الأقباط متحدون - آفة حارتنا النَّفَس القصير!
  • ٢٠:٥٤
  • الثلاثاء , ٦ يونيو ٢٠١٧
English version

آفة حارتنا النَّفَس القصير!

مقالات مختارة | مفيد فوزي

٤٥: ٠٨ ص +02:00 EET

الثلاثاء ٦ يونيو ٢٠١٧

مفيد فوزي
مفيد فوزي

فى روايته الشهيرة «أولاد حارتنا» قال نجيب محفوظ أو بمعنى أدق صك نجيب محفوظ واحدا من أهم الملامح لمجتمعنا وهو «آفة النسيان». وضع أديب نوبل يده على ملمح مهم فى الشخصية المصرية وهو النسيان، إنه «الزهايمر» المعنوى الذى يطمس الحقائق فتغيب وراء لجج من الضباب وربما تسقط من الذاكرة.

■ لعلى أضيف إلى ما قاله محفوظ - باسم نصف قرن أحمله فوق ظهرى- أن آفة حارتنا هى «النفس القصير»، فنحن فى أعقاب حوادث الغدر الإرهابية.. نغضب ونتمزق غضباً ونحزن ويفيض بنا الحزن، وترسم الكآبة خطوطها فوق جباهنا وتلمع فى عيوننا الدموع وتصدر الصحف بمانشيتات سوداء وتعلو على أقصى يسار الشاشات شارة الحداد، وتأتى الصحف بحكايات الناجين وتتبارى الشاشات فى روايات دامعة لأقارب المتوفين، وتسود المجتمع كله حالة من «الحزن القومى» يستمر أياماً، وتنشط الوزارات فى التعويضات ويخرج علينا الخبراء يحللون الحادث ويفحصون ويمحّصون فى أسباب ودوافع ما جرى وتتلقى مصر عزاء رؤساء الدول وتقرأ مذيعات التليفزيون نشرات الأخبار بملابس قاتمة ونصف ماكياج، ويشعر المجتمع كله بالحداد القومى، ولكن!.

■ ولكن ذلك لا يستمر طويلاً، فبعد حالة الاشتعال، نعود إلى حياتنا الطبيعية، تشدنا احتياجاتنا وننخرط فى صراعات الحياة اليومية. الراصد لهذه الظاهرة يكتشف افتقادنا النفس الطويل فى الحذر والانتباه.. وكأننا نثور ثم نخور، لا ندرى هل نحن فى حالة حرب دائمة مع الإرهاب أم لا؟. ومن المؤكد الذى لا يحتاج لبيان أن أقباط مصر مستهدفون نتيجة ثقافة الكراهية والتحريض على الآخر، البعض لا يروق لهم عبارة «أقباط مصر المستهدفين» يفضلون القول إنهم «مصريون»، ولا أحد يعترض على ذلك ولكن الشاهد أنهم أقباط فى الكنائس أو فى الطريق للأديرة، ويتم الحادث بحزام ناسف أو بخروج قراصنة مسلحين «من بطن الجبل»، وفى كل مرة وعقب كل حادث يثور نقاش حول «الحالة الأمنية»، ففى الأسابيع الأولى تشتد الحراسة على الكنائس، ويحظر وقوف السيارات ويجرى التفتيش على الوجه المطلوب وتتنبه قوات الأمن إلى أهمية مراقبة الحدود الملاصقة للجبل على طول الصعيد، وتظل ترسانة الأسلحة فى الصعيد تطل برأسها. صحيح أن الأسابيع الأولى تعلو فيها نبرة الحذر والانتباه والاشتباه ولكن ليس بنفس طويل!. ويختار «العدو» لحظة استرخاء- أكرر العبارة: ويختار العدو لحظة استرخاء- ويضرب ضربته فى العمق، إنها آفة النفس القصير الذى يحكم حياتنا، يبدأ بالحماس والغضب والتصميم على الثأر، ثم تخفت النبرة رويدا رويدا حتى تصل لمرحلة الاسترخاء أو الاعتياد الطبيعى حيث ما تلبث الأعصاب المشدودة أن تعود إلى طبيعتها.

■ وتفرض بعض الأسئلة نفسها فى هذا السياق: هل نحن فى حالة حرب مع الإرهاب أو نصف حرب أم سلام كاذب؟. هل أعددنا المجتمع و«جيشناه» للمواجهة أم لا؟. هل تحارب القوات المسلحة الإرهاب الأسود بالنيابة عنا؟. هل يكتفى بكلمات أدبية فى حرب المواجهة من أمثال «الحذر» و«التبليغ عن كل ما تشتبه فيه»؟. هل المجتمع أساساً يخوض عملياً الحرب الشرسة التى طالت عواصم العالم؟. هل - قومياً - نحن فى حاجة إلى «حالة استنفار عامة» للمواجهة مع الإرهاب وما طبيعتها أو لونها أو أدواتها؟. وهل الشعب المصرى يستعد للمواجهة مع الإرهاب وهو يواجه إرهابا فى الغلاء و«البطون الجائعة لا تعرف السياسة»؟. هل نكتفى ببعض أقوال الرئيس على الشاشات وكلها تحض على الانتباه وأن الهدف هو «كسر كيان الدولة المصرية»؟. هل نجلس ونتفرج على غارات طائراتنا على مراكز تدريب أبناء الشر ونكتفى بالإعجاب الصامت؟. هل نفتش عن «همزات الوصل» مع الإرهاب الذين يعيشون بيننا وربما يختفون فى الشقوق أو نراهم وجها لوجه ولا يفصحون عن الوجه القبيح؟. ما هى بالضبط استراتيجية الداخل فى هذه الحرب الطويلة الأمد؟. هل تشكيل مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب وتأمين الطرق هو الحل بنفس طويل؟. وما هى آليات هذا المجلس الموقر والكنائس تفجّر والطرق إلى الأديرة سداح مداح والأمكنة معرضة للهجوم المفاجئ؟. ماذا نطلب من المصرى العادى، من المدرسة، من الجامعة، من المسجد، من الكنيسة؟.

■ إن حرباً طويلة طويلة مع الإرهاب الذى يستهدف أساسا «مصر الكيان والأمل» تحتاج لنفس طويل ونحن «آفة حارتنا النفس القصير».

■ إن قواتنا المسلحة اليقظة طوال الوقت يفرض الإرهاب عليها النفس الطويل فى المواجهة، فالطائرات تدك مواقع إرهاب فى سيناء بصمت بالغ واليوم تدك منابع وتدريب الأشرار، خارج حدود مصر فى خطوة غير مسبوقة ولكن كيف «ندك منابع التمويل»؟.

إن المجتمع المدنى لم يشتبك بعد فعليا مع الإرهاب، إنه يحزن وينفعل ويتعاطف ويتقبل التعازى ولكن بنفس قصير، إن المصرى الذى بنى الأهرامات كان ذا نفس طويل، فماذا جرى للمصريين؟. هل حجم الجدية فى المجتمع المصرى قليل وهو وراء هذه الهشاشة فى الشخصية والنفس القصير؟. أنا أسأل د. مراد وهبة وأسأل د. أحمد عكاشة، ود.قدرى حفنى ود. جلال أمين، ماذا طرأ على حياة المصريين الذين خاضوا ثورتين فى وقت قياسى؟. يكاد يكون المصرى البسيط مستنزف الحياة فى المأكل والملبس والدواء، فهل أخطأت التشخيص؟.

■ أريد أن أتوقف عند موقفنا الرسمى والشعبى والأدبى عند أسر ضحايا الإرهاب، كم تعاطفنا معهم، وكم كانوا فى عيوننا، وكم حملناهم فوق أهداب العيون، ثم من فرط تساقط الضحايا ومواكب الجثامين الحزينة، صار الاهتمام محدودا بأسر الضحايا وربما يشكون من اهتمام رسمى باهت، إنه النفس القصير «آفة حارتنا».

■ قلت مرة إن ساعات الوردية فى المنظومة الأمنية المصرية أطول مما ينبغى، أطول من ساعات رجل الأمن الأمريكى أو الألمانى، وكنت أناقش مدى اليقظة فى عدد الساعات ومتى يفقد التركيز والانتباه، ولم يلتفت أحد إلى أهمية النفس الطويل بتقليل ساعات الوردية، إنه المفهوم الجديد لشرطة عصرية.

■ بلد يحارب إرهابا بنفس طويل، ورئيس يتصدى بجدية صارمة وقوات مسلحة تدك مواقع الإرهاب وأمن مهموم بحماية المصريين من مفاجآت الغدر لا أقل من التحلى بنفس طويل فى التصدى.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع