الأقباط متحدون - وزارة الناس والرزق الحلال
  • ٠٨:٤١
  • الأحد , ١٨ يونيو ٢٠١٧
English version

وزارة الناس والرزق الحلال

مدحت بشاي

بشائيات

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الأحد ١٨ يونيو ٢٠١٧

وزارة للشئون الاجتماعية
وزارة للشئون الاجتماعية
كتب : مدحت شاي
 
أكثر من 75 سنة كان إنشاء أول وزارة للشئون الاجتماعية ( التضامن حالياً )  في حكومة تألفت برئاسة علي ماهر باشا وكان هدفها الرئيسي معالجة تبعات وآثار الحروب ، و كان قد تولى وزارة الشئون الاجتماعية عند ميلادها عبد الرحمن عزام بك الذي حصل على الباشوية فيما بعد ، بعد أن أصبح أول أمين عام للجامعة العربية .. 
 
لقد تصور الناس وحتى من تولوا قيادة تلك الوزارة أنها مؤسسة معنية بشكل رئيسي أن تكون بمثابة سيارة إسعاف جاهزة للإغاثة ومداواة جرح المصابين ، وأنها كيان وجد لإغاثة الملهوف والوقوف مع المعوزين والمحتاجين فحسب ، وهي أيضاً المؤسسة المعنية بإطفاء الحرائق والتعامل مع النكبات والكوارث آن حدوثها فقط ..
 
إنني أرى أنه مفهوم ضيق لدور وزارة وكيان قد تضخم كثيراً في الفترة الأخيرة حتى باتت مؤسسة ديناصورية البنية والانتشار لأنها ببساطة وزارة الناس .. كل الناس في كل حالاتهم وظروفهم من قوة أو ضعف .. تقدم أو تخلف .. إنني أراها وزارة لها علاقة محورية بأمن المجتمع وسلامة بنيانه .. باقتصاد الدولة وحلم التنمية الشاملة .. بالحالة البيئية والصحية للناس وحلم العيش في وطن نظيف .. وزارة وطيدة الصلة بفقراء الوطن وسكان العشوائيات والمقابر وعشش الصفيح .. وزارة البنيان الاجتماعي السليم لنعيش في مأمن من غول التطرف والإرهاب وشبح صراع الطوائف ومثيري الفتن والقلاقل ..
 
وإذا كان أمر الأداء التقليدي يمكن قبوله إلى حد ما في قطاعات ووزارات أخرى باعتبار تخصصها في مجال محدد ومن خلال نظم عمل تتعامل مع ثوابت وخطط قصيرة وطويلة الأجل ، فالأمر أراه مختلفاً في مجال عمل وزارة التضامن الاجتماعي .. إنها وزارة يجب أن تكون طول الوقت مع الناس .. لو أن هذه الوزارة كانت عبر كل الأحقاب الماضية قد مارست عملها وفق توجه منطقي وعلمي وعملي في التخطيط والتنفيذ والتواصل الإيجابي مع الوزارات الأخرى لجنبت البلاد والعباد الكثير من الأزمات .. إن وزارة كل الناس لابد أن يتم دعم آليات عملها بأجهزة بحثية وعلمية تتفاعل بجدية مع ظواهر صارت تتكرر ويتناولها أهل الفكر والرأي وأصحاب الخبرات بالرصد والكتابة والتحليل .. 
 
ففي مجال التعليم على سبيل المثال كان د. طه حسين قد أطلق صيحته " التعليم كالماء والهواء " عام 1951 .. وأعادت ثورة يوليو إطلاقها في إطار أحد مبادئها الرئيسية " تحقيق العدالة الاجتماعية " إلا أن التوسع في التطبيق لم تلاحقه نظم تتيح بنية أساسية وتعليمية وتربوية تتسع لهذا الكم المتزايد من المنتفعين بالمجانية وآل حال التعليم على أرض الواقع إلى تعليم غير مجاني بل وباهظ التكلفة لأن طلابنا غادروا المدارس إلى مراكز الدروس الخصوصية ومكتبات الكتب الخارجية حتى بلغ الأمر إنفاق الأسر أكثر من 20 مليار جنيه يتم توجيهها لتلك المراكز وأباطرتها ، بينما الدولة تدفع مليارات أخرى أكثر لدعم الإنفاق على التعليم .. إنها مشكلة تنمو وتستقر بكل أبعادها ، وباتت تمثل ظاهرة لها أبعاد اجتماعية وآثار اقتصادية خطيرة ، فهل كان لوزارة الشئون أي جهود باعتبارها وزارة الناس لحشد قوى المجتمع ومنظماته المدنية لإحداث مواجهة حقيقية فاعلة بدلاً من اجترار المشاكل وتكرار الحكي والتوصيف ووضع الحلول وبعدها يتوقف كل شيء .. فإذا كان التعليم وبعض مشاكله واحداً من بعض هموم المواطن ، فماذا عن مآسي أطفال الشوارع وصرخات النساء المعيلات ومشاكل إصلاحيات التأديب والإيواء وملاجئ الأيتام ومتطلبات تطويرها .. وغيرها كثير ؟! ..
 
هناك بالفعل قرارات وإنجازات على الورق ومشاريع تم إعلانها مثل الأسر المنتجة وأجهزة لمكافحة الفقر .. هياكل وإدارات لتقديم المساعدات والمعونات والإغاثة .. ولكن ظل التواصل الحقيقي والفاعل مع أحلام الناس مفقوداً 
لقد ذكر عمرو خالد في لقاء تليفزيوني أنه ناشد الشباب العرب أن يرسلوا إلى موقع الكتروني يشرف عليه على شبكة الإنترنت بأحلامهم فإذا به يُفاجأ بأحلام يفوق عددها 800.000 حلم سطرها الشباب بحماس وبراءة وأكد أن معظمها أحلام مشروعة وتنفي عن شبابنا تهمة وصفهم بأنهم شباب يعانون خواء فكرياً وثقافياً .. نعم شبابنا يحتاج لتواصل مؤسساتنا مع أحلامه وطموحاته من خلال فرص عمل وتنمية كوادر .. ولابد من العمل المكثف لإبعاد شبح الفقر والعوز والأخذ بأيدي ذوي الاحتياجات الخاصة.
 
إن الناس في بلادي تبحث عن مفردات عقد اجتماعي جديد ، ولنتذكر مقولة جان جاك روسو معرفاً العقد الاجتماعي " إن الدولة ترجع في أصل نشأتها إلى عقد بين الأفراد يحقق الإرادة العامة وتكون السيادة فيه للوطن ، ولا تكون أية سلطة مشروعة إلا إذا كانت وليدة هذه الإرادة " ..
نحن في انتظار هذا العقد المهم فهل تكون بداية الصياغة في وزارة التضامن الاجتماعي حتى نشهد قريباً التوقيع بالحروف الأولى من جانب طرفي التعاقد .. ليتساوى في أساسيات ذلك العقد جميع المواطنين وليمنح الجميع حق المشاركة في وضع بنود العقد حتى يكون ملتزماً بها فلا يمكن أن نطالب الناس ببنود عقد لم يشاركوا في تحريره بل ولم يطلعوا على بنوده !! 
 
وللمقال بقية للحديث عن الجمعيات الأهلية وقانونها ومشاكل القدرة على تفعيلها والاستفادة الحقيقية من وجودها ..