الأقباط متحدون - الدروس الخصوصية.. من «البيانو» إلى «السناتر»: رحلة «فساد» بدأت فى عصر «الانفتاح»
  • ٠٢:٤٥
  • الأحد , ٤ يونيو ٢٠١٧
English version

الدروس الخصوصية.. من «البيانو» إلى «السناتر»: رحلة «فساد» بدأت فى عصر «الانفتاح»

أخبار مصرية | الوطن

٥٧: ٠٣ م +02:00 EET

الأحد ٤ يونيو ٢٠١٧

الدروس الخصوصية فى الثانوية العامة
الدروس الخصوصية فى الثانوية العامة

 نجاح لافت تحظى به منظومة الدروس الخصوصية فى مصر؛ ذلك العالم المغلق على طلابه وأساتذته، الذى يدفع ثمنه أولياء الأمور، وتحاربه وزارة التربية والتعليم بالتصريحات والنوايا، فى حرب غير متكافئة بين منظومة تعليمية يعترف القائمون عليها بانعدام جودتها، وبين آلاف من المدرسين الخصوصيين الذين نجحوا دون شك فى أن يصنعوا من «فسيخ» المناهج «شربات» يستسيغه الطلبة، بل ويحرزون فيه أعلى الدرجات.

 
لطيفة سالم: الظاهرة تفاقمت فى عهد «السادات».. وغياب رقابة الأسرة من أسباب انتشارها.. ومدرس: الوزارة تتركنا فريسة للمدارس الخاصة
الاستفحال التدريجى لظاهرة الدروس الخصوصية، من مجموعة بعدد ضئيل من الطلاب بأحد البيوت، إلى مظاهرات داخل مراكز الدروس الخصوصية أو السناتر، كما يطلق عليها (جمع سنتر)، التى خلقت بدورها نجوماً يحمل كل منهم لقباً، ويقف من ورائهم مريدون يلحقون بهم طمعاً فى الدرجات النهائية التى أحرزتها من قبل دفعات عديدة.
 
صورة مرعبة لآلاف التلاميذ أمام مركز للدروس الخصوصية فى طنطا طمعاً فى حجز مقعد أمام أستاذ يُدعى «وليد شعلان» أثارت غضب كثيرين ممن اعتبروها دليلاً قاطعاً على الأسباب المنطقية التى خرجت بمصر من التصنيف الدولى لجودة التعليم، وملايين يدفعها أولياء الأمور سنوياً تتراوح بين 10 مليارات و12 مليار جنيه سنوياً، غير خاضعة للضرائب، بحسب الدكتور عبدالمطلب عبدالحميد، مدير مركز البحوث الاقتصادية، ورئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات.
 
«أنا مش فاهمة حاجات كتير، ممكن آخد عند حضرتك حصتين تقوية يا مدام أسما»، هكذا كانت تجد إحدى الطالبات النجيبات بمدرسة الرمل الثانوية للبنات فى الإسكندرية، خلال النصف الأول من القرن الماضى، صعوبة حقيقية فى مادة اللغة الفرنسية دفعتها لطلب «درس خصوصى» من أستاذتها للغة الفرنسية، التى لم يكن منها إلا أن ابتسمت بلطف لتلميذتها واعتذرت قائلة: «باردو يا لطيفة، أنا عندى مسئوليات وبيت وأولاد ومفيش وقت أعمل حاجة زيادة»، لتعقب اعتذارها بحضن غامر ووعد لـ«لطيفة» بأن تمنحها كل ما تريد داخل المدرسة خلال الحصة أو حتى عقب انتهاء الدراسة فى «الحوش».
 
الطالبة الشاكية من مادة اللغة الفرنسية لم تلبث أن أصبحت واحدة من أهم مؤرخى مصر، هى الدكتور لطيفة سالم، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المتفرغ بكلية الآداب جامعة بنها، التى وجدت نفسها شاهدة على تطور ظاهرة الدروس الخصوصية، منذ كانت واحدة من علامات الثراء والتميز فى عهد الملوك، إلى أن أصبحت آفة كل بيت فى عصرنا الحالى.
 
وتؤكد «سالم» أنه لم يكن للدروس الخصوصية تلك السمعة السيئة وقتها، خاصة مع ظهور المزيد من المدارس للذكور والإناث على حد سواء، حيث بدأت الدروس تتعلق بأمور ترفيهية كالعزف على البيانو: «كانت الدروس فى هذا الوقت وسيلة لتعليم البنات وإنقاذ الأولاد من الجهل كضرورة فرضتها الظروف المحيطة».
 
ظاهرة لم تبدأ فى الظهور، بحسب لطيفة سالم، إلا مع عصر الانفتاح الذى دشنه الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، وهو ما تقرنه بتلك الحالة من الجشع التى سادت تلك الفترة، حيث «لم تنتشر الدروس الخصوصية بهذا الشكل إلا مع بداية عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، مع بداية ظهور طبقات طفت على السطح اقتصادياً واجتماعياً عقب الاغتناء الذى تلى انفتاح السداح مداح، كان غرضهم النهوض بأبنائهم، وحينها ظهرت المدارس الخاصة وبدأ البحث عن حالة من التميز والاختلاف عن بقية أبناء الشعب، فى محاولة من تلك الطبقة لتعويض أبنائهم بما لم يتمكنوا هم من تحقيقه، فضلاً عن محاولتهم تأهيل الأبناء لنيل القيادة السياسية والاقتصادية».
 
تذكر لطيفة سالم مقدار «المجاميع» التى كانت تؤهل لدخول الكليات الكبرى فى مصر، مع ظهور مكتب التنسيق لأول مرة فى الستينات: «كانت كلية الطب تشترط مجموع 70%، وكان الحاصل على 50% يتمكن من دخول الجامعة أيضاً، كان هذا قبل الانفتاح حين بدأت ظاهرة همجية المجموع، ومحاولات تحسينه، واشتعلت حالة من السعار ومعها حمى الدروس الخصوصية فى وقت شهد موجة تغيير كبرى شملت كافة المناحى الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما أحدث تغييراً ليس لدى الطلبة وعائلاتهم فقط، ولكن لدى المدرسين أيضاً حيث تنامت احتياجاتهم وتطلعاتهم، ولم يعد ثمة غضاضة فى الدروس الخصوصية».
 
اختلاف عارم فى منظومة القيم، بحسب المؤرخة، وصل بالطلبة من الجلوس فى مجموعات صغيرة حول المدرس بأحد المنازل فى الثمانينات، إلى الاصطفاف فيما يشبه المظاهرات من أجل الحجز المسبق: «دلوقتى الطلبة بيحجزوا عند المدرس قبلها بسنة، وأصبح للمعلمين ألقاب غير لقب أستاذ، فرأينا الإمبراطور والبرنس وغيرهما من الألقاب التى لا تختلف كثيراً عن تلك التى يتم منحها بصورة مجانية للسباك والنجار كباشمهندس ودكتور».
 
منظومة متكاملة من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فرضت، بحسب أستاذة التاريخ، ثقافة الدروس منذ روضة الأطفال وحتى الجامعة: «الآباء ماعادوش فاضيين للأطفال، كله بيشتغل بره ومش فاضى، والمدرسين مش لاقيين تقدير جوه المدارس، وحتى لو رفعوا لهم مرتباتهم لأضعاف مضاعفة مش هيرجعوا لأن اللى داق المكسب عمره ما يرضى له ببديل، المسألة خطيرة ولا يمكن حلها بقوانين أثبتت فشلها، لأن المصريين يجيدون الالتفاف على القوانين: «فى الجامعة بعض المعيدين يقومون بإهدار الوقت عمداً كى يتخطوا السنوات المحددة لإعداد الرسائل العلمية، وكى يتم تحويلهم عقب خمس سنوات لوظائف إدارية حتى يتمكنوا من مواصلة التدريس خارج أسوار الجامعة للطلبة، والمسألة بحاجة إلى حلول مبتكرة وتوعية حقيقية».
 
تحليل يبدو مطابقاً للواقع إلى حد بعيد، هذا ما يثبته الواقع الذى يعيشه المدرس الشاب أحمد موافى، مدرس الفيزياء بالبحيرة، الذى يقوم بتقديم دروس خصوصية عبر أحد المراكز الخاصة، فضلاً عن مسئوليته عن إدارة إحدى المجموعات الإلكترونية التى تحمل اسم «لا لمحاربة الدروس الخصوصية».
 
يرفض موافى مبدأ الهجوم الأعمى، قائلاً: «قبل ما نحاربها محتاجين نحل المشكلة، يا ريت يلغوا الدروس الخصوصية، بس كمدرسين نلاقى مدارس تشغّلنا ونلاقى وزارة فى ضهرنا تحمى حقوقنا». يتذكر الشاب الثلاثينى حين حاول الالتحاق بالعمل بإحدى المدارس الحكومية: «لم يتم قبولى ضمن مسابقة الـ30 ألف معلم، رغم حصولى على تقدير جيد جداً فى الكلية، بينما تم قبول آخرين فى أماكن أخرى حاصلين على مقبول، لم أشعر للحظة بأن ثمة عدل، حاولت الالتحاق بمدرسة خاصة فوجدت الراتب 500 جنيه، وعلمت أن آخرين يحصلون على أرقام أقل، قلت إن الدروس الخصوصية ستعوضنى لكنى لم أجد».
 
ولا يزال موافى يتساءل حول المبالغ الزهيدة التى تقرها المدارس الخاصة للمدرسين مقابل المكاسب الوهمية: «فين الوزارة من مدرس شقيان من تمانية الصبح لتلاتة العصر على ملاليم؟ بتطاردنا إحنا ليه؟»، مشيراً فى الوقت نفسه إلى أن مشكلة الدروس الخصوصية «مادية بحتة» بالنسبة للمدرسين الذين لا يرغبون فى العمل بتخصصات أخرى خلاف تلك التى درسوها بكليات التربية.
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.