تفضّل الدكتور محمد أبوالفضل، المسئول عن مرصد الأزهر باللغات الأجنبية، فأهدانى بضعة كتب وكتيّبات من إصدارات المرصد، فدفعنى إلى أن أغوص مرة أخرى فى تفهُّم أساليب «داعش» فى العمل والإعلام وفى استقطاب شباب وشابات من مختلف أنحاء العالم.. وفيما أحمد له هذا الجهد المضنى فى خدمة الإسلام والمسلمين توقفت أمام واحد من الكتيبات عنوانه «استراتيجية داعش فى استقطاب وتجنيد الشباب» (مرصد الأزهر باللغات الأجنبية- 2017) لأشعر بفزع حقيقى من قدرات ونشاط هذه الجماعة الإرهابية، وأقرأ: «يخوض تنظيم داعش المتطرف حرباً يسعى من خلالها إلى السيطرة الفكرية والعسكرية وتأسيس دولته المزعومة، وقد استطاع أن يجذب إلى صفوفه عدداً ليس بالقليل من الشباب يتقوّى بهم فى تحقيق أهدافه»
. ويؤكد المرصد أن «داعش» يمتلك خطة ممنهجة على كافة المستويات لضمان ولائهم وانقيادهم وراء أفكاره دون تفكير أو معارضة.
ويبدأ الكتيب بإشارة تختلف مع كثير من الكتابات التى تنسب إلى الفقر سبب الانتماء لداعش، فيقول «إن الوضع الاجتماعى والاقتصادى لا يؤثران على تجنيد هؤلاء الشباب، حيث تم تجنيد شبان وشابات من جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية بسبب الفراغ داخل العائلة الأوروبية»، (صـ5).. ثم يستدعينا الكتيب إلى وجبة مخيفة من الأرقام والإحصاءات.. منها على سبيل المثال:
• بلغ عدد العناصر التى التحقت بداعش من غير السوريين والعراقيين وفق مؤسسة «صوفان» الأمنية الأمريكية فى ديسمبر 2015 ما بين 27 ألفاً و31 ألفاً. والمنتمون إلى داعش فى العراق وسوريا ينتمون إلى 86 دولة.
وتحتل دول أوروبا الغربية المرتبة الثالثة بعد تونس (6000 شخص)، والسعودية (2500). وتأتى فرنسا فى مقدمة الدول الغربية (1700)، وبريطانيا وألمانيا (760 لكل منهما)، وروسيا (2400)، وتركيا (2100).
• والجهاز الإعلامى لداعش لا مثيل له، ويرصد أموالاً طائلة لتمويل فضائيات وإذاعات ووسائل إلكترونية ومجلات، ويتم ذلك كله بقدرات احترافية عالية جداً.
وهناك قنوات مثل «الاعتصام» و«الحياة»، وإذاعة «البيان» ومجلات «دابق» بالإنجليزية، و«دار الإسلام» بالفرنسية، و«القسطنطينية» بالتركية، ثم مجلة «الوقار»، كما يُصدر التنظيم مجلة «رومية» بثمانى لغات (إنجليزية، فرنسية، ألمانية، تركية، روسية، إندونيسية، بشتو، اليجور)، وشعارها «لن نستريح من الجهاد حتى نبلغ أشجار الزيتون فى روما».
كما يُصدر التنظيم كتيبات إرشادية لمساعدة الراغبين فى «الهجرة» إلى دولته، مثل: «الهجرة»، «كيف تنجو بحياتك فى الغرب»، «الأمن والسلامة»، وتعليمات بكيفية عيش الذئاب المنفردة فى الغرب دون لفت الأنظار إليهم، بحيث لا يبدو مظهرهم كمسلمين بدون لحية وبملابس أوروبية ولا يصلون فى المساجد، وقد يعلقون صليباً فى أعناقهم.
ويعتمد التنظيم على نشر معلومات وصور عن وحشيته كى يخيف الخصوم. ويضيف المرصد: «ونتيجة لذلك تفككت قوات الجيش العراقى التى تفوق قوات داعش بخمسة أضعاف، وسيطر داعش بألفى جندى على الموصل التى يقدر سكانها بمليون ونصف المليون مواطن (صـ23)، ويوظف التنظيم مواقع التواصل الاجتماعى (يوتيوب، فيس بوك، تويتر، إنستجرام) توظيفاً عالى الكفاءة.
ووفق تصريحات لوزير داخلية إسبانيا فإن 80% من عمليات التجنيد فى إسبانيا تتم عبر شبكات التواصل الاجتماعى، بينما 20% فقط تتم داخل السجون أو المساجد.
ويؤكد خبراء تابعون للأمم المتحدة أن تنظيم داعش يستخدم وسطاء محترفين لتجنيد الأجانب للانضمام إلى داعش مقابل عشرة آلاف دولار للفرد، ويتفاوت السعر، وفق مسئولة بالأمم المتحدة، بناء على مواصفات الفرد، ويرتفع السعر إذا كان الفرد الذى يتم تجنيده مهندساً أو طبيباً أو متخصصاً فى الإلكترونيات.
وتقول المسئولة إن بلجيكا هى أكثر الدول فى استقطاب شبابها.
وفى السجون يتم تجنيد البعض من ذوى الجرائم العادية، ومنهم أحد منفذى هجوم شارل إبدو، وممن تحولوا إلى متطرفين فى السجون أبومصعب الزرقاوى، وكذلك جمال أحمدان، أحد قادة ومدبرى هجمات 11 سبتمبر.
وإذا كانت الإحصاءات الرسمية الفرنسية تؤكد أن 60% من السجناء فى فرنسا من المسلمين، فإن ذلك يفسر كثرة من يتم تجنيدهم فى السجون لحساب داعش.. ووفق إحصاء للمركز البريطانى لدراسة التطرف والعنف السياسى فإن أكثر من 5000 أوروبى انضموا لداعش خلال السنوات الخمس الأخيرة، وما يقرب من 57% منهم كانوا سجناء سابقين.
وفى باكستان، حيث توجد 13 ألف مدرسة دينية تضم 1٫2 مليون طالب وطالبة، تؤكد مراكز أبحاث عدة أن هذه المدارس «مفرخة» للحركات التكفيرية، ومن خريجيها قادة عديدون فى الحركات التكفيرية.
وتمثل «داعش» بالنسبة لكثير من الشباب فى أوروبا «نفس الجاذبية الثورية التى قدمتها الثورة الفرنسية والثورة البلشفية فى روسيا وحتى الثورة النازية فى ألمانيا. واستطاعت داعش أن تستقطب الكثير من النساء.
ويؤكد مدير اليوروبول (الشرطة الأوروبية) أن داعش بدأت تعتمد أكثر فأكثر على السيدات، وأن عددهن قد أصبح يشكل ثلث أفراد داعش فى العراق وسوريا، وأنهن فى البداية كن ينضممن إلى داعش للزواج من محاربيها، ثم أصبحن يقاتلن فى كثير من المواقع، وإن كان بعض القادة يتخذونهن كـ«جوارى» ويعرضونهن للبيع على فيس بوك، وثمة إعلانات من نوع «إلى كل إخوانى الذين يفكرون فى شراء جارية، هذه الجارية تساوى 8000 دولار».
والأطفال أيضاً يجرى تدريبهم على الذبح وفى العمليات الانتحارية.
وهناك 70 طفلاً هولندياً يتم تدريبهم، وكذلك أربعون طفلاً سويدياً بعد انضمام ذويهم إلى صفوف داعش.
ويبقى الفضل متصلاً للدكتور محمد أبوالفضل، ولفضيلة الإمام الأكبر صاحب فكرة المرصد الذى يلعب دوراً عالمياً فى فضح داعش وجرائمها.