د.جهاد عودة
يتعدد الوسطاء فى الأزمة القطرية الخليجية، فقد سارعت دول مثل الكويت وأميركا وفرنسا وتركيا والمغرب وغينيا وآخرون، هذا مع عمل منظمات عديدة وأفراد فى الوساطة، سواء علنية أو فى الخفاء، وأعتقد أن الوساطة الكويتية لا زالت هى الأمثل والأقرب إلى المزاج الخليجى، ونلاحظ أن دولة الكويت قد أخذت على عاتقها موضوع الوساطة الدولية وسارت ركنا فى مكانتها الدولية، الأمر الذى يقترح تطور منهج للوساطة الدولية الكويتية ، من الملاحظة والخبرة يمكن بناء نموذج للوساطة الاستراتيجية الكويتية، كما دعمت الأمم المتحدة خبرة الوساطة الكويتية، فقد أعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دو جاريك الأربعاء 15 6-2017 أن الأمين العام للمنظمة أنطونيو غوتيريش يدعم الوساطة التي تقوم بها الكويت لحل الأزمة بين قطر وعدد من جيرانها.
يعتمد نموذج الوساطة الاستراتيجية المقترح على عدة مبادئ، أولها القدرة على التأثير البنائئ ويقصد أن المسألة لا ترتبط بالقدرة على التأثير وامتلاك أدوات التأثير، بل القدرة على التأثير في هياكل العمليات السياسية والاستراتيجية بين الطرفين، وتقاس هذه القدرة بمدى اننشار المفاهيم المتمثلة بين الطرفين، أما فى حالة انخفاض المفاهيم المتماثلة بين الطرفين فتقاس بمدى الرغبة فى تجسير الفجوة بين الطرفين.
ثانيها، التأثير البنائى مرتبط بالقدرة على توليد مفاهيم بديلة تساعد على خلق آلية تواصل، علما أن هذه الآلية تساعد على نمو التواصل من بسيط إلى كثيف، ثالها، ويقصد بالهياكل هنا ليس الموسسات القائمة، بل توفير المجال الاتصالى والمفهومى والفنى بين الطرفين، والمجال هو مفهوم معقد لأنه مرتبط بالقوة، العلاقة بين المجال والقوة هى طردية، فكلما توسع مجال الحركة وخلق ترددات كلما ازدادت القوة، والمقصود هنا هى قوة الوسيط .
رابعها، وكلما زادت قوة الوسيط زادت قدرته على التداخل بين الطرفين، وكلما زادت القدرة على التداخل زادت قدرة الطرفين على تقبل رؤية وعرض الوسيط للحل الأمثل.
خامسها، ويقصد بالحل الأمثل هو الحل الذى ليس فيه خسارة كبيرة أو إهانة عظيمة، والأمثل هنا ليس مفهوما اقتصاديا بل مفهوما اجتماعيا لشراكة القوة بين الطرفين.
سادسها، توزيع القوة بين الطرفين ليست بالتالى مسألة توازنية بل مسألة تساهم فى خلق الإحساس بالجماعية بين الطرفين.
سابعها، الطرفين فى سياق الوساطة الاستراتيجية لابد من خلق الإحساس بأن السرعات المختلفة فى الأداء والالتزام ليس عائقا بل يمكن أن يفتح مسارا جانبيا بين الطرفين للفوائد والقيود الإضافية.
لعبت الكويت دورًا كبيرًا في إنهاء أزمة عام 2014 بين قطر من جهة وكل من السعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى، والتي وصلت إلى حد سحب سفراء الدول الثلاث من الدوحة لعدة أشهر، الأزمة انتهت بتعهد قطري بالتوقف عن “التغريد خارج السرب الخليجي”، والمتمثل في دعم جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبرها السعودية والإمارات منظمة إرهابية، فضلًا عن اتهامها بإيواء معارضين خليجيين وتجنيسهم.
كما لعبت الكويت مجددًا دور الوسيط، لكن هذ المرة بين إيران من ناحية ومجلس التعاون الخليجي من ناحية أخرى، لخفض التوتر مع السعوديةوالتمهيد لحوار “خليجي – إيراني”، وبعد أشهر من الخلاف، نجحت الوساطةالكويتية في عودة العلاقات إلى طبيعتها بين مصر والسعودية، في أعقاب توتر غير مسبوق، دور الوسيطالكويتي كشفته إحدى المكالمات المسربة، بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية سامح شكري، بثتها فضائية “مكملين” المعارضة.
كما حاولت الكويت لعب الدور ذاته بين مصر وتركيا، غير أن جهودها في هذا الشأن لم تظهر آثارها بعد، وسط علاقات متوترة بين البلدين، منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013، تبدو طبيعة العلاقات الخليجية الخليجية التي تسيطر عليها القبلية والقرابة والنسب، حتى بين الطبقات الحاكمة، أول تلك العوامل، حيث يمكنها أن تلعب دورًا حاسمًا في الوساطة.
التوقعات تشير إلى أن الوساطة يجب أن تضمن تغييرًا واضحًا في السياسات وإجراءات ملموسة تؤكد من خلالها الدوحة التزامها بـ “التوافق الخليجي”. لعل السر في إمكانية لعب الكويت لهذا الدور، يرجع إلى نجاحها في إقامة علاقات شراكة إقليميًا ودوليًا، بعيدًا عن الحسابات الضيقة لبعض الدول الأخرى، فرغم العداء – السعودي على الأقل – مع إيران نجد الكويت تقيم معها علاقات ودية غير مسبوقة، إلى حد أن تكون الدولة الخليجية الوحيدة التي يزور أميرها طهران، وتهنئ “حسن روحاني” بفوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، الأمر ينسحب على علاقة حكام البلاد بالطبقة الشيعية التي تقطنها، والتي تبلغ نحو ثلث سكانها، التي تبتعد تمامًا عن الصدام كدول خليجية أخرى، وبينما تنفر دول الخليج شيئًا فشيئًا من تركيا، كإلغاءالسعودية صفقة السلاح معها، يزورها أمير الكويت ويلتقي رئيسها “رجب طيب أرودغان” الذي يُوصف في إعلام دولة مثل الإمارات بـ “الإرهابي”، ومؤخرًا في مايو 2017 الجاري زار أردوغان الكويت، للاحتفال بحصول شركة “ليماك” التركية على صفقة إنشاء مشروع مبنى جديد لمطار الكويت الدولي، بقيمة تتخطى 4 مليارات دولار، وبعيدًا عن أحاديث الهيمنة والسيطرة، تتمتع الكويت بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ورغم كل ما سبق، يبدو أن فهما جديدا بمستقبل دور الوساطة الذي تلعبه الكويت يبزغ، ربما لصالح خريطة جديدة تتشكل للعلاقات بين دول المنطقة، مع استمرار الأزمات التي باتت تمثل عبئًا عليها، وسعي مختلف الأطراف للخروج منها بأية معادلات أو تسويات قد تتضمن تنازلات ما.
نقلا عن البلاغ
نقلا عن البلاغ