع.
وحتى أشرح فهمي للموضوع أبدأ بتقديم هذا المثال التوضيحي، الكيمياء علم متخصص يعمل فيه علماء متخصصون ومتفرغون، ولكن هناك من أصحاب المهن الأخرى من  يستخدم علم الكيمياء في تخصصاتهم، فالصيادلة يستخدمون الكيمياء في تحضير الدواء، والعسكريون يستخدمونها في الحرب، وربات البيوت يستخدمونها في طبخ الطعام وتنظيف البيت، والناس جميعًا يستخدمون آلاف المنتجات الكيميائية في حياتهم اليومية مثل الشامبو والسماد والمبيدات الحشرية والبويات والدهانات...الخ. والمستهلك العادي قد لا يعرف التركيبة العلمية الكيميائية لهذه المنتجات التي يعرفها الكيميائي المتخصص، ولكنه كمستخدم  يعرف فوائدها وكيفية استعمالها ويستفيد من منافعها.

بالمثل في مجال السياسة هناك المتخصصون المتفرغون الذين يعملون في تخصص السياسة كمهنة تشغل كل وقتهم ويعيشون منها، ولكن فيما عدا قلة من المتخصصين فجميع الناس يستخدمون السياسة في حياتهم اليومية، يستخدمونها عندما يذهبون إلى صندوق الانتخابات للتصويت أو عندما يشاركون في مسيرة احتجاج أو عندما يرسلون شكوى لمسئول أو عندما يكتبون مقالاً أو تعليقًا أو خطابًا يمثل رأيهم للصحف.

ورجل الدين مثل أي مواطن آخر في المجتمع يشترك في هذه كلها، والكنيسة كمؤسسة من حقها أن تُعلن رأيها في القضايا التي تمس صميم رسالتها خاصة في المسائل الأخلاقية، مثل قضايا الشذوذ الجنسي، الطلاق، الزواج، والقضايا التي تؤثر في العدل الاجتماعي والقضايا التي تتعلق بقرارات الحرب والسلام وغيره.
ولكن الفارق الأساسي بين رجل الدين ورجال السياسة هو أن رجل الدين عندما يقوم بالعمل السياسي فانه يقوم به مثل أي مستخدم وليس مثل المتخصص المتفرغ، فالسياسة عمل قائم بذاته ورجل الدين لا وقت عنده للتفرغ للسياسة، والفارق الآخر أن العمل السياسي له أساليبه التي يمكن أن تصبح ملتوية ورجل الدين لا يجيد هذه الأساليب بل ولا تليق به، ولكن رجل الدين كمستخدم يستخدمها كوسيلة للخير لفائدة الناس وليس للشر في إيذاء الناس.

ولكن الإشكالية التي تواجهنا هي في تداعيات الموضوع فيما يتعلق بتطبيقه في"مصر"، وبالذات عند تحديد من يكون الممثل السياسي الشرعي لأقباط مصر؟  هذا في ظل غياب القيادات العلمانية التي تحظى باحترام وثقة القاعدة العريضة للشعب القبطي، ومع انه هناك منظمات وقيادات قبطية متعددة في"مصر"ولكنها حديثة التكوين ومع أن قادتها كل يتكلم عن حقوق الأقباط، ولكن لا يوجد كيان موحد معترف به أو زعيم يجمع الشعب القبطي على انه الممثل السياسي الشرعي لهم.

ونتيجة لذلك وجدت الدولة نفسها تميل إلى التعامل مع القيادة الكنسية على أنها هي الممثل السياسي للأقباط، وهى ترى في هذا الوضع الأسهل والأكثر ضمانًا للنتائج، هذا خاصة أن معظم مشاكل الأقباط ناتجة عن انتمائهم الديني، وهو موضوع يصب في اختصاصات الكنيسة، كما أن الدولة تفضل التعامل مع الكنيسة لأنها تنظيم يحظى باحترام كل الأقباط، بالإضافة إلى أن الكنيسة مؤسسة يمكن التفاوض معها والوصول إلى اتفاقيات، ومن ناحية أخرى فان الكنيسة لها المقدرة على تنفيذ ما تتعهد به من اتفاقيات نتيجة ما لها من تأثير على الشعب، ولكن لوحظ أن الدولة تشجع هذا الدور السياسي للكنيسة وتستخدمه متى كان يخدم مصالحها ثم تعترض عليه وتدينه إذا تعارض مع مصالحها.

ولكن الوضع الطبيعي الصحيح هو أن يكون للأقباط قيادات علمانية تمثلهم وتتكلم بلسانهم، وتتفاوض نيابة عنهم في الأمور العلمانية مثل التعيينات والترقيات والتمثيل النيابي وكافة الحقوق الإنسانية والمدنية.
والمسئولية في تنمية الدور العلماني تقع أولاً على عاتق الدولة في تشجيع الدور القيادي العلماني القبطي حتى يبرز وينمو، ولكن الحكومات المصرية المتعاقبة كانت تتغافل عن عمد هذا الدور، بل إنها كانت تحرص على هدم كل قيادة قبطية تحاول أن تظهر للوجود، وفى نفس الوقت كانت تلمع البعض الآخر من الأقباط الموالين لها والذين لا يحظون بثقة الأقباط، ولا يعملون لصالحهم، والآن بعد قيام ثورة ٢٥ يناير أتمنى أن يتغير الأمر وتعالج هذه القضية ويتم تبنى آليات يستطيع بها المواطن القبطي أن  يدخل في مجالس الشعب والشورى، وينشط في العمل الحزبي والسياسي ونتيجة لذلك تظهر قيادات قبطية علمانية.
 
ولن ينجح هذا إلا بتأييد الكنيسة وتشجيعها، وهو أمر يخدم مصالح الكنيسة والشعب كليهما، فهذا الدور العلماني من شأنه أن يزيح عن كاهل الكنيسة عبء التعامل في مجال السياسة وبالتالي يتيح لها استعمال هذا الوقت والمجهود في عملها الديني، ومن ناحية أخرى فهذا سوف لا ينتقص من دور الكنيسة،  فالكنيسة سيظل دائمًا لها مكانتها العظيمة في قلوب الناس كأم روحية والكاهن سيستمر له دوره كأب روحي يرعى شعبه فيما هو أهم وأبقى من مجال السياسة الأرضي الزمني، وهو مساعدتهم على خلاص نفوسهم الأبدية الخالدة.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :