هل هذه حقاً بديهيات دينية؟ (9) ..الرجال قوامون على النساء
مقالات مختارة | خالد منتصر
الخميس ٨ يونيو ٢٠١٧
«الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ»، إذا قرأنا هذه الآية بمعزل عن الظروف الموضوعية التى كانت تحكم المرأة فى الجزيرة العربية حينذاك فإنها تصبح قراءة مبتسرة ومبتورة بل ومغلوطة، ونحن نعترف بأن الوحى الإلهى مطلق ولكننا لا بد أن نعترف أيضاً بأن الفهم البشرى الذى يفهم ويمر من خلاله تفسير هذا الوحى محدود بطبيعته وبإطاره التاريخى ويحكمه قانون التطور، فمفهوم الملكية فى العلاقة الزوجية كان مقبولاً من 1400 سنة ولكنه غير مقبول الآن، ومفهوم ملكية واقتناء المرأة العربية موجود ومتداول منذ قديم الأزل ودائماً كان شراء العبد أو الخادم مقترناً فى أدبيات الفقه ومعطوفاً على زواج المرأة، ففى سنن أبى داود على سبيل المثال نقرأ قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادماً فليقل اللهم إنى أسألك خيرها.....الخ وإذا اشترى بعيراً فليأخذه بذروة سنامه...الخ»،
وهذا التملك للأسف تحول من ظاهرة اجتماعية مؤقتة إلى جزء حيوى وأساسى من العبادة، ولو نظرنا إلى وضع المرأة قبل الإسلام لوجدنا أن الإسلام دفعها خطوة للأمام ولكننا نقع فى خطأ إذا اعتقدنا أن هذه الخطوة هى نهاية الطريق، فمن يفهم الإسلام على أنه دين ديناميكى يحترم التطور لا بد أن يحترم هذه النزعة التطورية التقدمية التى يهيل البعض عليها التراب بتعمد أحياناً وعن جهل أحياناً أخرى، محاولة مد سور القوامة لتصبح قوامة ذكورية فى جميع مناحى الحياة وإعطاءها بُعداً دينياً قدسياً، توازيها محاولة أخرى هى بتر مسألة القوامة عن مناسبة قولها، ثم بترها من سياق الآيات التى تسبقها، ثم بترها عن سياق المجتمع الذكورى الذى نزلت فى زمنه الآية والذى كان طبيعياً فيه مثل هذه القوامة، فأولاً بقراءة الآيات السابقة لآية القوامة فى سورة النساء «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا. وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا. إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا. وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا. وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا»،
فى هذه الآيات السابقة خطاب للرجال والنساء دون تمييز، وتأكيد على حقوق الزوجة المالية والزوجية والإنسانية، واستدراك آية القوامة التالية هى ضمن النطاق الضيق للحياة الزوجية مع قيود وضوابط الرعاية والمودة وحسن المعاشرة والوفاء والأمانة وعدم الطمع فى أموال الزوجة، والسبب فى هذه القوامة وقت نزول الآية كما يقول د.سليمان حريتانى «المزايا الاجتماعية التى اختص الزوج بها من حماية للأسرة ورعاية لها وما ينفقه عليها من أموال بما يتسق وطبائع الأمور فى المجتمعات الأبوية التى لها مسارها التاريخى الاجتماعى»، موضوع القوامة مشروط بعلة القوامة وهى اعتماد النساء على الرجال فى توفير الأمن والنفقة «بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم»، وهذا يعنى أن آية القوامة تقرر واقعاً موضوعياً عاماً قائماً، وأن هذا الواقع تاريخى المسار يشمل جميع الرجال والنساء، مسلمين وغير مسلمين، طالما بقيت المرأة بشكل عام بحاجة إلى حماية زوجها وإنفاقه عليها، وهذا الواقع ليس أمراً تعبدياً قدسياً مطلقاً لا نقاش فيه، ولكنه واقع له صفته التاريخية وقابل كما يقول د.حريتانى للتبدل والانعكاس بتبدل وانعكاس عوامل القوة والضعف بين طرفى العلاقة، وإلا فما هو تفسير سقوط حق القوامة على الزوجة إذا قصر الزوج فى النفقة؟.. بما يعنى أن المسألة ليست مطلقة كما تصور البعض!.
نقلا عن الوطن