الأقباط متحدون - تأملات فى برج الأزاريطة.. «المائل»!
  • ٢٠:٤٩
  • الأحد , ٤ يونيو ٢٠١٧
English version

تأملات فى برج الأزاريطة.. «المائل»!

مقالات مختارة | د.ماجدة الجندى-الوطن

٣٨: ٠٤ م +02:00 EET

الأحد ٤ يونيو ٢٠١٧

د. ماجدة الجندى
د. ماجدة الجندى

 فى إيطاليا برج «بيزا» المائل.. وعندنا برج «الأزاريطة» المائل..!

 
بدت الصورة وكأنها تلخص مأساتنا، وتختزل المدى الفاضح للتهاون فى حق شعب تحوّل، على مدى عقود، إلى أرخص سلعة فى «سوق للفساد» حاصرته من الجهات الأربع، ونفذ سمها إلى كيمياء حياته أو موته، فالأمر صار سيان.. صورة العمارة المائلة فى حى الأزاريطة، بأدوارها الثلاثة عشر، المطلة على شارع أقرب إلى الحارة، لا يتجاوز عرضه ثلاثة أو أربعة أمتار، وقد انحنت بزاوية حادة على العمارة المقابلة، والتى كان المفروض ألا تزيد أدوارها عن خمسة أدوار، بينما زينات شهر رمضان الورقية أسفل الجزء المائل، وقد تغطت مساحة ظاهرة من جانبها بالإعلانات.. سيكون من التكرار الممل أن تدعو لمحاسبة الفاسدين، الذين «أكلوها والعة» وهضموا، ويعيشون فى تبات ونبات، والأكثر مللاً أن تتساءل أو تبحث عن حساب لهم بأثر رجعى، فلعلك قد تعودت «سيكولوجيتنا» القائمة على فكرة «الهبّة» أو «الفورة».. شوية البرامج والصور والمداخلات بتاعة نص الليل، ثم ندخل ننام! لكن سوف أدعو بحق الشهر الكريم أن يخلف الله ظنى، وأن نكون قد «برئنا» وشفانا «الواحد القادر» على كل شىء من داء «الهبّة» وأن تمد الدولة، التى تسترد الأرض فى معركة شرسة ضد «غيلان» اغتصاب الحقوق، حملتها لتأتى «بالضباع» بأثر رجعى.. الذى «بنى»، والذى «باع»، والذى «ستف الورق».

صحيح أننا كشعب نكاد نكون تعايشنا والفساد، الذى هو على كل لون، حتى يُخيل إلينا أننا قد صرنا جزءاً من تجلياته، إلا أن الصورة ناطقة وبامتياز، على المستوى الفاجر لهذا «الفساد» الأعجوبة أو العجائبى!
 
عمارة الأزاريطة ليست أول عمارة، ولن تكون الأخيرة، فما أكثر العمارات التى انهارت والتى سوف تنهار، والتى توجز حلقات العفن المتغلغل.. «مالك» طماع، «ومقاول» غشاش و«موظفون» مرتشون، وناس «طفحت الكوتة» من أجل سقف وجدران. ظننت من كثرة ما عايشنا من «انهيارات» أن شيئاً لم يعد مثيراً ولا جديراً بالتأمل.. عمارات انهارت فى كل الأحياء والمدن المصرية، وناس ماتت، وتعالت الصرخات، ولعنّا الفساد.. لدينا اليقين التام أننا «نغرق»، ولا أقول «نعوم»، فى محيط من الفساد يلزمه «زمن» لنتطهر منه، ولا يمكن، حتى لو ملكنا النية الخالصة ومعها مصباح علاء الدين، أن نتجنب «فاتورته»، فاتورة «خراب» كان له رعاته على مستويات عدة، من تحت لفوق، ومن فوق لتحت، ومن فواتيره «موت مجانى» لشعب لم يعد يدرى «يلاقيها منين ولا منين». لكن، كمواطنة، سوف أستند إلى وعد رئيس الدولة، الذى ألزم وحرّك الحكومة باسترداد حق الناس فى الأراضى المنهوبة منذ سنوات، هل يمكن استرداد حق ساكنى عمارة الأزاريطة وغيرها، بنفس المنطق؟
 
نشرت مواقع التواصل بثاً حياً للهدم اليدوى لعمارة الأزاريطة.. العمارة، البرج، الأشبه «بعلبة معجون الأسنان»، والتى يحيط بها يميناً ويساراً أبراج ربنا يستر منها وعليها! والونش يصل إلى رأسها المستند على العمارة المقابلة، ومصور الفيديو يقربنا من معول أو «أجنة» يضرب بها ظل رجل جدراناً! والناس تتوالى تعليقاتها المسموعة، المقبلة من الشارع، وكذلك المكتوبة، من مشاهدى البث الحى.. دعك من الدعوات التى تستمطر غضب ربنا على الفاسدين، ودعك من المطالبة بالحساب، ودعك من الناس التى تشردت بعد أن دفعت دم قلبها لتتستر بين جدران أربعة.. وتعال نتخيل مصائر الناس فى بلدنا، وكيف تتقاطع مع «موت مجانى» عبثى «أو «مشروع هدم حياة» ما دام الله أنقذ برحمته سكان برج «بيزا» الإسكندرانى! أنت لا تعرف من أين سوف يأتيك هذا المصير، سواء سميته «هدم حياة» أو «موت».

الموت ليس بالضرورة أن يكون فيزيائياً، بل يمكن أن يتلون بصور شتى.. أن تكون وسط عيالك وقد استكنت لأن لك ولأولادك «موطئ» ستر، بعد سنوات من ذل عمل فى الغربة، ثم فجأة تتحول أنت وهم إلى لاجئين، دون حرب، وجيبك خاو! أو تكون استدنت وباعت زوجتك «حتتين الصيغة» ودخلت ميت جمعية، وسندت ابنك الذى منذ سنين بيحاول يجيب شقة ولما يدخلها تميل العمارة ومعها بخته وبختك.. تصور تفاصيل حياة هؤلاء الذين كان لهم باب يغلق عليهم، وقد صاروا ضيوفاً فى مركز شباب أو معسكر أو حتى شقة مؤقتة.. طل على التفاصيل، من أول أن لأولادك أغطية وفراشاً ومدارس ودواليب وحماماً وأطباقاً تخصهم، وحتى وقفة زوجتك تعد طعاماً يلمّكم آخر النهار.. كان لك «عنوان» تعود إليه بعد عمل الصبح، وبعد الضهر، ويمكن بالليل.. عنوان يأتى إليك فيه محصّل النور، حتى لو ضججت من الفاتورة، وتجلس ماداً ساقيك على كنبتك تتفرج على سيرك التليفزيونات.. عندك «باب»، ينقفل عليك انت والعيال وأمهم، تحمل مفتاحه فى سلسلة، دفعت ثمن المفتاح من صحتك وعافيتك سنوات، وتحمد الله عليه ليل نهار.
 
كم حلم، كم مشروع للحياة، كم مصير، كم مستقبل سلبه «ضباع الفساد» فى عمارة الأزاريطة وغيرها من العمارات؟
 
أمن العدل أن يُفلت هؤلاء «الضباع» المغتالون للحياة لأن زمناً مرّ دون اكتشافهم، ينعمون بالغنائم الحرام، ويتحول أطفال ونساء ورجال «اشتروا الستر» من لحمهم الحى، إلى لاجئين دون حرب؟
 
لا الله يرضى، ولا توجُّه الدولة لاسترداد حق هذا الشعب ينبغى أن يسمح.
الكلمات المتعلقة
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع