الأقباط متحدون - جهاد عودة يكتب: التغييرالمزدوج للعلاقات الدولية الخليجية والأطلسية (2)
  • ٠٤:٥٧
  • الثلاثاء , ١٣ يونيو ٢٠١٧
English version

جهاد عودة يكتب: التغييرالمزدوج للعلاقات الدولية الخليجية والأطلسية (2)

٣٣: ٠٥ م +02:00 EET

الثلاثاء ١٣ يونيو ٢٠١٧

جهاد عودة
جهاد عودة

 بقلم_د. جهاد عودة
وصف المسؤولين الحاليين الذين يعملون مع ترامب يعانون من التخبط ويجدون أنفسهم في مواقف حرجة خصوصاً وزير الخارجية ريكس تيلرسون الذي يجد نفسه محتاراً بين تصعيد اللهجة الكلامية لترامب ضد القطر، وبين جهوده لتسوية الخلافات في دول الخليج وموقف البنتاغون الذي يؤكد على أهمية الدوحة ويشيد بها على استضافتها لقاعدة عسكرية أميركية يصفها بالمهمة للغاية. ويأتي هذا التناقض في السياسة الأميركية نحو قطر وأزمة الخليج، بينما ينصب اهتمام ترامب على توظيف المزيد من المسؤولين في إدارته، فمن بين 588 منصباً لإدارة ترامب تتطلب موافقة مجلس الشيوخ، تم ترشيح 123 منصباً فقط لشغلها أو الموافقة عليهم، بحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز“ الجمعة 9 يونيو/حزيران 2017. ويعد وزير الخارجية الأميركي تيلرسون واحداً من أبرز المسؤولين بالإدارة الأميركية الذين يعانون حالياً مع الرئيس ترامب، ففي تقرير لصحيفة  “نيويورك تايمز” نشرته، أمس الجمعة، أشارت إلى الموقف العصيب لـ تيلرسون بسبب ترامب وموقفه من الأزمة الخليجية. وذهبت الصحيفة إلى القول: “تعليقات ترامب لا يمكن التنبؤ بها كالعادة، فقد بدا أنَّه يُقوِّض مساعي وزير خارجيته ريكس تيلرسون، الذي بدأ جهوداً للتوصُّل إلى تسويةٍ للخلاف الحاد بين قطر وعدد من جيرانها، وعلى رأسهم السعودية”.

 
فبعد ظهر أمس الجمعة، دعا تيلرسون إلى “حوارٍ هادئ ومُعمَّق” من أجل حل الخلاف الآخِذ في التعمُّق بين البلدان الإسلامية السُنّيّة في منطقة الخليج. وبعد ساعةٍ تقريباً، ذهبت تصريحات ترامب في اتجاهٍ مختلفٍ تماماً. فقد اتَّهم قطر بأنَّها “مُموِّلةٌ للإرهاب بمستوى عال”. وكادت جهود تيلرسون الأولى في إقامة مفاوضات تُهدَم بسبب ترامب، إذ أدخل الأخير أنفه في النزاع بتغريدات على تويتر، فُهِم منها أنَّ الولايات المتحدة تقف إلى صف السعودية تماماً. وأعلنت السعودية والإمارات والبحرين، اليوم السبت 10 يونيو/حزيران 2017، ترحيبها بتصريحات ترامب، التي دعا خلالها قطر إلى “وقف تمويل الإرهاب”، الأمر الذي نفته الأخيرة مراراً في أوقات سابقة. وفي الوقت الحالي لا تزال بعض الإدارات فارغة بالكامل من الموظفين السياسيين ما دون مستوى المناصب الوزارية في إدارة ترامب، كما أن ترامب تخلى عن عدد من أفراد طاقمه إما بعزلهم، أو دفعهم للاستقالة بدءاً من مستشار الأمن القومي الأول لديه مايكل فلين بسبب الاتصالات مع روسيا، ومدير اتصالاته مايكل دوبك، والأشهر هو مدير FBI جيمس كومي والذي أخبر الجميع في شهادته يوم الخميس أنه علم بأسباب إقالته من التلفاز.
 
 
 
ويعود السبب في بقاء الكثير من المناصب شاغرة في إدارة ترامب إلى أن عدداً من المرشحين للمناصب العليا تعثروا في عملية الفحص، لكن “نيويورك تايمز” تشير لحقيقة أخرى، وتقول إن “ترامب لا يبدو أنه يعمل بجد لملء هذه المناصب. لكن أيضاً لأن الناس أصبحوا مقتنعين بشكل واضح بأن ترامب الذي يتعامل بعدائية مع مستنقع واشنطن كما يصفه، أصبح أسوأ مدير في واشنطن وهو ما يفقدهم شهية العمل معه”. وأصبح من الواضح أن هناك حالة جديدة من الحذر تسود الأجواء بعد تسرب قصص عن معاملة الرئيس الشاذة والسيئة لطاقمه، وكذلك مشاكله القانونية المتزايدة، حتى أن عدداً من المرشحين رفضوا تولي مناصب شديدة الجاذبية، من بينهم على الأقل أربعة مرشحين رفضوا تولي منصب السيد كومي قبل أن يتم إعلان اختيار كريستوفر واري للمنصب 7-6-2017.وتشير الصحيفة الأميركية إلى أنه بالنظر إلى إجابات أشخاص تولوا سابقاً مناصب في الإدارة الأميركية، فإنهم يتوقعون أن تبقى مناصب في إدارة ترامب شاغرة لوقت أطول.  وتصف صحيفة “نيويورك تايمز“ متاعب العمل كوزير للخارجية تحت قيادة ترامب، فتقول: “هناك وزارة الخارجية ستتاح لك فرصة ممارسة الدبلوماسية تحت حكم رئيس غير مهتم بالممارسة من الأساس”. 
 
وتضيف الصحيفة أن هنالك أيضاً فريق الأمن القومي الذي أُجبر قائده ماكماستر على الدفاع عن البيت الأبيض، بعد أن سرب ترامب معلومات استخبارية حساسة للسفير الروسي، ثم بعد ذلك وكما أفاد تقرير لصحيفة “بوليتكو” مؤخراً، صُعق بلغة ترامب الفظة تجاه الناتو بعيداً عن الخطاب المتفق عليه. ويقول مايكل ماكفول السفير السابق للولايات المتحدة في روسيا في عهد الرئيس أوباما بهذا الخصوص: “الناس الذين أعرفهم ينظرون إلى ما حدث لماكماستر ويفكرون، حسناً، إذا كنت مستشار الأمن القومي ولا تستطيع حتى أن تتدخل في هذه الجملة، وهي إنجاز قريب من اليد، لماذا يفترض أحدهم أنك ستحوز أي قدر من السيطرة على قرارات السياسة الخارجية الكبرى؟”. وتشير الصحيفة الأميركية إلى المسؤولين الأميركيين الذين تم تعيينهم في إدارة ترامب، أو أولئك الذين تمت دعوتهم إلى الانضمام للإدارة يشعرون الآن بقلق أكبر بكثير. ويعتقد ماكفول أن الأشخاص الذين مازالوا راغبين في تولي المناصب السياسية في الأغلب هم الأكثر وظيفية وفي العديد من المناصب هم الأكثر تأدلجاً. وأضاف: “من المرجح أن يكونوا الأكبر في السن كذلك. أما الأشخاص الأصغر سناً في الغالب سينتظرون رحيل الإدارة كلها”.
 
وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نتائج الانتخابات البرلمانية البريطانية التي وضعت رئيسة الوزراء تيريزا ماي في وضع صعب للحفاظ على السلطة بأنها “مفاجئة”. جاء ذلك في رد ترامب على سؤال وجهه أحد الصحفيين خلال جلسة لالتقاط الصور بالمكتب البيضاوي في البيت الأبيض. وكانت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي دعت إلى انتخابات مبكرة لتعزيز موقفها في محادثات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي وهي واثقة من تعزيز أغلبية حزب المحافظين الذي تقوده، لكن بدلا من ذلك تقلصت سلطتها. وقالت ماي في بيان بعد الصعود المفاجئ لحزب العمال المعارض تحت قيادة زعيمه اليساري جيريمي كوربين: “آسفة لجميع المرشحين والعاملين في الحزب الذين عملوا بجد ولم يحققوا نجاحا”. وأضافت، “بينما أتأمل النتائج سأدرس ما نحتاج لعمله في المستقبل لدفع الحزب للأمام”.  وتواجه ماي خطر زيادة المعارضة لخططها للانسحاب من الاتحاد الأوروبي “بريكست” من داخل وخارج حزبها. ويسعى بعض زملائها لاستبدالها، رغم أن مصدرا في الحزب قال: إن “المنصب يبدو في الوقت الراهن أشبه بالكأس المسموم”. وذكر مكتبها في وقت لاحق، أن وزراء المالية والخارجية والدفاع وشؤون الخروج من الاتحاد الأوروبي سيبقون في مناصبهم. وستكون المقاعد العشرة التي حصل عليها الحزب الديمقراطي الوحدوي في آيرلندا الشمالية، الذي ينتمي لتيار يمين الوسط والمؤيد للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، كافية لتمنح حزب المحافظين اليميني أغلبية هشة، وأكدت رئيسة الوزراء أن هذه “الأغلبية” ستتيح لها التفاوض على الخروج بنجاح من التكتل. وقالت ماي من خارج مكتبها: “الحزبان يتمتعان بعلاقات قوية منذ سنوات طويلة، وهذا يمنحني الثقة في الاعتقاد بأننا سنتمكن من العمل معا لصالح المملكة المتحدة بأكملها”.
 
على عكس الفوز الساحق الذي كانت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي تنتظره، والتفويض الذي كانت تأمل به من الشعب البريطاني، أظهرت الانتخابات البريطانية، التي أعلنت نتائجها أمس، ميلاً شعبيّاً كبيراً لوقف المدّ اليميني الذي بدأ مع إعلان نتائج الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في مثل هذا الشهر من العام الماضي. كشفت الانتخابات خسارة حزب المحافظين الأغلبية المريحة التي كان يتمتع بها بعد انتخابات عام 2015 مما اضطره للتحالف مع حزب الديمقراطيين الوحدويين الأيرلندي لتشكيل حكومة، كما بيّنت توطّد خطّ اليسار ضمن حزب العمال وشعبية برنامج قائده جيريمي كوربين الانتخابي رغم الحملات السياسية والإعلامية عليه من كافة الأطياف السياسية والإعلامية (بما فيها الكثير من نواب حزبه في البرلمان) والتي شكّكت كلها في قدرته على قيادة الحزب بل وأكّدت أن هذه الانتخابات ستكون نهاية حياته السياسية عمليّاً. فتح استفتاء خروج بريطانيا من أوروبا عام 2016 الباب عمليّاً لظاهرة عالمية كان انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجلّيها الأكبر وهو ما أسهم، على الأغلب، في ردود أفعال متعاقبة في أمريكا نفسها، وفي أوروبا، حيث بدأت أشكال الترامبية المتنوعة هذه (والتي أعلنت عن نفسها في أحزاب اليمين المتطرّف والدعوات للخروج من الاتحاد الأوروبي والتقارب مع روسيا والعداء للأجانب والمسلمين خصوصاً) بالتراجع في النمسا وهولندا وفرنسا وصولاً إلى النتائج الأخيرة للانتخابات البريطانية. للعلّ أجلى صور هذا التراجع كانت في الذوبان السريع لحزب «الاستقلال» البريطاني UKIP الذي يرتبط مؤسسه نايجل فراج بعلاقة وثيقة مع ترامب، حيث تلاشى تماماً من المشهد الانتخابي فلم يستطع الحصول على أي كرسي في البرلمان وأعلن رئيسه بول ناتال الاستقالة. إضافة إلى خسارة المحافظين الكثير من المقاعد التي فازوا بها سابقا فإن عدد المقاعد الجديد حتى لا يعبّر فعليّاً عن حقيقة الاستقطاب الهائل الذي جرى في بريطانيا والذي انعكس في تقارب الأصوات في الكثير من المناطق الانتخابية وفي تغيّرات غير مسبوقة، أحد أسبابها قلق البريطانيين من الوضع الاقتصادي الذي بدأت البلاد تنحدر إليه بعد الاندفاعة غير المحسوبة لقرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، والتي ما كان يمكن أن تحصل لولا أن غذّاها تيّار اليمين العنصري بشعارات ووعود شعبوية منها «استعادة» الأموال التي تذهب إلى الاتحاد الأوروبي وضخها في القطاع الصحّي (وهي كذبة كبرى فضحها اعتراف نايجل فراج في اليوم التالي للاستفتاء!)، ووقف تزايد عدد المهاجرين الأجانب (وهي كذبة أخرى كشفها عدم قدرة المحافظين على تحقيقها)، وأيضاً وعود الرخاء والاستقرار الاقتصادي والسياسي، وكلّ هذه الوعود تبخّرت في الهواء. 
 
وكما احتجّ البريطانيون عموماً على المسار الذي بدأ باستفتاء 2015 وأعلنوا، عبر التصويت للعمال، والليبراليين الديمقراطيين، والحزب الوطني الاسكتلندي، ولحزب الخضر، وشن فين، عن رغبتهم في طريق مغاير، فقد أدلى الاسكتلنديون بدلوهم في تصويت رمزيّ مشابه على رفض الانفصال عن بريطانيا عبر نزعهم الأغلبية السابقة التي كانت زعيمة الحزب الوطني الاسكتلندي نيكولا ستورجن وتصويتهم بكثافة للأحزاب البريطانية العامة: المحافظين والعمال. بدلاً من الخطّة المأمولة لتيريزا ماي التي كانت تتوقّع صعوداً مطرداً لحياتها السياسية، يناظر، أو يتفوّق ربما، على نظيرتها الراحلة مارغريت ثاتشر، فإن الذي حصل هو فشل تاريخيّ لها، والأسوأ من ذلك، أن هذه الانتخابات أعطت منافسها، الذي كان حزبه يعاني من تصدّعات داخلية تكاد تودي به، انبعاثة مفاجئة من الرماد ليبدأ، على عكسها، مشوار قيادة جديدة واعدة لحزب العمال.
 
بدا الهاجس الأكبر لدى الرئيس الأميركي باراك أوباما، خلال زيارته الاخيره لأوروبا فى نوفمبر 2016، الحث على الحفاظ على مسار العولمة في وجه “الحركات الشعبوية”، التي توصف بالانعزالية، والتي بدأت تظهر في الولايات المتحدة متمثلة في انتخاب دونالد ترامب، وأيضاً في دول أوروبية عدة، مثل فرنسا وبريطانيا.  وفي هذا السياق، جاءت دعوة أوباما والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، أمس، إلى إبرام اتفاق التجارة الحرة عبر الأطلسي، وتأكيدهما أنه لا يمكن العودة إلى حقبة ما قبل العولمة. ووصل أوباما إلى برلين، مساء أمس، حيث التقى ميركل في آخر زيارة له لأوروبا، من أجل طمأنة الحلفاء على عدم تغيّر السياسة الأميركية تجاههم في ظل إدارة ترامب. ووصف أوباما، الآتي من أثينا، ميركل بأنها “على الأرجح أقرب شركائي الدوليين خلال السنوات الثماني الماضية”. وخلال زيارته برلين، التي يغادرها مساء غد، يلتقي أوباما قادة بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا. وفي الوقت الذي يدعو فيه ترامب إلى إلغاء الاتفاقات التجارية القائمة، وإلى إقامة نظام حمائي، نشر أوباما وميركل مقالاً مشتركاً في مجلة الأعمال “فرشافتوتش”، طالبا فيه بسوق اقتصادية ذات مسؤولية اجتماعية، وبعلاقات تجارية عالمية حرّة، وعلاقات أوثق بين الولايات المتحدة وألمانيا. وكتبا في المقال الذي سيصدر كاملاً غداً: “لن تكون هناك عودة إلى عالم ما قبل العولمة”. كذلك أكدا أن على الألمان والأميركيين أن يغتنموا الفرصة “لإعادة صياغة العولمة لتتماشى مع قيمنا وأفكارنا”. وكان أوباما قد أكد في خطاب ألقاه في ختام محطته اليونانية في جولته الأوروبية ، أن انعدام المساواة في اقتصاد معولم، يشكل أحد أكبر التحديات بالنسبة إلى الديموقراطيات في العالم. كذلك أعرب عن ثقته بأن التزام الولايات المتحدة سيتواصل تجاه “حلف شمال الأطلسي”. وقال أوباما، في كلمة ألقاها في العاصمة اليونانية أثينا: “اليوم حلف شمال الأطلسي، أعظم حلف في العالم، لا يزال قوياً ومستعداً، كما هي الحال دائماً”.
 
الشعبويون  يقفون ضد المبادئ التي تقوم عليها الديمقراطيات الغربية في مختلف الدول الأوروبية. ففي  يونيو، أفضى الاستفتاء الذي أجرته المملكة المتحدة إلى انسحابها من الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعد واحدا من أهم الانتصارات التي حققها القوميون هذه السنة. وتلى هذا الحدث فوز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، ليمسك بمقاليد إدارة البيت الأبيض مرشح كان قد أعرب في العديد من المناسبات عن ازدرائه للديمقراطية وانتقاده لمبادئ حرية الصحافة واستقلالية القضاء وسيادة القانون. وفي غمار هذه التناقضات، هلل السياسيون المنتمون إلى اليمين المتطرف والأوتوقراطيون من بودابست وموسكو بفوز ترامب، بينما صعقت الأنظمة الأوروبية بهذا الخبر. وفي ظل الأوضاع الراهنة، تبدوا هذه القوى الديمقراطية الليبرالية، التي برزت في نهاية الحرب الباردة، مهددة من جميع الأطراف ولعل هذا ما ينذر بقرب حلول أيام مظلمة على الأنظمة الديمقراطية ولا سيما الأوروبية منها.  لا أحد يعلم كيف ستكون إدارة ترامب، وما هي السياسة الخارجية التي سيتوخاها، لكن من الواضح أنه ستكون لإدارته العديد من  التداعيات على الدول الأوروبية وحلف الناتو. ولئن كان فوز ترامب حافزا للأحزاب اليمينية المتطرفة لتعزز موقعها في الساحة السياسية وتكسب مزيدا من الجرأة لتتطاول على الأنظمة الديمقراطية، فإن ذلك لا يعني تمكنها من اعتلاء السلطة. أما بالنسبة للشعبويين الذين يمسكون بزمام السلطة أمثال؛ رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، والقائد الفعلي لبولندا، ياروسلاف كاتشينسكي، الذي يتقلد منصب رئيس مجلس إدارة حزب القانون والعدالة، فإن إدارة ترامب ستكون حليفتهم الأولى. ينبغي على الدول الأوروبية أن تجد حلولا جذرية لأزمة الهجرة، وتوسع في نطاق المبادرات الأخيرة لتأمين حدود أوروبا الخارجية
 
ووفقا لما أدلى به ترامب من تصريحات طيلة حملته الانتخابية، فإنه من الواضح أنه سيطالب الدول الأوروبية بالإنفاق أكثر على المجال العسكري. وتجدر الإشارة إلى أن وجهة نظر ترامب معقولة نوعا ما، لكن إبطال الفوائد المتأتية من ترفيع أوروبا للإنفاق العسكري الدفاعي قد يُقوض من مصداقية حلف الناتو. أمّا بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فهو يتعارض في جوهر الأدوار التي يضطلع بها مع ما يدعو ترامب إلى تطبيقه؛ فالاتحاد كمنظمة عابرة للأوطان، تُعنى بتعزيز الترتيبات التجارية متعددة الأطراف وبالتنقل البحري وبسن القوانين البيئية، وتحرص على تطبيق القوانين الدولية. وفي الواقع لم تكن تغريدة ترامب على موقع تويتر، التي أعرب فيها عن مساندته لزعيم حزب الاستقلال، نايجل فاراج، بعد مرور فترة وجيزة على إعلان نتائج استفتاء المملكة المتحدة في حزيران/ يونيو، بالمفاجأة الكبيرة لبعض السياسيين الأوروبيين.
 
كان آخر اختبار مرت به المؤسسات السياسية الأوروبية في الرابع من ديسمبر2015 في إيطاليا والنمسا. بالنسبة للانتخابات الرئاسية النمساوية، فقد هزم المرشح ألكسندر فان دير بيلين، المؤيد للاتحاد والزعيم السابق لحزب الخضر، خصمه التابع لحزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف، نوربرت هوفر، المعروف بمناهضته للمهاجرين. لكن الأمل لدى الزعماء الأوروبيين لم يدم طويلا، ففي اليوم الذي تلا الإعلان عن نتائج الانتخابات النمساوية، عزم الناخبون الإيطاليون على رفض استفتاء الإصلاح الدستوري، الذي دعا إليه ممثل اليسار المعتدل ورئيس الوزراء، ماتيو رينزي، عقب التصويت على منح الثقة لقيادته. وتبعا لهذه النتائج، أعلن رئيس الوزراء ماتيو رينزي عن استقالته ليترك إيطاليا غارقة في الشكوك السياسية، وفي فترة حرجة تمر فيها البلاد بضغوطات مالية تتعلق بنظامها البنكي وبتراكم الديون السيادية، ناهيك عن أزمة المهاجرين التي تشهدها وصعود حركة شعبوية تدعى بحركة النجوم الخمس. ستكون الانتخابات الوطنية التي ستجرى في كل من فرنسا وألمانيا وهولندا اختبارا سيثبت مدى قدرة الوسطيين على ترجيح كفة موازين القوى السياسية لصالحهم، والتصدي للأحزاب اليمينية المتطرفة، للحيلولة دون تكرار السيناريو النمساوي. وستعقد أول انتخابات في هولندا في مارس، حيث سيتوجه الناخبون الهولنديون إلى صناديق الاقتراع للانتخابات البرلمانية. ومن المرجح أن يتواجه كل من المرشح المناهض للإسلام، غيرت فيلدرز، الذي يقود حزب من أجل الحرية اليميني المتطرف، مع خصمه رئيس الوزراء الحالي، مارك روته، الذي يترأس حزب يميني معتدل. وستلي الانتخابات البرلمانية الهولندية، الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي ستعقد في شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو، ليقرر الشعب من هو الرئيس الجديد بعد دورتين انتخابيتين. ومن المتوقع أن تكون زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، مارين لوبان، إحدى أبرز المرشحين في الجولة الأولى، وعلى الأرجح ستكون منافسة لزعيم الحزب الجمهوري اليميني الوسطي، فرانسوا فيون،  في الجولة الأخيرة. مما لا شك فيه أن ميركل تلعب دورا قياديا هاما في هذا المنحى الجديد الذي ستتخذه أوروبا. وستجرى آخر انتخابات برلمانية في سبتمبر في ألمانيا، إذ ستسعى أنجيلا ميركل للفوز بولاية رابعة كمستشارة، ومن المحتمل أن تشهد ألمانيا للمرة الأولى في تاريخها، دخول الحزب اليميني المتطرف، حزب البديل من أجل ألمانيا، البرلمان الاتحادي. وعلى الرغم من فسحة الأمل التي منحها فوز ترامب للقوى الشعبوية في فرنسا وألمانيا وهولندا، فإنه من المرجح أن يكون الحظ الأوفر في الانتخابات القادمة للأحزاب اليمينية الوسطية. فبالنسبة للنظام الحزبي المجزأ في هولندا، يتوجب على اليمين المتطرف أن يُنشأ ائتلافًا حتى يستطيع تولي الحكم، لكن من المحتمل أن تنأى الأحزاب الرئيسية في البلاد عن حزب فيلدرز، وتُتاح الفرصة لروته ليعود إلى منصبه كرئيسٍ لحكومةٍ جديدةٍ متعددة الأطياف. أما بالنسبة لفرنسا، فهناك فرصة كبيرة لفوز لوبان، لكن من المرجح أن الوسطيين سيتكتلون ليكوّنوا ائتلافًا قادر على منافستها في الجولة الثانية من التصويت وعلى عرقلتها. أما في ألمانيا، فإن ميركل تتمتع بمساندة كبيرة شعبيًا وسياسيًا، وذلك مرتبط بما ستؤول إليه الأمور بخصوص أزمة الهجرة في ألمانيا. كما أن بعض التنازلات التي قدمتها ميركل لتكسب ثقة منتقديها، من شأنها أن تزيد من فرص فوز المستشارة بولاية أخرى. قد ينتج عن انتخابات سنة 2017 انحياز ملحوظ لبعض الأحزاب الوسطية الأوروبية نحو اليمين، لكن من المؤكد أنه ستبقى الأنظمة الليبرالية الديمقراطية في القوى الأوروبية على رأس المشهد السياسي. كان ترامب قد أعرب في العديد من المناسبات عن ازدرائه للديمقراطية وانتقاده لمبادئ حرية الصحافة واستقلالية القضاء وسيادة القانون. وعلى الرغم من أن ترامب لن يكون قادرًا على ضمان وصول السياسيين الشعبويين إلى السلطة، فإنه يستطيع دعم نظائره الذين يتقلدون مناصب سيادية. والجدير بالذكر أن ترامب قد دعا المتشددين الموالين لأوربان، الذين حاولت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تجنبهم قدر المستطاع على مدى السنوات الخمس الماضية، إلى زيارته في واشنطن. وفي مقابلة صحفية أجرتها إحدى القنوات المجرية في مطلع  سبتمبر 2016 ، مع مستشار حملة ترامب، جيفري غوردون، ادعت القناة أن ترامب يعتبر أوربان “أحد أفضل القادة السياسيين في العالم”. وبعد هذا التصريح، فإن زعماء حزب القانون والعدالة في بولندا، الذي استولى بصفة منافية للدستور على المحكمة الدستورية في البلاد ويتلقى من الاتحاد الأوروبي تهديدات بفرض عقوبات عليه، يتوقعون أن تحتضنهم الإدارة الأمريكية. فضلا عن ذلك، فقد أشاد ترامب مرارًا أثناء حملته الانتخابية بمجهودات القادة المستبدين؛ مشيرا إلى أن الدور الذي تضطلع به الولايات المتحدة لا يتمثل في تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في الخارج. وبالتالي فإن انفتاح ترامب على أوربان يوحي بأنه سوف يدعم القادة الأوروبيين ذوي الميول الاستبدادية، بدلا من أن يضغط عليهم لاحترام مبادئ الديمقراطية، كما فعلت إدارة أوباما.
 
أما بالنسبة لحلف الناتو، فقد أكد ترامب في مكالمة هاتفية أجراها مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في 29 من نوفمبر 2016،  على أهمية الحلف الذي يجمع كلا من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الرغم من أن احتمالات تخلي ترامب عن هذا التحالف ضئيلة جدا، فإنه من خلال مساندته للقوى الاستبدادية في العالم، قد ألحق به أضرارا فادحة. ومن المفترض أن تكون المادة الخامسة للدفاع المشترك في حلف الناتو بمثابة الرادع الذي سيحول دون شن خصوم الناتو المحتملين هجمات ضد أحد الدول الأعضاء، لأن إقدام أي منهم على هذه الحركة سيدفع جميع الأعضاء إلى الرد بالمثل.  لكن ترامب يضع هذا الضمان على المحك، لأنه أشار إلى أن الولايات المتحدة لن تدافع سوى عن دول حلف الناتو التي تعهدت بتخصيص اثنين بالمائة على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي لنفقات الدفاع. كما أدى تصريح ترامب بأنه يسعى إلى توطيد علاقاته أكثر مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى زيادة شكوك الحلفاء وزعزعة ثقتهم في الناتو، مستبعدين فكرة أن تمد لهم الولايات المتحدة يد العون في حال حدوث تحرك روسي. سيحتفل الاتحاد الأوروبي في آذار/مارس بالذكرى الستين لمعاهدة روما، التي تقوم عليها الجماعة الأوروبية الاقتصادية، كامتداد لكيان الاتحاد الأوروبي. ومنذ نشأة الاتحاد الأوروبي، دعا مختلف الرؤساء الذين زاولوا إدارة الولايات المتحدة لمبدأ التكامل بين الدول الأوروبية. كما أكد أوباما مرارًا وتكرارًا على أن الوحدة الأوروبية تعود بالمنفعة على مصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية. وورد في إحدى تصريحاته أثناء زيارة قام بها إلى اليونان في تشرين الثاني/نوفمبر، أن التكامل الأوروبي هو “واحد من الإنجازات السياسية والاقتصادية الكبرى في التاريخ البشري”. وعلى خلاف أوباما، فإنه سيتعين على زعماء الاتحاد الأوروبي عدم انتظار أي تشجيع بهذا الشأن من قبل دونالد ترامب. بل أكثر من ذلك، ينبغي على القادة الأوروبيين أن يكونوا مستعدين ليشهدوا محاولات لترامب للتفرقة فيما بينهم. وبينما يحتفي الاتحاد الأوروبي بالقيم والسياسات الليبرالية مثل حقوق الإنسان واتفاقيات التبادل التجاري، فإن ترامب يروج إلى عكسها تماما. وفي هذا السياق، فإن وحدة أوروبا القوية التي تسعى جاهدة إلى تعزيز هذه القيم الليبرالية على الصعيد العالمي، ستشكل عقبةَ أمام أجندة ترامب السياسية.
 
بالإضافة إلى ذلك، فإن التكامل الأوروبي الذي يتجسد في ما يسمى “بالعولمة”، لعله هو ما يدفع كلا من ترامب والشعبويين إلى الوقوف ضده. إذن فإن مساندة ترامب لمسألة الانسحاب البريطاني قد دفعته إلى دعم حزب أوربان وبقية الأحزاب المشككة الأخرى، وإلى السعي إلى توطيد علاقات مع روسيا،  وذلك من أجل ضرب الوحدة الأوروبية. ووفقا لهذه المعطيات، فإنه يتوجب على الزعماء الأوروبيين توقع الأسوأ من الإدارة الأمريكية القادمة.  ستخوض الوحدة الأوروبية امتحانا صعبا في سنوات عهدة ترامب، ففي ظل الأوضاع المتأزمة التي تواجهها أوروبا تزامنا مع المفاوضات حول  احتمال إعادة إحياء أزمة منطقة اليورو في إيطاليا، وأزمة اللاجئين العالقين في الدول الأوروبية، علاوة على العدوان الروسي على الحدود الشرقية، وصعود الأنظمة الاستبدادية في بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فإنه سيتوجب على  الاتحاد الأوروبي، أيضا التصدي لمخططات الرئيس الأمريكي التي تحرض على تفككه. ومما لا شك فيه فإن ميركل تلعب دورا قياديا هاما في هذا المنحى الجديد الذي ستتخذه أوروبا، لكنها كانت على حق عندما أقرت بأنه “لا يمكن لشخص واحد، حتى لو كان ذو خبرة كبيرة، الأخذ على عاتقه مسؤولية حل جميع المشاكل في العالم”. ستكون الانتخابات الوطنية التي ستجرى في كل من فرنسا وألمانيا وهولندا اختبارا سيثبت مدى قدرة الوسطيين على ترجيح كفة موازين القوى السياسية لصالحهم. إن النصر الذي حققه الرئيس فان دير بيلين في النمسا، وزيادة الدعم الشعبي للاتحاد الأوروبي منذ استفتاء انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد، يبشر بإمكانية صمود الديمقراطيات الليبرالية في أوروبا في وجه الأزمات التي تواجهها. لكن إذا أراد زعماء أوروبا أن يحافظوا على بقاء واستمرارية وحدتهم وأنظمتهم الديمقراطية في عصر الظلمات، ينبغي عليهم أن يمدوا المواطنين برؤية إيجابية لمستقبل المشروع الجماعي والعمل على مضاعفة التزامهم به. قبل كل شيء، يجب عليهم أن يبذلوا مزيدا من الجهد لإنعاش الاقتصاد المتعثر في أوروبا، وتغيير سياسة التقشف والتركيز على تحقيق النمو في مؤشراتهم الاقتصادية.  ينبغي على الدول الأوروبية أن تجد حلولا جذرية لأزمة الهجرة، وتوسع في نطاق المبادرات الأخيرة لتأمين حدود أوروبا الخارجية، مع توفير المزيد من الدعم لتلك الدول التي تتحمل العبء الأكبر بخصوص مسألة إيواء اللاجئين. كما يجب عليهم أن يكثفوا التعاون في مجال الدفاع ليثبتوا للمواطنين مدى فعالية ونجاعة المؤسسات الأوروبية في حمايتهم من التهديدات المشتركة. ويتعين على زعماء الاتحاد الأوروبي أن يقفوا في وجه الشعبويين المشككين في وحدة الاتحاد الأوروبي ويدافعوا عن القيم الديمقراطية التي يقوم عليها الاتحاد.
 
كانت سنة 2015 سنة مروعة لأوروبا بشكل عام وللاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص. فقد استُهلّت هذه السنة بالهجوم الإرهابي ضد مجلة “شارلي إبدو” في باريس وانتهت بالهجوم الإرهابي الأكثر فتكا في نفس المدينة. وخلال السنة، كان على الاتحاد الأوروبي إيجاد حل للأزمة الاقتصادية في اليونان، والتي تهدد منطقة اليورو بأكملها. كما اضطر الاتحاد إلى التعامل مع التدفق الهائل للاجئين القادمين من منطقة الشرق الأوسط وغيرها من المناطق التي مزقتها الحرب. ولم تكن سنة 2016 أفضل من التي سبقتها. فقد هزت القارة الأوروبية مزيدا من الهجمات الإرهابية. لكن في المقابل، خفت وطأة أزمة المهاجرين، وذلك لأن الاتحاد الأوروبي استعان بتركيا، البلد الذي يعاني بحد ذاته من عدم الاستقرار. هذا إضافة إلى أنه للمرة الأولى في تاريخه، خسر الاتحاد الأوروبي أحد أعضائه، المملكة المتحدة، نتيجة للاستفتاء الذي سمي “البريكسيت”.
 
ساعدت كل هذه التطورات على دفع الحركات الشعبوية إلى مركز السياسة الأوروبية. فالتهديد الذي يفرضه الإرهاب وموجة المهاجرين من العالم الإسلامي، إلى جانب الاعتقاد السائد أن الاتحاد الأوروبي لا يمثل عاملا مساعدا، بل يمثل عائقا إذا ما تعلق الأمر بمثل هذه الأزمات، مَثلَ العاصفة المثالية من وجهة نظر الشعبويين، خاصة وأن هذه العاصفة عززت مكانة الشعبويين اليمينيين في عدة دول. والجدير بالذكر أن أهم المستفيدين هو رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي استغل المخاوف العامة لما قد ينجر عن معارضة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ومعارضة اعتقادها أنه على أوروبا أن تعتمد على “ثقافة الترحيب”. وفي الوقت نفسه، ساعدت أزمة منطقة اليورو على صعود الشعبويين اليساريين مكافحي سياسة التقشف في اليونان وإسبانيا. لكن على الرغم من أن التهديدات التي استهدفت الأمن والاستقرار الاقتصادي والتي هزت أوروبا في السنوات القليلة الماضية قد تكون حافزا لمزيد انتشار الشعبوية، لكنها لم تنشئها. فأصل الشعبوية يعود لأبعد من ذلك، تحديدا لفترة التحولات الهيكلية في المجتمع الأوروبي وفي السياسة. وقد بدأت هذه التحولات في ستينات القرن الماضي ولأن المهتمين بالشعبوية المعاصرة عادة ما يغفلون عن جذورها التاريخية العميقة، فإن عديد المراقبين يفشلون في تثمين صمود الشعبوية المعاصرة وصمود الأحزاب المبنية على مبادئها. صحيح أن الشعبويين صارعوا من أجل البقاء في السلطة إذا ما تمكنوا من الوصول إليها. لكن العوامل الاجتماعية والسياسية والاعلامية الموجودة في أوروبا الآن أصبحت في صالح الشعبويين أكثر من أي وقت مضى، خاصة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وبهدف التصدي للمد الشعبوي، على الأحزاب الأوروبية الرئيسية ونُخبها أن تستجيب للتحديات ببراعة أكبر من تلك التي لطالما استخدموها في العقود الأخيرة.  كما هو الحال مع كل كلمة تنتهي بالأحرف “ية”، يجب أن نقوم بتعريف كلمة شعبوية: الشعبوية هي الإيديولوجية التي تقسّم المجتمعات إلى مجموعتين متجانستين وعدائتين: “الشعب النقي” و”النخبة الفاسدة”. وهي أيضا الإيديولوجية التي تعتبر أن السياسة يجب أن تكون تعبيرا عن “الإرادة العامة للشعوب”. ومع وجود استثناءات قليلة، لطالما كان هذا النوع من التفكير مهمشا في السياسات الأوروبية طوال القرن التاسع عشر وخلال القرن العشرين أيضا. ويمكن أيضا أن نجد جوانب شعبوية في الحركات الشيوعية والفاشية، خاصة كونها حركات معارضة. لكن مثل هذه الإيديولوجيات (والأنظمة التي احتضنهم) كانت نخبوية بالأساس. في العقود الأولى في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد إجماع واسع، تم تركيز السياسية الأوروبية الغربية على ثلاث قضايا رئيسية: الانحياز للولايات المتحدة خلال الحرب الباردة، والحاجة إلى مزيد من الوحدة السياسية في القارة، وفوائد الحفاظ على دولة قوة ورفاه.  لم يترك الدعم الواسع والعميق لمثل هذه المواقف أي مجال لأي بدائل إيديولوجية بما في ذلك الشعبوية. لكن هذه الإيديولوجية بدأت في ترك بصماتها في ثمانينات القرن الماضي مع ظهور الأحزاب اليمينية المتطرفة مثل الجبهة الوطنية في فرنسا، والتي برزت على الساحة في أعقاب الهجرة الجماعية وارتفاع معدلات البطالة، متعهدة بالعمل على إعادة فرنسا لأمجادها.
 
أما الآن، يتم تمثيل الأحزاب الشعبوية في برلمانات معظم الدول الأوروبية، وأغلب هذه الأحزاب هي يمينية لكنها ليست كلها متطرفة. وهناك أحزاب يسارية أو أحزاب ذات توجه خصوصي، لذلك يصعب وضعها ضمن مجموعة الأحزاب اليسارية، على سبيل المثال، نذكر “حركة النجوم الخمسة” الإيطالية التي نجحت من خلال مزيج من إيمانها بضرورة حماية البيئة والتصدي للفساد ومعارضة المؤسسات. وتجدر الإشارة إلى أنه في الانتخابات التي أجريت في الخمس سنوات الأخيرة، تحصل حزب شعبوي واحد على الأقل على نسبة 10 في المائة أو أكثر من الأصوات في 16 دولة أوروبية. وبشكل جماعي، سجلت الأحزاب الشعبوية نسبة 16.5 في المائة من الأصوات كمعدل، ووصلت هذه النسبة إلى 65 في المائة في المجر، لكنها لم تتعدى 1 في المائة في لوكسمبورج. ويسيطر الشعبويين على أكبر حصة من المقاعد البرلمانية في ستة بلدان هي: اليونان، والمجر، وإيطاليا، وبولندا، وسلوفاكيا، وسويسرا. وفي ثلاثة من هذه (المجر، إيطاليا، وسلوفاكيا)، اكتسبت الأحزاب الشعبوية مجتمعة أغلبية الأصوات في الانتخابات الوطنية الأخيرة، على الرغم من أن الأحزاب الشعبوية الرئيسية في المجر وإيطاليا كانوا خصوما في الانتخابات. لكن الوضع في المجر هو الأكثر لفتا للانتباه، حيث أن الحزب الحاكم (فيدس) وأكبر الأحزاب المعارضة (جوبيك) هي أحزاب شعبوية. وأخيرا، فإنه في كل من فينلندا وليثوانيا والنرويج، تعدّ الأحزاب الشعبوية جزءا من الائتلاف الحاكم.
 
تؤكد معظم التفسيرات التقليدية لهذا الاتجاه على أهمية عاملين اثنين هما: العولمة والأزمات الاقتصادية في أوروبا التي نتجت عن الأزمة المالية لسنة 2008. لكن التيار الشعبوي الحالي هو جزء من قصة طويلة ومتجذرة في فترة ما بعد الثورة الصناعية، والتي أدت إلى تغييرات أساسية في المجتمعات الأوروبية في الستينات. خلال تلك السنوات، أدى تراجع الصناعة والتراجع الحاد في ممارسة الشعائر الدينية إلى ضعف الدعم الذي كانت تتمتع به أحزاب وسط اليسار ووسط اليمين، والتي لطالما كانت تعتمد على الطبقة العاملة والناخبين المتدينين. وخلال الخمسة والعشرين سنة التي تلت تلك الفترة، شهدت أوروبا إعادة هيكلة تدريجية لسياستها، وبذلك، تخلى الناخبون عن دعمهم للأحزاب القديمة التي أصبحت غير إيديولوجية، أو كما كانت تصفها الأحزاب الجديدة: “ذات إيديولوجيات ضيقة نسبيا”. وفي وقت لاحق، خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين، تجمعت الأحزاب الأوروبية الرئيسية حول توافق على أجندة مشتركة جديدة تدعو إلى التوحد، وإلى إرساء مجتمعات متعددة الأعراق. كما دعت إلى إصلاحات اقتصادية ليبرالية جديدة.
 
تبني سياسة “أوروبا كقارة عالمية لكل الأجناس” وكقارة ذات حكم تكنوقراطي كانت في الأصل فكرة الأحزاب التي كانت تتبنى فكرة الديمقراطية الاجتماعية، وكثير منها مستوحاة من المفهوم الذي طرحه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير والذي يتعلق بحزب العمال الجديد والمفهوم الذي طرحة المستشار الألماني غيرهارد شرودر المتعلق “بالمركز الجديد”. أما الأحزاب اليمينية الوسطية التقليدية، فقد تجردت من هوياتها التاريخية مع تبني قادة مثل ميركل وديفيد كاميرون نهجا أكثر وسطية وواقعية فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والثقافية.  خلق هذا التقارب أرضا خصبة للشعبوية، حيث بدأ الناخبين في رؤية التشابه بين النخب السياسية بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية. وبالنسبة للعديد من الأوروبيين، يبدو أن النخب السائدة في كل الأحزاب تتشارك عجزا لا مفر منه، وذلك لاثنين من التحولات التي وقعت في النصف الثاني من القرن العشرين: من الحكومات الوطنية إلى الكيانات الدولية، مثل الاتحاد الأوروبي أو صندوق النقد الدولي، ومن المسؤولين المنتخبين ديمقراطيا إلى المسؤولين الغير منتخبين، مثل مسؤولي البنوك المركزية والقضاة. في العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لم تعد القضايا الحيوية مثل مراقبة الحدود والسياسة النقدية مسؤولية حصرية للحكومة الوطنية، الأمر الذي أدى إلى ظهور ما يعرف “بسياسة تينا” وهو اختصار لعبارة “لا يوجد بديل”، وهي العبارة التي عادة ما تستخدمها النخب السياسية كحجة ليثبتوا أن مسؤوليتهم في الاتحاد الأوروبي أو صندوق النقد الدولي تفوق واجبهم الذي يتعلق بالاستجابة لمطالب الناخبين.
 
وفي الوقت نفسه، فإن ظهور الانترنت أنتج ناخبين مهتمين أكثر بالنقاشات السياسية وناخبين أكثر استقلالية في التفكير (ليسوا بالضرورة أكثر اطلاعا)، الأمر الذي جعلهم يتوجهون لمزيد من النقد دون احترام للنخب التقليدية. وعلى وجه الخصوص، أصبح الناخبون على بيّنة من حقيقة أن المسؤولين المنتخبين غالبا ما يلقون باللوم على عوامل خارجة عن نطاقهم (كالاتحاد الأوروبي أو العولمة أو سياسات الولايات المتحدة) كسبب لسياساتهم التي لا تلقى استحسان الشعوب، لكنهم عادة ما يتباهون بالسياسات التي أُثبتت نجاعتها. هذا بالاضافة إلى أن الانترنت جعلت مهمة وسائل الاعلام في حراسة البوابات الإعلامية أمرا صعبا. وبذلك، أصبحت الخطابات الشعبوية، التي تحتوي على نفحة من الإثارة والاستفزاز، أمرا جذابا خاصة بالنسبة للمؤسسات الإعلامية. كما فتحت هذه التحولات الخفية والعميقة المجال لانطلاق الشرارة التي سببت الأزمة المالية العالمية والصراعات في الشرق الأوسط وتعزيز نمو الشعبوية.
 
كان لانتشار الشعبوية عدة عواقب مهمة بالنسبة لوضعية الديمقراطية الليبيرالية في أوروبا، على الرغم من أن الشعبوية ليست بالضرورة معادية للديمقراطية، لكنها ليست ليبيرالية، خاصة فيها يتعلق بتجاهلهما لحقوق الأقليات ولسيادة القانون. وعلاوة على ذلك، وكما يبينه الحال في المجر، فإن الشعبوية ليست مجرد استراتيجية حملة أو نمط من التعبئة السياسية. فمنذ سنة 2010، بدأ فيكتور أوربان في تنفيذ ما صرّح به سنة 2004 خلال خطاب له “محاولة جعل المجر دولة جديدة غير ليبيرالية تقوم على أسس وطنية”. وبذلك، قامت الحكومة عمدا بتهميش قوى المعارضة من خلال إضعاف مؤسسات الدولة الحالية (بما في ذلك المحاكم)، وإنشاء هياكل حكومية تتمتع بحكم ذاتي. وعلى الرغم من أن الوضع في المجر يعتبر استثنائيا، فإن نجاح أوربان ألهم وشجع عددا كبيرا من اليمينيين الشعبويين في الاتحاد الأوروبي، مثل مارين لوبان في فرنسا وياروسلاف كاتشينسكي في بولندا. وتجدر الإشارة إلى أن صعود التيار الشعبوي الليبيرالي لم يلق معارضة شديدة من الأحزاب السائدة التي فضلت البعض منها عدم التعليق بينما أشادت أحزاب أخرى بهذا التوجه.
 
في الحقيقة، لا يمكن مقارنة نجاح الشعبويين اليمينيين بنظرائهم اليساريين. ففي اليونان وتحديدا سنة 2015، كانت لمحاولات ائتلاف اليسار المتطرف لتحدي الاتحاد الأوروبي وفرض سياسات التقشف تنائج عكسية، واضطر رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس في نهاية المطاف إلى قبول سياسات التقشف والإصلاحات الهيكلية التي كان يحاول تجنبها ومنعها. ومنذ ذلك الوقت، لم يحاول أي حزب شعبوي يساري النجاح على المستوى الوطني باستثناء حزب “بوديموس” (نقدر) في إسبانيا. وعلى الرغم من أن اليساريين الشعبويين عادة ما ينتهجون سياسات أقل إقصائية من نظرائهم اليمينيين، إلا أن الاستقطاب السياسي في اليونان تزايد بشكل ملحوظ منذ دخول ائتلاف اليسار المتطرف السلطة في كانون التاني/يناير من سنة 2015. والجدير بالذكر أن العديد من المعارضين للحكومة يشعرون أنهم غير مرحب بهم خاصة من خلال الخطاب الرسمي للحكومة الذي يصفهم بأنهم أعضاء في “الطابور الخامس”. وكان تسيبراس قد اقترح العديد من القوانين التي يمكن أن تحد من إمكانيات المعارضة من خلال سيطرة الحكومة على التعليم وعلى وسائل الإعلام. وحتى في الدول التي لا يوجد فيها حكومات شعبوية، فإن الشعبوية تعتبر روح العصر. وفي كثير من الحالات، قام الشعبويون بوضع جداول أعمال وأصبحوا من المسيطرين على النقاش العام، وذلك وسط صمت تام تقريبا للأحزاب الأخرى التي قد تعتمد في بعض الأحيان عناصر من الخطاب الشعبوي الذي عادة ما يحتوي على عبارات تشير إلى “الشعب” وإدانات “للنخب”.
 
يؤكد عدد كبير من العلماء أن الشعبوية هي ظاهرة عرضية، وأنه على الرغم من تولي الشعبويين السلطة إلا أنهم لطالما فشلوا بعد توليهم إياها، وذلك باستثناء أوربان الذي تولى السلطة منذ ستة سنوات ولازال قائدا للحزب الأكثر شعبية في المجر. وتجدر الإشارة إلى أن سلوفاكيا تشهد انتشارا واسعا للشعبوية التي أصبحت تسيطر على السياسية منذ سقوط الشيوعية. وفي الوقت نفسه، تستعد النمسا لتصبح أول دولة أوروبية في فترة ما بعد الحرب تنتخب رئيسا شيوعيا يمينيا وهو نوربرت هوفر من الحزب الحر. وقد تصدر هوفر كل استطلاعات الرأي إلى حد الآن. أنتجت تغييرات هيكلية عميقة في المجتمعات الأوروبية موجة الشعبوية الحالية. ومن غير المرجح أن يكون لهذه التغييرات أية تنائج عكسية، لذلك، فإنه لا يوجد أي سبب يجعلنا نتوقع تلاشي الشعبوية في المستقبل القريب. علاوة على ذلك، فإن الأحزاب الشعبوية ما تنفك تنمو، في الوقت الذي أصبحت فيه أحزاب أخرى دون جدوى. وعلى الأحزاب الأخرى أن تعتمد استراتيجيات قصيرة وطويلة المدى للتعامل مع الواقع الجديد الذي فرض انقسامات داخلها. هذا بالإضافة إلى أنه أصبح من الصعب توقع استمرار حكومات الائتلاف مثل تلك القائمة في بلجيكيا والتي تسعى إلى استبعاد الأحزاب الشعبوية. تجبر الحكومات في العديد من الدول التي تمثل فيها الأحزاب الشعبوية ثاني أو ثالث أكبر حزب، كل الأحزاب على أن تحكم معا، الأمر الذي يؤدّي إلى ظهور العديد من العوامل التي أدت إلى صعود الشعبوية الأوروبية. وفي الوقت نفسه، فإنه سيصبح من الصعب أن تحكم الأحزاب غير الشعبوية جنبا إلى جنب مع الأحزاب الشعبوية.
 
في السنوات الأخيرة، أبدت الأحزاب الشعبوية استعدادها للعمل كشركاء صغار في التحالفات الحكومية. لكن هذه الأحزاب أصبحت أكبر بكثير من شركائهم المحتملين. ومع ذلك، فإن الأحزاب الشعبوية تخضع لنفس القوانين السياسية الأساسية التي تعيق منافسيها. فبمجرد وصولهم إلى السلطة، عليهم أن يختاروا بين الاستجابة والمسؤولية، بين فعل ما يريده ناخبوهم وما يفرضه الواقع الاقتصادي وما تمليه مؤسسات الاتحاد الأوروبي. لكن أوربان على سبيل المثال أثبت أنه ناجح في القيام بكل هذه المهام في الوقت ذاته. لكن تسيبراس تعلم التعامل مع ضغوط المسؤولية وعانى أيضا من انخفاض كبير في شعبيته. هذه المعضلة التي يواجهها الشعبويون تقدم فرصا للأحزاب الليبيرالية الأخرى، سواء كانت جديدة أو قديمة، لكن عليهم أن لا يهاجموا الرؤية الشعبية وأن يوفروا بدائل واضحة ومتماسكة. ويبدو أن بعض الشخصيات العامة قد فهموا هذا الأمر. على سبيل المثال، قدم آلان جوبي، المترشح للانتخابات الفرنسية، نفسه على أنه “نبي السعادة”، وقدم رؤية إيجابية لبلد أكثر تجانسا، وذلك على عكس صورة الخوف والسلبية التي قدمها منافسه الجمهوري نيكولا ساركوزي والشعبوية اليمينية قائدة الجبهة الوطنية مارين لونان التي قدمت خطابا يدعو للانقسام. أما في ألمانيا، فقد تجنبت ميركل ردة فعل عنيفة من القوى الشعبوية، على الرغم من الإحباط الكبير والنكسة داخل وخارج حزبها، وذلك من خلال الاعتراف بالعضب الشعبي. بينما تمسكت ميركل بأجندة سياسية واضحة ورسالة إيجابية “بإمكاننا أن نفعل هذا”. باختصار، فإن صعود الشعبوية هي استجابة ديمقراطية غير ليبيرالية لعقود من السياسات الليبرالية غير الديمقراطية. لوقف المد الشعبوي، على السياسيين الاستجابة للنداءات التي تدعو إلى إعادة تسييس القضايا الحاسمة في القرن الحادي والعشرون، مثل الهجرة والاقتصاد الليبرالي الجديد، والوحدة الأوروبية، وإعادة هذه القضايا إلى العالم الانتخابي وتقديم بدائل متماسكة للعروض التي يقدمها الشعبويين والتي عادة ما تكون قصيرة النظر.
 
           تعتير الجالية المغربية في هولندا ثالث اكبر جالية مسلمة بعد الجاليتين الاندونيسية والتركية من حيث العدد حيث يقدر عدد سكانها بحوالي (330 ألف نسمة). وفي نظره يعود تاريخ قدومها إلى هذا البلد إلى ستينيات القرن العشرين، حيث استقدمت الحكومة الهولندية إبان فترة الطفرة الاقتصادية الكبيرة في البلد أعدادا كبيرة من المغاربة والأتراك للعمل في مجالات الصناعة والفلاحة. وكان هؤلاء نواة هاتين الجاليتين الكبيرتين. وهذا لا يلغي حالة كون الجالية المغربية تعتبر منجما للعديد من أوجه الإبداع الرياضية والفنية والحرفية والسياسية وغيرها   ، ففي مجال الرياضة يوجد عشرات اللاعبين من أصول مغربية بارزين في أندية الدرجة الممتازة ومثلهم في الدرجة الأولى ومختلف الألعاب وبعضهم يمثلون المنتخبات الهولندية. كما نالت إحدى المغربيات لقب ملكة جمال هولندا لتمثل البلد في المسابقة العالمية. ويوجد في هولندا العديد من الفنانين الذين فرضوا أنفسهم في مختلف مجالات الفن من سينما إلى مسرح إلى تلفزيون وغيرها من الفنون. وفي مجال الأدب نال المغربي عبد القادر بن علي عام 2004 ارفع جائزة أدبية وهي جائزة ليبريس، السنوية التي تبلغ قيمتها المادية 50 2ألف يورو، وتمنح كقيمة أدبية لأفضل عمل روائي هولندي وغيره من فاز بجوائز عديدة للإبداع. كل هؤلاء من المغاربة عربا وامازيغ. وبالنسبه الى المجتمع المدني في هولندا هتاك جمعيات خاصة بالمغاربة من أصول امازيغية وأخرى عربية، ودينية بحثة وأخرى علمانية بحثة وهناك ما هو وسط بينهما. وكل من هؤلاء له رسالته. ولكن العامل المشترك بينهم هو السعي إلى الحفاظ على الهوية الثقافية المغربية بصورة عامة بشتى توجهاتها سواء دينية كانت أو اثنية. وحال عمل تلك الجمعيات لا يختلف عن حال كل الجمعيات المماثلة التي تتبع الأقليات الأخرى، ومنها العراقية على سبيل المقارنة، تجد أن الجمعيات الثقافية تتوزع حسب تشظي الحالة العراقية أو لنقل تنوعها بتعبير اقل تحاملا، حيث تنقسم إلى خلفيات اثنية (عربية، كوردية، توركمانية، ارمنية..الخ) ودينية (مسلمة، مسيحية، صابئية، ايزيدية …الخ)، ومذهبية (سنية، شيعية، كاثوليكية، بروتستانتية …الخ).  أن الاختلاف حول ازدواجية الجنسية وجه آخر من أوجه التصارع والتصادم بين الحكومة والمعارضة الهولنديتين، بين التيارات المتسامحة المنفتحة التي تقر بمجتمع المغايرة الثقافية وما ينطوي عليه، وبين التيارات اليمينية التي صعد بعضها إلى البرلمان والتي تضرب على وتر الخوف من (الآخر المتطرف)، ويشيرون إلى المسلمين بالطبع. وقد سادت هذه الحملة مع بزوغ نجم اليمين المتطرف.
 
عرف عن الإمام المعين (علي داوودي)، وهو مغربي الأصل   الاراء  راديكالية ومتطرفة وقد ترافق تعيينه مع تعيين واعظة في الجيش الهولندي أيضا وهي سعاد عايدين وهي مغربية أيضا،  الاعتراض اقتصر على داوودي. حيث سبق وانتقد موقف الحكومة الهولندية بإشراك قوات عسكرية منها في أفغانستان، إلى جانب نقده المستمر للغرب فيما يصفه بتدخل الغرب في شؤون العالم الإسلامي. كذلك فإن المواقف المتخذة ضد هذا الإمام متأتية كرد فعل في ظاهرها نتيجة لما كتبه في مقال سابق عام 2007 امتدح فيه أعضاء حركة طالبان واصفا إياهم بأنهم “مجاهدون ومناضلون ..الخ”. وأن الغرب (المسيحي) في حالة حرب مع الإسلام. وهذه تعميمات لا يقبلها أغلبية أبناء تلك البلدان مثلما نرفضها نحن كمسلمين بالتأكيد. نرفض أن تعمم الإساءات بحقنا مهما كانت. ولكن بغض النظر عن صحة ما ذهب إليه من أثار القضية من أعضاء البرلمان الهولندي، فإن هناك موقفا متطرفا من قبل قوى يمينية ممثلة في البرلمان الهولندي، تقف بالمرصاد لأي انفتاح تجاه المسلمين وإعطائهم دورا متميزا إلى حد كبير. خاصة إذا ما علمنا أن احد أفراد تلك الجبهة على سبيل المثال هو خيرت فيلدرز، الذي اشتهر بإنتاج فيلم (فتنة) الذي يعتبر بحد ذاته إساءة كبيرة للإسلام.  هي وجه آخر من أوجه التصارع والتصادم بين الحكومة والمعارضة، بين التيارات المتسامحة المنفتحة التي تقر بمجتمع المغايرة الثقافية وما ينطوي عليه، وبين التيارات اليمينية التي صعد بعضها إلى البرلمان والتي تضرب على وتر الخوف من (الآخر المتطرف)، ويشيرون إلى المسلمين بالطبع.  قد سادت هذه الحملة مع بزوغ نجم اليمين المتطرف بيم فورتاين الذي اغتاله شاب هولندي عام 2002، فورتاين كان قد حاز مع حزبه على عدد جيد من المقاعد في البرلمان، وكما تلاحظ فإن فترة صعود نجمه جاءت بعد أحداث سبتمبر 2001 التي نالت من الولايات المتحدة الأميركية. وعودة إلى سؤالكم المتعلق بازدواجية الجنسية، فإن هذه الأزمة نشبت بعيد اختيار التشكيلة الحكومية عام 2007، التي ضمت كل من احمد بوطالب (مغربي الأصل) كاتب دولة للشؤون الاجتماعية، وبيرق نبهات (تركية الأصل) كاتبة دولة للشؤون القانونية. وكلا الشخصين يحملان جنسيتي بلديهما بالإضافة إلى الجنسية الهولندية. وقد أثار تيار المعارضة في البرلمان هذه القضية في وجه الحكومة وأصبح الأمر مثار جدل في الشارع الهولندي أيضا بالإضافة إلى وسائل الإعلام طبعا. الأصل في الموضوع أن لايحمل المسؤول بنظر جبهة ال(ضد) جنسية أخرى غير الهولندية، في حين أن الآخرين يرون أن لاضير في ازدواج الجنسية، طالما توفر شرط الولاء لهولندا وفي ظل وجود قوانين خاصة بالبلدان الأخرى كالمغرب الذي يعتبر أبناءه مواطنين وان تخلوا عن جنسيتهم الأصلية. قضية الحجاب لم تكن أقل درجة من قضية ازدواجية الجنسية، بحيث كانت مطروحة للتداول منذ القرن الماضي خارج هولندا على الخصوص وأخيرا منع ارتداؤه في المدارس. لقد برزت القضية إلى السطح عام 2005 حينما تقدم عضو البرلمان الهولندي خيرت فيلدرز (يميني متطرف يقود حزب الحرية) الذي اشرنا إليه سابقا، باقتراح يقضي بمنع النقاب (الحجاب الكلي الذي يظهر العينين فقط)، والمنع يكون شاملا الأماكن العامة والمؤسسات في البلد. وقد لقي ترحيبا من أوساط كثيرة. وبغض النظر عن موقفنا من هذا المتطرف ومقترحه، إلا أن هناك الكثير من المسلمين أنفسهم من يتفق مع هذا المقترح حتى في العالم الإسلامي، حيث يرون أن هذا النوع من الحجاب هو تعبير عن تقاليد اجتماعية لبعض الشعوب، وليس تفسيرا تطبيقيا ل”نظرية الحجاب” في الإسلام. ولكن خطورة الأمر في أن يصبح تعميما عدائيا لكل أنواع الحجاب الإسلامي، ولكل مسلمة متحجبة. وهو ما حصل من قبل بعض مديري المؤسسات منها تربوية في منع طالبات أو موظفات مسلمات يرتدين الحجاب من دخول المؤسسة أو أن يعتبر مبعثا على التمييز العنصري وموقفا مسبقا ضد المسلمات. إن بعض دعاة محاربة الحجاب يبررون ذلك بانه يعتبر عائقا في أمور حياتية مثل ممارسة الرياضة وقيادة السيارة وعائقا أمام الاندماج الاجتماعي في المجتمع. وهذا ليس بالضرورة صحيحا. هناك مخاوف من بعض الجهات والأفراد أن أعداد المسلمين في تزايد مضطرد يماثله تناقص في أعداد المواطنين الأصليين خاصة، وهذا يعني أن المعادلة الديموغرافية (السكانية) سوف تنقلب لصالح المسلمين حيث سيشكلون أغلبية على الأرجح في النصف الثاني من القرن الحالي، أضف إلى ذلك أن هناك مخاوف بعضها مبرر من ممارسات وأهداف بعض الشبكات التي يصنفها بعض المسلمين أنفسهم على أنها إرهابية. هذه الممارسات تعتبر عدائية وخطيرة تهدد امن وسلم المجتمع برمته من خلال تكفير المجتمع عامة ورفض الاختلاف والمغايرة واعتبار (أننا) في حالة حرب مع الآخر الذي تصنفه على أساس ديني مسيحي مثلا، رغم أن أغلبية سكان دول أوربا الغربية الآن حسب إحصاءات دقيقة هم غير متدينين. كما أن هناك دواع أخرى للتحذيرات التي أشرتم لها، منها أن العديد من أبناء المهاجرين عامة والمسلمين خاصة هم عاطلون عن العمل ويعيشون على الإعانات الاجتماعية وهذا يعني أنهم عالة على المجتمع يضاف ذلك إلى صعوبة اندماج أغلبيتهم من خلال طابع العزلة أو شبه العزلة الذي يعيشونه.  هذين المصطلحين قصدت بهما توصيف نوعين من مطالب الاندماج الاجتماعي الذي يطرح في الغرب تجاه المهاجرين، فالأول “مجتمع سلطة الخضار” يقصد به خلطة من مجموعة مكونات تحتفظ كل منها بلونها وطعمها ونكهتها وتتعايش مع بعضها لتعطي منظرا جميلا ومذاقا طيبا وفوائد متعددة. وهذا مطلب المتسامحين من أبناء البلدان الغربية عامة وكذلك مطلب المهاجرين بالطبع. في حين أن المطلب الثاني “مجتمع السوب” هو مطلب التيارات المتطرفة التي ترفض حق الآخر بالاحتفاظ بخصوصيته الثقافية، وتريد أن ينصهر أبناء الأقليات المهاجرة في بلد المهجر ليكونوا كخلطة “السوب أو الحساء أو الشوربة” حيث تفقد مكوناتها خصائصا من لون وطعم ونكهة فردية لتعطي بالإجمال لونا وطعما ونكهة واحدة.
 
غير ان أسوأ ما يمكن أن يصيب الديمقراطيات الليبرالية الغربية أن تتبخر الحواجز تدريجيًا بين يمين ويسار الوسط، فتنحرف التكتلات السياسية، لتكون على أساس الدين والهوية والقيم، بدلًا من أن تتركز على الأيديولوجيا كمناطٍ للتباين. هذا بالضبط ما وقعت فيه السياسة الهولندية، لتنتظر مصيرًا سوداويًا؛ وليس أسوأ من أن يفوز اليمين المتطرف بأغلبية الانتخابات البرلمانية في واحدة من دول التأسيس الأوروبية الـ6 «فرنسا، وهولندا، وبلجيكا، ولوكسمبورج، وإيطاليا، وألمانيا»، وقد فازت لوبان 10 مليون ناخب رغم هزميتها امام لكرون  .  فمنذ عام 2002 وحتى عام 2012، لم تتم أي من الحكومات الهولندية فترتها (الـ4 سنوات) كاملةً، فشهدت البلاد 5 انتخابات برلمانية، ويُعزا هذا بالطبع للتحالفات الهشة التي تخرج من رحم هذه الانتخابات، حتى كانت انتخابات 2012، واستطاع حزب الشعب للحرية والديمقراطية (VVD) الواقع على يمين الوسط، التصدر بحيازته 40 مقعدًا من أصل 150 مقعدًا، هي كامل عدد المقاعد، يليه مباشرةً حزب العمل (PvdA)، ممثلًا ليسار الوسط، بـ35 مقعدًا، ليعقد زعيم الحزب اليميني الأول، مارك روته تحالفًا براجماتيًا متخطيًا لحاجز الأيديولوجيا مع نظيره زعيم حزب العمل، لودافايك أشر، مطيحًا بحزب النداء الديمقراطي المسيحي (CDA) الحاصل على المركز الرابع بـ13 مقعدًا.  الأمر الذي سهل لمقاعد المعارضة أن تُشغل، بخامس الأحزاب على قوائم النتائج، حزب الحرية وزعيمه اليميني المتطرف خيرت فيلدرز، وفي ظل مستنقع المشكلات التي تورطت فيه أوروبا مؤخرًا ليس أسهل من الجلوس على مقاعد المعارضة.  الجهاديون والمتطرفون العرب على أبواب هولندا، يريدون غزوها وسياقة شعبها بسلاح الإرهاب؛ هكذا تكون الصورة عندما يتحدث فيلدرز عن المهاجرين. رجلٌ شعبويٌ دخل السياسة من باب العداء للمهاجرين، والمؤسسية الأوروبية، معلنًا رغبته في الانعزال عن التكتل الأوروبي، وهو متزوجٌ من مجرية، أُدين بإدلائه بتصريحات عنصرية تجاه المغاربة، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، حتى هاجم القضاة ناعتًا إياهم بـ«كارهي حزب الحرية»، ومتهمًا البرلمان الهولندي – الذي هو أحد أعضائه – بالبرلمان الوهمي. ولا يتورع فيلدرز عن نعته للجالية المغربية بـ«الحثالة»، بقوله: «هناك الكثير من حثالة المغاربة في هولندا، وهم الذين يجعلون شوارعها غير آمنة»، وجدير بالذكر أن الجالية المغاربية هي الأكبر في هولندا من غير الأوروبيين، وقد بلغ تعدادها 167.000 طبقًا لإحصاءات عام 2011.
 
لم يقتصر حد التشابه بين فيلدرز وترامب عند كونهما شعبويين معارضين للمؤسسية ولهذا العالم الذي انتهجته حقبة ما بعد الحرب الباردة، وكرههم المبالغ فيه تجاه المهاجرين والمسلمين والعرب، حتى تشابها في قربهما من مواقع التواصل الاجتماعي، وابتعداهما أو كرههما للمؤسسات الصحفية التقليدية. فحساب فيلدرز على تويتر حيويٌ بالتصريحات السياسية، المعبرة عن سياساته العدائية الخالصة، فكلاهما يؤمن بأن ما يمكن لتغريدة على موقع تويتر فعله أكثر بكثير من تتبع القنوات الفضائية والصحف المُسيسة. وكانت عنصرية فيلدرز قد جلبت عليه الكثير من الهجوم، وحاولت بعض جماعات المهاجرين اغتياله، والتخلص منه، وهو ما يجعل ظهوره في الإعلام وعلى منصات الدعاية أمرًا استثنائيًا، حتى نشرت «ذا فاينانشيال تايمز» الأمريكية تقريرًا تتحدث فيه عن القبض على واحد من أفراد الشرطة الموكلين بحماية فيلدرز بتهمة تسريب معلومات بشأن تحركاته، وأشارت التحقيقات إلى أن الشخص محل الشك/ الاتهام ينحدر من أصول مغربية.  وكما هو واضحٌ في تصريحاته، التي يطلقها تباعًا وبإفراط شديد على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن فيلدرز من المتوقع أن ينتهك حقوق الإنسان إذا ما تولى الحكومة، الأمر الذي يبدو صعب الحدوث، كما سنُبين لاحقًا. ويؤكد موريس دي هوند، خبير استطلاعات الرأي الأبرز في هولندا، على أن مؤيدي فيلدرز يحبون ما يقوله، ولا يشغلون أنفسهم بتفاصيله.
 
وبعد ان صُنّف فوز ترامب بمنصب الرئاسة الأمريكية ضمن الأحداث المفاجئة، لن يكون ظفر زعيم حزب الحريات المتطرف في هولندا، غريت فيلدرز، بمنصب رئاسة الوزراء في الانتخابات التي ستجري في 15 مارس المقبل، حدثاً مفاجئاً، لا سيما أنّ استطلاعات الرأي والتوقعات تشير إلى تقدّمه على منافسيه.  وتشير آخر استطلاعات الرأي في هولندا إلى احتمال فوز حزب الحريات بزعامة فيلدرز المعروف بعدائه للإسلام والمهاجرين، بـ 35 مقعداً برلمانيا على الأقل من أصل 150، وبالتالي تصدره بقية الأحزاب السياسية المنافسة. وفي هذه الأونة يتابع مسلمو هولندا والعديد من الأكاديميين والمحللين السياسيين، ما ستؤول إليه الأمور في البلاد في حال فاز فيلدرز بمنصب رئاسة الوزراء، ويبدون توقعاتهم حول التغييرات التي ستحصل في البلاد عقب الانتخابات البرلمانية المقبلة. وللاطلاع على حالة الغموض والتهديدات التي تنتظر هولندا عقب انتخابات 15 مارس المقبل، لا بد من التعرف أولاً على الأجواء العامة في البلاد، وأفكار حزب الحريات الذي يتعاظم بقيادة فيلدرز، وما الذي يهدف إليه هذا الحزب وممّن يتكون وماهي أيديولوجيتهم. يتبنّى الهولنديون سياسة تستند إلى ثقافة التوافق، وثقافة التوافق لدى هذا الشعب تتجلى في الحكومات الائتلافية التي تحكم البلاد منذ الحرب العالمية الثانية.  ومنذ عام 2012، تقوم الحكومة الهولندية المكونة من تحالف حزبي العمل (PvdA) والليبرالي (VVD) على إدارة شؤون البلاد، وقبلها كان الحزب المسيحي الديمقراطي الهولندي شريكاً في أساسياً في عدد من الحكومات الائتلافية.
 
وبينما تواجد الحزب الليبرالي في كافة الحكومات الائتلافية في هولندا، تراجعت نسبة الحزب المسيحي الديمقراطي وحزب العمال بين فترة وأخرى، وتوجهت فئة من أنصار هذين الحزبين إلى صفوف الأحزاب اليمينية المتطرفة. وباتت ثقافة التوافق والحكومات الائتلافية في هولندا مضرباً مثل للعديد من الدول المختلفة، غير أنّ هذه الحكومات لم تقم بإصلاحات داخلية، وظلت بعيدة عن المشاكل الدولية ولم ترفع صوتها في المحافل الدولية، وبالتالي باتت عبارة عن حكومات روتينية ومملّة بالنسبة للشعب الهولندي. وبسبب ما ذُكر آنفاً فإنّ الشعب الهولندي بدأ في الفترة الأخيرة بالبحث عن البدائل، ويبدوا أن الشعب وجد ضالته هذه المرة في حزب الحريات اليميني المتطرف بزعامة فيلدز.
 
بدأ فيلدرز مسيرته السياسية في عام 1997 عندما اختير كعضو في مجلس بلدية أوتريتش عن الحزب الليبرالي، وبعد عام واحد استطاع فيلدرز دخول البرلمان الهوندي كنائب عن صفوف الحزب نفسه، وبعد أن عاض أفكار حزبه، لمدة 6 سنوات، قرر في 3 أيلول عام 2004، الانشقاق عن صفوف الحزب الليبرالي، وأنشأ كتلته بمفرده وأطلق عليها اسم “كتلة فيلدرز”. ومنذ ذلك الحين بات فيلدرز لاعباً أساسياً في النقاشات التي تدور داخل الأوساط السياسية والاجتماعية بهولندا. وخلال تواجده داخل الحزب الليبرالي سعى فيلدز وزميله غريت جان أوبلات إلى توجيه أيديولوجية الحزب باتجاه اليمين والتطرف، وأصدروا بيانا من 10 نقاط تشجع على التطرف. ولدى التدقيق في بنود البيان يظهر بأنّ فيلدرز وزميله يدعوان إلى طرد المسلمين المتشددين من البلاد، والحكم بالمؤبد لمن يتركب 3 جرائم، وتخفيض المبالغ المخصصة للتنمية إلى النصف، والامتناع عن الدخول في تحالفات مع الاحزاب اليسارية، وأخيراً عدم التفكير في ضمّ تركيا إلى الاتحاد الاوروبي.
 
أعلن فيلدرز في عام 2005، عن تأسيس حزب الحريات، بعد أن أصدر بيانا مكوناً من 19 صفحة أطلق عليه اسم “بيان الاستقلال، وفي هذا البيان عرّف فيلدرز بأن ليس قوميا، إنما محب لهولندا، وتعمّد فيلدرز إطلاق هذه التسمية على نفسة ليتجنب الانتقادات التي ستوجه إليه في حال إعلانه اليمينية والتطرف بشكل علني، ولكي يتفادى تشبيهه بالنازية الألمانية. وفي أول انتخاب خاضه الحزب في عام 2006، حصل على 6 بالمئة من أصوات الناخبين واستطاع حجز 9 مقاعد في البرلمان الهولندي، فيما تمكن فيلدرز رفع نسبة أصوات حزبه 150 بالمئة في الانتخابات التالية، وتجازوت نسبة الحزب 15 بالمئة. وبهذه النتيجة استطاع حزب الحريات من التفوق على الحزب المسيحي الديمقراطي، وبات قريباً من حزب العمال، وبمنظور آخر، استطاع فيلدرز أن يجعل من حزبه منافساً للأحزاب السياسية الكبرى في البلاد.
 
من هم أنصار حزب الحريات في هولندا؟ للإجابة على هذا السؤال يكفينا تمحيص نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2010، ليتضح لنا بأنّ الحزب المسيحي الديمقراطي هو أكثر حزب سياسي فقد ناخبيه، فقد تراجعت نسبة هذا الحزب من 26.6 بالمئة إلى 13.6 بالمئة، كما تراجعت نسية الحزب الشيوعي أيضاً في تلك الانتخابات. ورغم أنّ حزب العمال لم يفقد الكثير من ناخبيه، إلّا أنه يندرج أيضاً بين الأحزاب التي تراجعت في انتخابات 2010، وبالمحصلة فإنّ نتائج تلك الانتخابات تظهر بما لا يدع مجالاً للشك بأنّ كافة الأحزاب السياسية خسرت بالتزامن مع سطوع شمس حزب الحريات الذي نال أصوات كثيرة من أنصار الحزب المسيحي الديمقراطي. وفي انتخابات عام 2012، حقق الحزب الليبرالي مفاجئة بتصدره الأحزاب السياسية التي خاضت الانتخابات، وفاز حينها بـ 41 مقعداً برلمانياً، وحل حزب العمال ثانياً بـ 38 مقعداً، وعقدا تحالفاً شكلا من خلاله الحكومة الهولندية الحالية.  وتتوقع الأوساط السياسية والإعلامية في هولندا بأنّ يكون حزب الحريات الذي يمتلك 15 مقعداً برلمانيا حالياً، الحزب الأول في الانتخابات البرلمانية المقبلة التي ستجري في مارس القادم.
 
يدخل فيلدرز معركة الانتخابات البرلمانية المقبلة ببيان قصيرة يتمثل في صفحة واحدة، يتضمن لائحة مكونة من 11 مادة.  ويقول فيلدرز في الجملة الأولى من بيانه الانتخابي أنّ ملايين الهولنديين يشتكون من موجة الأسلمة المنتشرة في البلاد، ووعد في الجملة الثانية بأنّ الميزانية المخصصة للمهاجرين المقيمين في هولندا لمواطني البلد. وأطلق فيلدرز على المادة الاولى في بيانه الانتخابي عنوان “تنقية البلاد من المسلمين”، وعدد تحت هذا العنوان الفعاليات التي يعتزم القيام بها، وهي إغلاق حدود البلاد في وجه المهاجرين القادمين من الدول الإسلامية، وإلغاء الإقامات الممنوحة للاجئين، ومنع ارتداء الحجاب في الدوائر الحكومية، وحظر كافة الرموز الإسلامية التي تتعارض مع النظام العام في البلاد، وإغلاق كافة المساجد في هولندا، ومنع قراءة القرأن، سحب الجنسية الهولندية من مرتكبي الجرائم الذين يحملون الجنسية المزدوجة وطردهم خارج البلاد، والزج بالمسلمين المتطرفين في السجون كخطوة احترازية، ومنع عودة المجاهدين الذين خرجوا من هولندا وتوجهوا إلى سوريا. وتتلخص المادة الثانية في بيان فيلدرز بالدعوة إلى خروج هولندا من الاتحاد الاوروبي واستقلالها عن هذه المؤسسة تماماً، فيما يحض في المادة الثالثة على إجراء استفتاء شعبي في كل خطوة تعتزم الحكومة الإقدام عليها. الخلاصة يمكننا أن نقول بأنّ أياماً سوداء تنتظر هولندا عقب انتخابات 15 مارس، فالعديد من الوعود الانتخابية التي تطلقها أحزاب اليمين، ستولد مشاحنات داخل المجتمع الهولندي، ومن المنتظر أن تعجّ شوارع هولندا بالمتظاهرين المناهضين لسياسات اليمينيين، كما حصل في الولايات المتحدة الأمريكية عندما تولى ترامب زمام الأمور في واشنطن.
 
مع انطلاق الحملة للانتخابات التشريعية المزمع إجرائها في 15 مارس   الماصى في هولندا، شن زعيم الحزب اليميني المتطرف المعادي للمسلمين غيرت فيلدرز، اليوم السبت، هجوما لفظيا لاذعا على المهاجرين المغاربة الذين وصفهم ب”الحثالة” التي يجب التخلص منها “لإعادة البلاد الى الشعب الهولندي”، حسب قوله. وقال فيلدرز امام تجمع للصحافيين في مدينة سبايكينيسه الصغيرة جنوب روتردام ان “الرعاع المغاربة في هولندا (…) طبعا ليسوا كلهم حثالة، لكن الكثير منهم كذلك وهم يجعلون طرقنا أخطر وخصوصا الشباب منهم (…) يجب ان يتغير ذلك”. وأضاف السياسي المتطرف “اذا أردتم استعادة بلدكم، وإذا أردتم أن تكون هولندا بلدا للهولنديين، بلدكم مجددا، فعليكم ان تصوتوا” لحزب الحرية الذي يرأسه. وناشد الناخبين “أرجوكم، أعيدوا هولندا إلينا” وسط مجموعة من مناصريه الذين هتفوا “فيلدرز!”. ردا على سؤال حول هوية ناخبيه قال فيلدرز “كل هولندي يتحلى بالمنطق…لحسن الحظ يتحلى كثيرون لدينا بمنطق سليم”. وتابع ان “الهولنديين الذين يريدون استعادة بلدهم سيصوتون لنا ايا كان مستوى تعليمهم او خلفيتهم”. أدين النائب الذي وعد بمنع القرآن وإغلاق المساجد في حال تم انتخابه بالتمييز العنصري العام الماضي بسبب تعليقات مشابهة أدلى بها بشأن المغاربة في هولندا. مع ذلك يلقى وعده بالعمل من اجل وجود “عدد أقل من المغاربة” في هولندا أصداء لدى الناخبين التقليديين القلقين من الهجرة والهجمات الجهادية التي ضربت اوروبا خلال السنوات الأخيرة. وتشير آخر استطلاعات الراي الى احتمال فوز حزب فيلدرز بـ 24 الى 28 مقعدا في البرلمان الذي يضم 150 مقعدا، متقدما بمقعدين او اربعة على الحزب الليبرالي الحاكم  المنصرف بزعامة رئيس الحكومة مارك روتي.  وتباينت ردود الفعل على خطاب فيلدرز الذي وقف لمصافحة أنصاره والتقاط صور معهم في ساحة البلدة التي شهدت بعد مغادرته نقاشات غاضبة بين انصاره ومعارضيه. قال أحد أنصاره داني (59 عاما) “سنصوت جميعنا لصالح فيلدرز هذا العام” مضيفا أن “الطرق لم تعد آمنة خصوصا في المدن الكبيرة” فيما تجول النائب اليميني في المكان وسط وجود كثيف للشرطة. وتلقى فيلدرز تهديدات بالقتل من أطراف عدة بينهم تنظيما الدولة الإسلامية والقاعدة، ما دفع السلطات الى توفير حراسة على مدار الساعة حتى بات يعرف بـ”الرجل الأكثر حماية في هولندا”.وقال بيتر كامرلينغ (40 عاما) احد منظمي الحزب اليميني في المنطقة “سنحرر هذا البلد. فبروكسل تملك مفتاح ديارنا وسنسترجعه. غيرت سيحرص على ذلك”. صرح النائب مارتن بوسما الذي يعتبر اهم مساعدي فيلدرز لوكالة فرانس برس ان حزبه سيسعى الى عقد تحالفات ان فاز في الانتخابات. لكنه اقر بصعوبة ذلك نظرا الى رفض أغلبية الاحزاب الهولندية الكبرى وبينها حزب رئيس الوزراء التعاون مع حزبه منذ ادلاء فيلدرز تصريحاته بشأن المغاربة وادانته قضائيا. من ناحيته، قال ثيو دو بوير (50 عاما) إن “فيلدرز يثير انقساما حادا بين الناس” متهما إياه بـ”التمييز”. واضاف “لا اتفق معه على الإطلاق. لدينا دستور والحرية الدينية هي إحدى أهم ركائزه”. غير ان بعض السكان بدوا مرتبكين ازاء الزعيم اليميني. وقالت بائعة الاسماك ماريان سلورينك (60 عاما) لوكالة فرانس برس ان “غيرت يجرؤ على قول ما يكنه عدد من الهولنديين وهذا مفيد”. تابعت “لكنه يثير الكثير من الكراهية ولا يطرح حلا فعليا” مضيفة ان “فرص وصوله الى الحكم ضعيفة، فلا أحد يريد ذلك في حقيقة”.
 
لأنه لا يمكن التعرض للانتخابات الهولندية بمعزل عن الظرف العالمي، والأوروبي على وجه الخصوص، فلا أحد يمكنه أن ينكر العاصفة الوجودية التي تجتاح الاتحاد الأوروبي بعد الخروج البريطاني، وهزيمة ماتيو رينزي في الاستفتاء الدستوري 4 ديسمبر  الماضي، وما نتج عنه من استقالة حكومة يسار الوسط التي تزعمها رينزي، في جولة ثانية تقدم فيها اليمين الشعبوي على تيارات الوسط، لتأتي الانتخابات الهولندية، تليها الفرنسية. الأمر أشبه إذن بلعبة الدمينو، تتساقط أوراقها تباعًا، لكن بالنظر للحالة الهولندية، فدمج تيار يمين الوسط ويسار الوسط في حكومة «روته» 2012، جعل الأصوت الغاضبة من الأداء الحكومي تميل تلقائيًا للمعارضة الحقيقية التي شكلها حزب فيلدرز، وهو الخطأ الذي تدفع ثمنه اليوم أحزاب الوسط، لكن ثمة طبيعة استثنائية لحياة هولندا الحزبية، تمنع الكارثة من الوقوع، ألا وهي تعدد الأحزاب وتفتتها.
 
إذ بلغ عدد الأحزاب المتقدمة لخوض السباق، المزمع انطلاقه منتصف مارس 2017، 81 جزبًا، 28 فقط استوفوا الشروط المستحقة، فيما لم تتمكن الغالبية من المشاركة، إما لضعف الإمكانات المادية، وعدم قدرتهم على دفع الرسوم المطلوبة، أو عدم تمكنهم من الحصول على الدعم المطلوب من الدوائر الانتخابية، وبعضهم قرر الانسحاب لانعدام فرصه في المنافسة. هذه الأحزاب الـ28 التي حجزت مكانها في المنافسة، تذهب جميع استطلاعات الرأي التي أُجريت على مدار الأشهر، التي سبقت الانتخابات، إلى احتلال حزب الحرية لصدارة النتائج المتوقعة، ومن المتوقع أن يحصد ما بين 24 و28 مقعدًا في البرلمان، من أصل 150. يليه حزب الشعب للحرية والديمقراطية (VVD) الحاكم،  والذي من المتوقع أن تكون حصته ما بين 23 و27 مقعدًا. اللافت للنظر – وفقًا لهذه الاستطلاعات – أن أيًا من الأحزاب المتصدرة لن يمكنه تشكيل الحكومة بمفرده، ولن يقتصر تشكيلها على التحالفات الثنائية كما حدث في 2012، إذ سيتعدى الأمر لما هو أبعد، مما يجعل تحالف الحكومة هشًا في النهاية. ولأن أيًا من الأحزاب الكبيرة يرفض مصافحة فيلدرز، والدخول معه في تحالف لبناء الحكومة، فسيكون رغم صدارته جديرًا بمقاعد المعارضة، لكن بالطبع سيشكل فوزه في الانتخابات – إذا ما حدث – ضربةً للمؤسسية الأوروبية، لاسيما ونحن على بعد أيام من المعركة الفرنسية المنتظرة في مايو/ آيار المقبل، حيث تبدو «سكة» لوبان للرئاسة خضراء، لو لم يدركها إيمانويل ماكرون، بعد أن قُضي على فيون سياسيًا بقضية التوظيف الوهمي لزوجته. ويراهن فيلدرز على هشاشة الحكومة المرتقبة بعد الانتخابات، إذا ما كان السيناريو – بالأعلى – أمرًا واقعًا، وعليه يرفض أن يتنازل عن حزبه أو قناعاته لأجل التحالفات، قائلًا: «حكومتهم ستكون هشّة ولن تتجاوز العام الواحد»!
 
يصوت الهولنديون 15 مارس  الماضى فى الانتخابات البرلمانية، لتبدأ بذلك سلسلة انتخابات تشهدها القارة العجوز من شأنها أن تغير المشهد السياسى برمته لعدة سنوات، لاسيما مع تنامى مد تيار اليمين المتطرف فى أعقاب تدفق ملايين المهاجرين ووقوع هجمات إرهابية فى كبرى العواصم الأوروبية. واستطاع خيرت فيلدزر أن يتصدر استطلاعات الرأى الأخيرة باعتباره الأوفر حظًا للفوز بأكثر المقاعد فى البرلمان الهولندى، الأمر الذى اعتبرته صحيفة “إكسبرس” البريطانية ضربة لليبراليين فى أوروبا خاصة بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية، وتصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبى. وتعهد فيلدرز، رئيس حزب الحرية اليمينى المتطرف والمعادى للإسلام والمهاجرين، بغلق الحدود والمساجد، والخروج من منطقة اليورو والاتحاد الأوروبى حال فوزه بالانتخابات.  ولمواجهة تنامى نفوذه وتأثيره على صورة وقيم الدولة الأوروبية، رفضت أكبر الأحزاب السياسية فى هولندا، تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب فيلدرز المثير للجدل، مما يعنى أنه لن يستطيع الوصول إلى منصب رئيس الوزراء لأن الحكومة فى هولندا تكون ائتلافية.
 
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الجمعة 9 يونيو/حزيران 2017، إن “البعض منزعج من وقوفنا إلى جانب إخوتنا في قطر، إلا أننا مستمرون في تقديم جميع أنواع الدعم إليها”. وفي كلمة خلال مأدبة إفطار نظمها مكتب حزب العدالة والتنمية (الحاكم) في إسطنبول، الجمعة، أشار أردوغان إلى الدعوة التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون لتخفيف الحصار على قطر. وأضاف الرئيس التركي: “أقول إنه يجب رفع الحصار تماماً، لا بد ألا يحدث هذا بين الأشقاء”. ومنذ الإثنين الماضي، أعلنت 8 دول قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وهي: السعودية ومصر والإمارات والبحرين واليمن وموريتانيا وجزر القمر والمالديف، واتهمتها بـ”دعم الإرهاب”، في أسوأ صدع تشهده المنطقة منذ سنوات، بينما لم تقطع الدولتان الخليجيتان الكويت وسلطنة عمان علاقاتهما مع الدوحة. بينما نفت قطر الاتهامات بـ”دعم الإرهاب” التي وجهتها لها تلك الدول، وقالت إنها تواجه حملة افتراءات وأكاذيب وصلت لحد الفبركة الكاملة؛ بهدف فرض الوصاية عليها، والضغط عليها لتتنازل عن قرارها الوطني.  وتابع الرئيس التركي: “لدي رجاء خاص من السلطات السعودية، أنتم أكبر من في الخليج والأقوى، عليكم أن تكونوا تاج الإخوة، وأن تجمعوهم على صعيد واحد، هذا ما ننتظره من خادم الحرمين الشريفين وهذا ما يليق به”. ولفت إلى أن التوتر الذي تصاعد في الأيام الأخيرة بين الدول الشقيقة في الخليج ألقى بظلاله على فرحة المسلمين بشهر رمضان. وأضاف موجهاً حديثه لقادة دول الخليج وشعوبها، أنه “لا يوجد غالب في حرب الأشقاء، والجهة المنتصرة في الحرب ستكون البؤر التي تتغذى على حالة عدم الاستقرار والتوتر”.
 
 
 
وشدد على أنه “من الخطأ إضافة المزيد من المشاكل للعالم الإسلامي الذي يعاني بالفعل العديد منها”.  وعلى صعيد آخر، قال “نعلم جيداً الذين كانوا مسرورين في الخليج (لم يسمِّ جهة معينة) من محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا (منتصف يونيو 2016)، ونعرف جيداً ماذا فعل البعض ليلة محاولة الانقلاب”. وتابع: “ثمة جمعيات تأسست في قطر بغرض تقديم مختلف الخدمات، يتم الإعلان عنها على أنها منظمات إرهابية، هذا أمر لا يمكن قبوله، أنا أعرف هذه الكيانات، لم أشهد أبداً قيام قطر بدعم الإرهاب”. وفي وقت متأخر من مساء الخميس، أصدرت السعودية ومصر والإمارات والبحرين بياناً مشتركاً لإدراج 59 شخصاً، بينهم الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، و12 كياناً، منها جمعية “قطر الخيرية”، قالوا إنها “مرتبطة بقطر”، في قوائم الإرهاب المحظورة لديها.  وحول اتفاقية الصناعات الدفاعية بين تركيا وقطر، قال أردوغان إنها ليست جديدة، وإنما مرت بمرحلة استغرقت عامين أو ثلاثة.
 
التوتر الذي يطبع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وجارتها الخليجية قطر ليس وليد اليوم، فهو يعود إلى ما قبل استقلال الإمارة عن بريطانيا في عام 1971. ويتم تصريف الأزمات بين البلدين في عدة ملفات عبر قنوات مختلفة. هي أزمة غير مسبوقة بين السعودية وقطر، لكن الشد والجذب بين البلدين الجارين يمتد لعقود. وتعتبر السياسة الخارجية للإمارة الواقعة شرق السعودية ومحاولاتها المستمرة للخروج من “وصاية” الأخت الكبرى النقطة الخلافية الكبرى بين البلدين. تعيش قطر منذ استقلالها عن الانتداب البريطاني أزمات دبلوماسية متكررة مع السعودية. ويظل أبرز الصراعات التاريخية بين البلدين أزمة ترسيم الحدود سنة 1992. وهي الأزمة التي أظهرت خلافات بينهما ترتب عليها مقاطعة قطر لمجلس التعاون الخليجي.  ومنذ استيلاء الأمير السابق حمد بن خليفة على الحكم، إثر انقلابه على والده، تعززت رغبة قطر في البروز دوليا. لكن الرياض تساند قبيلة آل مرة المعارضة للحكم في قطر، والتي اتهمتها الدوحة بمحاولة الانقلاب في 1996. وفي 2014، أظهرت الأزمة الدبلوماسية بين قطر وجيرانها الخلاف إلى العلن. وسحبت السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من الإمارة احتجاجا على رغبتها في “التدخل بالشأن الداخلي لدول مجلس التعاون”، بحسب تعبير مسؤولي هذه البلدان. وخلال بداية “الربيع العربي” سنة 2010 اختلفت السياسة القطرية عن دول الجوار. فالإمارة لم تنضو تحت لواء المحور السعودي. وعلى الرغم من أنها دعمت العديد من القرارات الخليجية والدولية مثل الحرب في ليبيا، إلا أنها خالفت بلدان الجوار والولايات المتحدة في ملفات أخرى كالتعامل مع “حماس” و”حزب الله”.  وعلى الميدان في سوريا تنسق قطر مع تركيا وتدعم التنظيمات المقربة من تنظيم الإخوان المسلمين إيديولوجيا، على عكس العربية السعودية التي تدعم التنظيمات السلفية.  وفي اليمن، وعلى الرغم من أن قطر منخرطة في التحالف العربي الذي تقوده السعودية، إلا أن وسائل إعلام سعودية تتهم القطريين بدعم الحوثيين ومدهم بالأسلحة والعتاد. ويعتبر تنظيم “الإخوان المسلمون” في مصر أحد أهم نقاط الخلاف بين البلدين الخليجيين، علما أن العديد من قيادات الجماعة يستقرون في الدوحة.  وبعد موجة الاحتجاجات التي أسقطت نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك دعمت قطر الرئيس المنتمي إلى “الإخوان” محمد مرسي، كما دعمت قبلها الحراك الاحتجاجي. وخلال الأزمة السياسية التي استعاد خلالها الجيش، ممثلا في شخصية المشير عبد الفتاح السيسي، الحكم انتقدت قطر ما أسمته “الانقلاب”. وخلافا لقطر فإن السعودية تدعم الجيش وقدمت معونات اقتصادية للبلاد بعد وصول السيسي إلى السلطة. وهو الأمر الذي دفع بالنظام المصري للانضمام إلى جبهة المقاطعين لقطر.  ويمتد الصراع بين البلدين الجارين إلى المجال الإعلامي. وكانت قطر السباقة إلى تأسيس وسيلة إعلام دولية هي “الجزيرة”، قبل أن تتبعها السعودية بقناة “العربية” التي تبث من دبي.  وقد أثارت “الجزيرة” غضب السعودية أكثر من مرة، بتطرقها لمواضيع تخص الشأن السعودي الداخلي. وسحبت السعودية سفيرها من الدوحة سنة 2002 احتجاجا على أحد برامجها.  ويتبادل البلدان الاتهامات من خلال القنوات التلفزيونية. وبثت قناة “العربية” العديد من الأخبار “المزعجة” عن قطر، فيما يركز الإعلام السعودي على انتقاد العلاقات القطرية-الإسرائيلية. وتنتقد السلطات السعودية الموقف الحيادي الذي تتعامل به قطر مع إيران. وبعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة إلى السعودية ازدادت انتقادات دول الخليج لموقف قطر من طهران. وتحاول الرياض وحلفاؤها إجبار الدوحة على قطع علاقاتها مع إيران، لكن الإمارة التي تتقاسم حدودها البحرية مع طهران، تفضل الحفاظ على علاقات “ودية” مع جارتها. وهو ما أكده وزير خارجيتها بعد الأزمة الأخيرة.
نقلا عن البلاغ
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع