الأقباط متحدون - موجات ثورية مغاربية
  • ٠٧:٢٣
  • السبت , ١٠ يونيو ٢٠١٧
English version

موجات ثورية مغاربية

٣٧: ٠٩ ص +02:00 EET

السبت ١٠ يونيو ٢٠١٧

د.جهاد عودة
د.جهاد عودة

بقلم - جهاد عودة

 إن مفهوم «موجة ثورية» هو الأنسب لفهم ما حدث ويحدث فى مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن وهى الدول التى عانت من «الربيع العربي».الموجة الثورية هى أقل من الثورة، وتنشأ نتيجة لتذبذب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، إلا أن الموجة الثورية يمكن لها أن تتحول إلى حرب أهلية، كما حدث فى سوريا والعراق واليمن.

 
إن الأوضاع المصرية والتونسية وغيرها ممن شهدت موجات ثورية، تحتاج إلى استقرار مؤسسى لعدم الارتداد، فكلما كان الاستقرار المؤسسى مرتفعًا انخفضت الموجة الثورية إلى أن تختفي، وكلما كان الاستقرار المؤسسى مضطرباً وفاسداً أدى إلى ظهور موجات ثورية.
 
وشهدت تونس استقرارًا أفضل من مصر نسبيًا، فيما مضي، ولكن الوقت اختلف حالياً وتدهورت العلاقات المؤسسية فى تونس, مما أدى إلى انبعاث الموجات الثورية التونسية مرة أخري، أما الدول التى تعانى من الحرب الأهلية، أو الصراع الطائفي، المتمثلة فى سوريا والعراق واليمن، فتحتاج إلى تسوية دولية.
 
والارتداد للموجة الثورية، لا يأخذ كما حدث فى الماضى شكلا مجتمعيا وسلطويا عاما للأزمة، ولكنه يأخذ على الأرجح شكلا إقليميا حادا ويتم توطينه فى إقليم مجتمع من الدولي. نلاحظ توطن الارتداد الذى يساعد على نشر الفوضى فى تونس فى منطقة تطاوين وفى الجزائر فى منطقة الجنوب القبائلى والمملكة المغربية فى الحسيمة فى الريف المغربي.
 
ويعتبر طبيعة نظام الحكم متغيرا مهما وحاسما فى حساب مدى توطن الموجة الثورية إقليميا فى المجتمع والدولة، ويقصد بذلك مدى وجود تهميش واستغلال إقليمى مجتمعي.
 
تفجر الوضع فجأة من جديد فى جنوب تونس، وتوقف نقل النفط، وتم إحراق مراكز الشرطة، فى المقابل تشهد منطقة الحسيمة شمال المغرب، منذ 6 أشهر تظاهرات واحتجاجات تطالب بفرص عمل عادلة، مع استمرار تفجر الوضع الاجتماعى الأمازيغى فى منطقة القبائل جنوب الجزائر، فهل تشهد المنطقة المغاربية ربيعا عربيا جديدا بمعنى موجة ثورية تتمدد لتشمل عواصم الدول الثلاث؟.
 
المشهد فى تونس بات تراكماً من المشكلات، وحاول محتجون تونسيون غاضبون فى 22 مايو الماضى دخول منشأة نفطية عنوة فى «الكامور» بالقرب من تطاوين جنوب تونس رغم أنّ الجيش يحميها، ونتج عن ذلك توقف أغلب منشآت وحقول النفط عن الإنتاج، كما قطعت شركات النقل عمليات نقل النفط.
 
وأكد المتحدث باسم الحرس الوطني، «وجود تحريض على شبكات التواصل الاجتماعى من أجل تأجيج الأوضاع و العصيان المدنى فى البلاد»، علما بأنه لاتزال الهجمات تطال رجال الأمن، منذ التفجير الإرهابى الذى استهدف حافلة للأمن الرئاسى وسط العاصمة فى نوفمبر 2015 والذى خلّف 12 قتيلاً من عناصر الأمن، بعدها تم إعلان حالة الطوارئ ولا تزال سارية فى كامل أنحاء البلاد.
 
وليس بوسع المراقب إلا أن يسأل: هل ثمة جهة سياسية ومالية تقف وراء هذا التصعيد، ففى كل المراحل التى شهدتها تونس فى السنوات الأخيرة كانت هناك أحزاب تعلن فشل الحكومة وتدعو إلى انتخابات مبكرة، هذه التحركات المفاجئة لم تعد عفوية، لأنّ عدد المحتجين البالغ ألفى شخص تظاهروا بصفة سلمية، ولكن مع المحتجين عناصر قد تكون ممولة من أطراف خارجية وداخلية وهدفها الأساسى هو عدم استقرار البلاد.
 
الحكومة التونسية من جانبها استجابت لمطالب المحتجين وعرضت ألف فرصة عمل فورية فى الشركات النفطية و500 فرصة عمل أخرى فى العام المقبل، إلى جانب ألفى فرصة عمل فى شركة بيئية حكومية مع تخصيص 50 مليون دينار للتنمية فى تطاوين، لكنّ جزءاً من المحتجين رفض العرض الحكومي.
 
هدف الشباب المحتجين كان المطالبة بالتنمية والتشغيل خاصة أنّ تطاوين تشكو من نسبة عالية من البطالة والتهميش، وقد يوجد ما يجرى فى تونس، والفوضى الضاربة فى ليبيا منذ إسقاط نظام العقيد القذافي، مناخاً يمتد إلى المغرب الذى خرج معافى من نيران» الربيع العربي». ويشهد إقليم الحسيمة فى منطقة ريف شمال المغرب تظاهرات منذ مصرع بائع سمك نهاية أكتوبر 2016 سحقاً داخل شاحنة نفايات، وأدى مصرعه المفجع إلى تشكل ما بات يعرف بقضية «الشهيد فكري»، واتخذت التظاهرات طابعا اجتماعيا وسياسيا مطالبا بالتنمية فى منطقة يعتبرها أهلها مهمشة.
 
مناخ القلق هذا جعل البعض فى الجزائر يخشون من تكرار اضطرابات عام 1988 واحتجاجات منطقة القبائل عام 2001، والتى تم قمعها بقسوة من قبل السلطة.
 
يذكر أن الاحتجاجات جاءت كرد فعل على المقتضيات «غير الشعبية» لقانون المالية 2017، والذى أقر زيادات ضريبية ورفعا تدريجيا للدعم العمومى على المحروقات وهو ما يهدد بارتفاع مستوى المعيشة فى الجزائر المرتفعة أصلاً.
 
وجاء دخول الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين القضية سببا للاشتعال الاجتماعى وخاصة مع تعرض التجار إلى تهديدات لإغلاق محالهم.
 
إن تطور الموجات الثورية المغاربية إلى الفوضى المجتمعية أو العكس بتغيير نمط توزيع الدخل وفتح هيكل جيد للعلاقات العادلة بين قوى المجتمع والدولة فى هذه الدول يتطلب إيجاد مفهوم جديد للدولة وهو مفهوم الدولة الوطنية الديمقراطية الذى هو أقرب بعض الشىء من ممارسات المملكة المغربية.
 
السؤال الكبير: كيف يتم توسيع الدولة لتحتوى كل الفاعلين الاجتماعيين بشكل مستمر، ويجب إيجاد عملية سياسية كبرى من منظور السياسات العامة فى الدولة تساعد على كسر احتكار الأعمال وكسر الفساد البيروقراطى ويعمل على تنمية التعددية الاجتماعية والثقافية وتساعد على بناء الاستقرار الدولى الإقليمي.. والعالم العربى يدخل مناخ الحرب الدولية أعزل من كل شئ.

نقلا عن الأهرام
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع