الأقباط متحدون - أن ترتاح المرأة لغطاء الرأس لا يعني أن تنسبه للإسلام
  • ٠٧:٢٦
  • الخميس , ٨ يونيو ٢٠١٧
English version

أن ترتاح المرأة لغطاء الرأس لا يعني أن تنسبه للإسلام

٣٩: ٠٢ م +02:00 EET

الخميس ٨ يونيو ٢٠١٧

د. محمد شحرور | باحث ومفكّر إسلامي
د. محمد شحرور | باحث ومفكّر إسلامي
د. محمد شحرور | باحث ومفكّر إسلامي
 

 لقي إعلان رابطة العلماء المسلمين حول وجوب تخلي النساء المسلمات من أتباع الرسالة المحمدية عن الحجاب، في حال العيش في بلاد تحظره، لقي ردود فعل مختلفة، بين من أثنى عليه باعتباره خطوة نحو الاندماج مع العالم، وآخر يرى فيه معصية للخالق في سبيل منفعة ما، وثالث يرى في الاضطرار بابًا لتخطي الحرام.

 
ولا شك أننا نتفق مع دعوة الرابطة لاحترام دساتير الدول المضيفة أو الامتناع عن السفر إليها، فهذا جانب لا يختلف عليه اثنان، لكن يجد المرء نفسه أمام واجب توضيح بعض النقاط المهمة، بحق التنزيل الحكيم ككتاب أؤمن، من جهتي، أنه من عند الله، ولا شك أن الرابطة تشاركني هذا الإيمان أيضًا.
 
ومن هذا المنطلق، وإذا قرأنا التنزيل الحكيم في محاولة لتتبع موضوعنا هذا، نجد أن الرسالة المحمدية يفترض بها العالمية، وجه الخطاب فيها للناس جميعًا، في مكة ونيودلهي واستوكهولم ولوس أنجلوس، والله تعالى لم يكن مازحًا حين قال {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء 107)، أو {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (الروم 30) فالدين القيم لا يمكن أن يأتي بتعاليم تجعل من أتباعه متقوقعين على أنفسهم، إما أن يقبلوا بما يخالف كتابهم أو ينعزلوا عن العالم، أما القول بأن “القرآن الكريم” لا يعلو على الدساتير، فالتنزيل الحكيم في رأينا ليس في موضع مقارنة أصلاً، وهو لا يخالف الدساتير بكل الأحوال.
 
فالمحرمات فيه معدودة، لا يمكن أن تخضع لتصويت من برلمان أو مجلس {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الأنعام152 -151) بداية من تحريم الشرك بالله حيث لا أحد يجبرك على الإيمان به، وحريتك في المعتقد مصانة {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} (الكهف 29) إلى بقية البنود، كذلك في قوله {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ —} (النساء 23) و{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (الأعراف 33) و {– وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (البقرة 275)، وكل هذه المحرمات لم يسبق أن صوت عليها برلمان، وإنما هي مرجعية أخلاقية، وفي محرمات الطعام لا يتعارض أن يأكل جارك لحم الخنزير وتأكل أنت ما تشاء غيره  {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ -} (المائدة 3) وفيما عدا هذه المحرمات فإن كل الأمور الأخرى خاضعة للاجتهادات الإنسانية التي تفرضها الظروف الموضوعية، ولا تعارض فيها للإسلام مع أي دستور أو قانون، علمًا أنه لا أحد غير الله يملك حق التحريم، وإضافة محرم واحد بحاجة لرسول من الله يحمل بينة على ما جاء به، وهذه المحرمات غير خاضعة للاضطرار فيما عدا الطعام، فلا يمكنك أن تقتل لأنك مضطر ولا أن تأكل مال اليتيم ولا أن ترتكب الفاحشة، ولا محاباة هنا.
 
أي أن تكون مسلمًا يعني أن تؤمن بالله واليوم الآخر وتعمل صالحًا، وإيمانك بالله واليوم الآخر لا يعني أنك تحترم حرية الآخرين في إيمانهم بما يشاؤون فقط، بل أن تسعى وتدافع عن حقهم في ذلك {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة 256)، وأن تعمل صالحًا فلن يقف أحد في طريقك.
 
وأن تكون مسلمًا مؤمنًا برسالة محمد (ص)، فهذا يعني أن تقيم صلاتك وتؤدي زكاتك على طريقته، وتصوم رمضان وتحج إلى مكة، ولا يوجد في هذه الشعائر ما يتعارض مع أي دستور.
 
وفي موضوع النقاب، فالأمر لا لبس فيه، إذ أتفق مع منعه في كل دول العالم، فالوجه هوية ولا أحد يريحه التعامل مع إنسان ملثم، بغض النظر عن التقاليد والأعراف، أما الأمر الذي يدور حوله الجدال فهو الحجاب، وهو لباس المرأة في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي، وفق ما ناسب بيئتها ومجتمعها وفرضته الديانات والملل السابقة لرسالة محمد، في حين أتت الرسالة المحمدية لتفرض، أي تحدد تمامًا ما هو المطلوب تغطيته من الجسد، وكل ما عداه يتبع للذوق الشخصي وأعراف المجتمعات، ليس أكثر، ولا يترتب عليه ثواب أو عقاب، والحد الأدنى الذي فرضه التنزيل الحكيم يوافق 99.9 % من أهل الأرض، فهل رأيتم ذكور أهل الأرض يسيرون بلباس السباحة إلا على الشواطىء؟ وهل رأيتم إناث أوروبا يذهبن للعمل شبه عاريات؟ فمن ارتدى ما لا يتناسب مع الظروف السائدة في محيطه تعرض للأذى، ربما أذى طبيعي أو اجتماعي، لكن الله تعالى لا يهمه ذلك، أما أن يخاف ذكور المسلمين على عفتهم من رؤية إمرأة دون حجاب فليعالجوا مشاكلهم النفسية لا أن يلصقوا الأمر بالإسلام، وأن ترتاح المرأة لارتداء غطاء الرأس فهذا شأنها لكن لا تنسبه للإسلام أيضًا، ومن ثم يصبح اللباس رمزًا دينيًا يمنع أو يسمح به، ويصبح نزعه معصية للخالق لا طاعة لمخلوق فيها، أو اضطرار مبرر يمكن أن يغفره الله أو لا يغفره، أي أن الأمر برمته لا يحتاج لفتوى من السادة العلماء ولا من غيرهم، فيحق لأي دولة إصدار قانون يمنع النقاب أو ما يسمى الحجاب، دون أن يكون للموضوع علاقة بالدين والتدين، لا بالحلال والحرام أصلاً، وكفانا مزاودات لا معنى لها.
 
أما مسألة الولاء فولاء المسلم للقيم الإنسانية، وولاؤه كقومية للغته التي يتكلم بها على ألا يتعصب لهذه القومية، فلغته لا تمنحه أفضلية أو دونية بالنسبة لغيره، وولاؤه كمواطن فهو لقانون الوطن، سيما من يعيش في دولة مواطنة حيث القانون فوق الجميع، لا دولة راعٍ وقطيع.
خلاصة القول إننا أصبحنا بسبب ابتعادنا عن كتاب الله والانصياع لدين مزيف، حالة خاصة خارجة عن المألوف، تحتاج لقوانين واستثناءات لتتمكن من العيش مع الآخرين، في حين أننا بشر ينطبق علينا ما ينطبق على غيرنا من سكان الأرض، لا نتمتع بخصوصية معينة تتطلب منا الانعزال والعيش في مجتمعات مغلقة لها قوانينها وقيمها الخاصة، بحيث نشعر بالقهر والتنازل عن هذه القيم أمام أي انفتاح على الآخر، بل خصنا الله برسالة عالمية علينا حمل رايتها في السلام والحرية، وللأسف فإن ما يجري هو العكس تمامًا.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع