إسلام بحيرى والمغالطات المنطقية
مقالات مختارة | حسين القاضى
الاربعاء ٧ يونيو ٢٠١٧
بداية فإنه إذا كانت هناك العديد من المشكلات فيما يطرحه الباحث إسلام بحيرى فإن أيضاً هناك حالة من التعصب والتشنج فى التعامل مع طرحه، مردها إلى حالة الخواء العلمى الذى يعانى منه بعض الأزهريين، فيذهبون إلى أن «بحيرى» عدو للدين، وكاره للإسلام، ثم يسكتون.
فيما يعرضه «بحيرى» فإن بعضه صواب، كما أن دعوته إلى حرية الفكر، وأن الفكر يرد بالفكر لا بالحبس، دعوة مقبولة، كما أن بعض ما يطرحه يمثل شبهات من حقه أن يستشكل عليها، كما أن «البخارى»، وإن كانت أحاديثه صحيحة، لكن يحق لكل واحد نقدها مستشكلاً ورافضاً، طالما لم يجد عقلاً علمياً يحل له ما استشكل عليه فيها، أما الاكتفاء بأن أحاديث «البخارى» صحيحة، ثم نقف عاجزين أمام رد ما استشكل فيها فإن هذا ما عاد مقبولاً.
أيضاً فإن البعد الأخلاقى، الذى كان غائباً عن طرح «بحيرى» قبل سجنه، حضر فى برنامجه الأخير، بما يستحيل معه مقاضاته، فى الوقت الذى لم يغير شيئاً من منهجه.
وتظل مشكلة «بحيرى» ومن سار على سيره هى اعتماده على البتر والتعميم، فالتراث عنده جاهلى كله يجب نسفه، مع رفضه المطلق لجهود العلماء، ثم يختار أشخاصاً بعينهم، ويجعل كلامهم هو الإجماع، كما أن مشروعه -كما أشار متخصصون- مستنسخ من أطروحات سابقة لأحد المتكلمين الغربيين، كما أن برنامج الخريطة نفسه مأخوذ من فكرة لأحد العلماء الكبار نفذها فى حلقات بعنوان: (خريطة العلوم الشرعية)، لكن المهم أن أحد أسباب تخبط «بحيرى» جهله بأن مناهج الإثبات والتوثيق بين المحدّثين والفقهاء اختلفت، فلم يلتفت إلى أن للفقهاء طريقة تضاف لطريقة المحدّثين فى إثبات النص، وغير ذلك من أخطاء منهجية مثل قوله: (ليس للمتقدمين قواعد)، ما جعل أكثر كلامه مغالطات منطقية.
تعالوا نأخذ نموذجاً لمغالطة من مغالطاته الراجعة لخلل فى المنهج، فقد قال منذ عدة أيام إنه لا يعقل أن علم أصول الفقه، الذى هو بمثابة القواعد والأرضية التى ينطلق منها علم الفقه، يكون سابقاً ومتقدماً على علم الفقه، و«بحيرى» بهذا المنهج المختل تغافل عن أن قواعد أصول الفقه كانت حاضرة فى أذهان الصحابة، ولكن دون تدوين، كشأن سائر العلوم الأخرى، فاللغة العربية كانت سجية عند العرب رغم أن قواعد علم النحو لم تدوّن إلا فى عهد أبى الأسود الدؤلى، وكذلك فعل الإمام الشافعى مع علم أصول الفقه، فكشف عن قواعده التى كانت فى أذهان المجتهدين من الصحابة والتابعين، ومن الكتب التى أشارت إلى هذا المعنى كتاب: «مشكاة الأصوليين والفقهاء» للدكتور أسامة الأزهرى إذ يقول: (وتلك الملكات بعينها كانت حاضرة فى أذهان المجتهدين قبله من الصحابة فمن دونهم حتى طبقة مشايخه، وبها وبأمثالها أصَّل أبوحنيفة مذهبَهُ، وأصَّل الليث بن سعد مذهبَه، وأصَّل الأوزاعى مذهبه، وغيرهم من أئمة الاجتهاد، فما كان الإمام الشافعى منشئاً للقواعد، بل كان كاشفاً عنها، وكذلك فعل أبوالأسود الدؤلى فى علم النحو، وكذلك فعل غيرهما، والحاصل أن علم الأصول كان حاضراً فى زمنهم بالقوة لا بالفعل سارياً فى تطبيقاتهم)!! وقد كُتبت عدة بحوث مهمة فى هذا الصدد منها كتاب: (أصول الفقه عند الصحابة) للدكتور عبدالعزيز العويد، وكتاب: (القواعد الأصولية المستنبطة من فقه السيدة عائشة) للدكتورة دعاء مازن، ورسالة ماجستير بعنوان: (استنباط القواعد الأصولية) للأستاذ عبدالجواد الحردان، وهذه المؤلفات أشار إليها صاحب «مشكاة الأصوليين»، كما أشار إليها الدكتور أحمد حسنات فى كتابه: (تطور الفكر الأصولى عند المتكلمين).
نقلا عن الوطن