الأقباط متحدون - حتمية التعايش رغم الخلافات
  • ٠٦:١٩
  • الخميس , ١ يونيو ٢٠١٧
English version

حتمية التعايش رغم الخلافات

منير بشاي

مساحة رأي

٤٦: ٠٩ م +02:00 EET

الخميس ١ يونيو ٢٠١٧

حتمية التعايش رغم الخلافات
حتمية التعايش رغم الخلافات

بقلم منير بشاى
مقالنا اليوم يتعرض لقضية متفجرة وهى العلاقة بين اقباط مصر ومسلميها.  وهى علاقة اقل ما يمكن ان توصف به انها متأزمة والزمن لم يخفف من التأزم بل زاده تأزما.  وما يضيف للمشكلة ان هذه العلاقة لا يمكن تفاديها فقد كتب لنا ان نعيش معا على ارض هذا الوطن، وسواء اردنا او لم نرد، لابد ان نجد توصيفة للعيش المشترك على اساس يضمن الحد الادنى من القبول بين كل الاطراف.  وهذا لن يأتى تلقائيا ولكنه يحتاج الى مجهودات  وتضحيات من جميع الاطراف.

لا يخفى على احد اننا نؤمن بعقائد تختلف فيما بيننا اختلافا جذريا.  هذه حقيقة لا يمكن انكارها ولا يجدى الجدال حولها.  والتحدى امامنا ان نستطيع التعايش معا رغم وجود هذه الاختلافات.  ولا احد من السذاجة بحيث يعتقد امكانية تذويب هذه الخلافات او الوصول الى اتفاق يتم على اساسه تكوين عقيدة موحدة يقبلها الجميع.  فكيف نتعايش معا فى ظل هذه الخلافات ومع عدم التضحية بخصوصيات عقيدة كل طرف التى هى بالنسبة له مسألة حياة او موت؟

هذا الموضوع يحتل اليوم مركز الصدارة فى ساحات السوشيال ميديا فى مصر بعد تصريحات الشيخ سالم عبد الجليل الاخيرة.  وكان الشيخ يتعرض لتفسير آية قرآنية تتكلم عن "الذين يموتوا وهم كفار".  فقال "اللى بيموتوا وهم كفار بعد ايمانهم، زيهم زى دول لعلهم اليهود لعلهم بعض النصارى لأنهم آمنوا بموسى او آمنوا بعيسى لكنهم كفروا بمحمد، ويقولك لا.  وطلع بعض الناس توهوهم زيادة ويقولوا لهم انتوا مؤمنين وزى الفل، والله والله اللى بيقولوا للمسيحيين واليهود انتم مؤمنين ضللوهم وما خدموهم" واختتم الشيخ حديثه قائلا "يا يهود ويا نصارى انتم طيبين وبشر وهنعاملكم كويس وزى الفل وانتم اخوتنا فى الانسانية لكن الفكر اللى انتم عليه عقيدة فاسدة.  ارجعوا لربكم، وسواء رجعتوا او مارجعتوش هتبقوا برضوا اخوتنا وحبابيبنا".

حديث الشيخ لم يأت بجديد فى مجال العقيدة التى يعرفها الجميع ولكنه تعدى الخطوط الحمراء عندما عرض الموضوع فى وسائل الاعلام ووصف شركاء الوطن بانهم كفار.  والمعروف ان نعت الآخر بالكفر يحمل فى العقيدة الاسلامية تبعات قد تصل الى التصريح بقتالهم وقتلهم.  كما ان وصم العقيدة المسيحية بالفساد هو توصيف جائر ومستفز لأنها اهانة لعقيدة تملى على المسيحيين محبة الاعداء ومباركة من يلعنوهم والاحسان الى من يبغضوهم والصلاة من اجل من يسيئون اليهم ويطردوهم.  فاى فساد يراه الشيخ فى عقيدة من يحبون ومع ذلك يقابلون بتفجير كنائسهم وقتلهم؟  وكيف يرى الشيخ ان المسيحيين كفار يتبعون عقيدة فاسدة بينما يرى المعتدين كالمؤمنين اتباع الدين االصحيح؟  ومع ذلك فالتصريح العلنى الفج الذى ادلى به الشيخ هو المشكلة الكبرى ولو احتفظ بالخلاف العقيدى بينه وبين نفسه وترك الحكم النهائى فى الامر لله فى يوم الدين لما حدثت مشكلة.

لغة الحوار المهذب بين عنصرى الشعب المصرى ليست مسئولية المسلمين وحدهم ولكنها مسئولية الجميع.  ورغم ان المسيحيين يحسون انهم الطرف المغبون فى هذه العلاقة ولكن من المفيد ان يكون لهم دور ايجابى فى تحسينها.  وقد رأينا قداسة البابا يحاول دائما ان يكون مجاملا متصالحا مع شركاء الوطن للدرجة التى دفعت بعض الاقباط للانتقاد.  ومن امثلة ذلك ما صرّح به فى زيارته للكويت عندما وصف الاسلام انه دين تسامح.  ويرى البعض ان هذا التسامح مبالغ فيه فى وجه ما نراه من تطرّف وعنف يحدث ليس فى مصر وحدها بل فى العالم كله.  هذا رغم ان قداسة البابا قد اشار الى هذا التطرف حين قال " ان المسيحيين فى مصر يعيشون فى سلام مع اخوتهم المسلمين، بينما هناك بعض المتطرفين يفسّرون آيات القرآن بشكل خاطىء، ولذا من الضرورى تصدى المؤسسات الاسلامية لهذا الامر حتى نحد من الافكار المتطرفة التى يتبناها البعض".

ولا اظن ان  قداسة البابا كان يقصد تبرءة او ادانة احد.  واعتقد انه كان يحاول تأكيد الجانب الايجابى الذى نسمعه دائما من اخوتنا المسلمين ان الاسلام دين سلام اختطف بواسطة اقلية متطرفة.  ويبدو انه كان يضع التحدى امام المؤسسات الاسلامية ان ترينا هذا السلام بصورة عمليه بالتصدى للتطرف الذى يظهر نفسه مرتديا عباءة الاسلام.  وعلينا ان نعرف ان قداسة البابا ليس رجلا محاربا وليست وظيفته التصادم مع الغير ولكنه يستخدم الحكمة فى الكلام للتخفيف من الصدام واقرار السلام.   والمؤكد ان الصدام لن يحل المشاكل بل يزيدها تعقيدا.

هذه الحكمة رايناها فى تصرفات رجال الله فى كل العصور. ولنا امثلة على ذلك فى حياة الرسول بولس.  ففى ذات مرة كادت الجموع ان تفتك به ولكنه نجا من الموقف مستخدما الحكمة "فلما علم بولس ان قسما (من الجمهور) صدوقيين والآخر فريسيين صرخ فى المجمع: ايها الرجال الاخوة انا فريسى ابن فريسى على رجاء قيامة الاموات انا احاكم.  ولما قال هذا حدث منازعة بين الفريسيين والصدوقيين وانشقت الجماعة لأن الصدوقيين يقولون ليس قيامة ولا ملاك ولا روح اما الفريسيين فيقولون بكل ذلك" أعمال 23: 6- 15  كان الرسول بولس صادقا فى ما قاله ولكنه عرف كيف يوظف الكلمة المناسبة فى الوقت المناسب لتهدئة الجماهير الثائرة ووقف العنف ضده.

الخلاصة اننا كمسيحيين ومسلمين نعيش فى قارب واحد على ارض مصر.  لسنا متفقين فى كل شىء ولكن يمكن ان نتوافق فى الايجابيات ونتحاشى السلبيات التى تسىء للاخر.  فان نجت القارب نجونا كلنا وان غرقت – لا قدر الله- غرقنا كلنا.  ولكن اتمنى ان نصل معا الى بر الامان.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع