كنيسة المهد
ليديا يؤأنس
الثلاثاء ٢٠ يونيو ٢٠١٧
بقلم: ليديا يؤانس
بيت لحم، المدينة العظيمة التي شهدت تجسد السيد المسيح، وقدسها بميلاده فوق أرضها، وعطر هواءها بأنفاسه الطاهرة.
مدينة بيت لحم تقع في فلسطين، ونظرًا لقدسية المدينة حيث ميلاد يسوع المسيح بها، فقد تم تواجد العديد من الكنائس بها والتي ترتبط بشكل أو بآخر بحدث الميلاد.
من أهم المعالم الدينية الموجودة بمدينة بيت لحم؛ كنيسة المهد، مغارة الحليب، كنيسة القديسة كاترينا، كنيسة الروم الملكيين، كنيسة السريان الأرثوذكس، وكنيسة حقل الرعاة.
كنيسة المهد، تعتبر من أهم وأقدس كنائس فلسطين والعالم، حيث في هذا الموقع ولد يسوع المسيح، ولقد إختلفت الآراء علي من الذي أمر ببناء كنيسة المهد، هل الأمبراطور قسطنطين أم والدته القديسة هيلانة؟
ولكن ليس هناك فرق فالأثنان واحد، ويُقال أن بناء الكنيسة جاء بناءًا علي إستجابة الأمبراطور قسطنطين لطلب الأسقف مكاريوس في المجمع المسكوني الأول في نيقيه عام 325 ميلادية.
كنيسة المهد تعتبر هيّ الكنيسة الأولي، من بين الكنائس الثلاث، الذين بناهُم الأمبراطور قسطنطين في مطلع القرن الرابع الميلادي، وكان ذلك بعد أن أصدر مرسومًا بأن المسيحية هي ديانة الدولة الرسمية.
هدم السامريون الكنيسة في عام 529 م، ثم قام الأمبراطور جوستينيان الأول بإعادة بنائها بشكلها الحالي في عام 540 م.
تعالوا معي ننتقل إلي هذا المكان المقدس، نستنشق هذا العبق الروحي التاريخي، ولنستمتع أيضًا بمشاهدة هذا الصرح الذي سيظل شاهدًا علي هذا الحدث، الذي لن يتكرر ثانية!
تعالوا نتأمل لماذا اختار المسيح هذا المكان المتواضع لميلاده؟
ولماذا اختار هذه البلدة البسيطة، التي ستظل شاهدة لآخر الزمان، علي مقتل أطفال أبرياء علي يد هيرودس، الذي جن جنونة حينما علم بميلاد ملك الكون يسوع المسيح؟!
ربما ستجدون تصميمات بعض البيوت القديمة مازالت موجودة، ولكن علي أيام المسيح، كانت البيوت الفلسطينية التقليدية القديمة، في الغالب يتم بناؤها علي مغارات أوكهوف، المنزل مكون من عدة طوابق، وكل طابق عبارة عن مساحة واسعة، أي غرفة واحدة تستخدم للأكل والنوم والمعيشة، وكان الطابق الأسفل يستخدم كاسطبل للحيوانات، وعلي ذلك كان كثيرين من الرعاة يحفظون مواشيهم في هذه المغارات الموجودة أسفل المنازل.
كنيسة المهد، بُنيت فوق المغارة (اسطبل البهائم) الذي كان في أسفل (بدروم) مبني الفندق، الذي نزلا به كل من القديسة العذراء مريم ويوسف النجار.
بحسب انجيل متي، فإن المجوس حضروا من الشرق إلي هذه المغارة لإكرام الطفل.
أما أنجيل لوقا (2: 7) فيقول: فولدت ابنها البكر وقمطته واضجعته في المزود اذ لم يكن لهما موضع في المنزل.
"اذ لم يكن لهما موضع في المنزل" أي أن العذراء ويوسف، لم يجدا لهما مكانًا في المنزل (الفندق) لإزدحامة بالنزلاء، ولهذا نزلا للإقامة في وسط البهائم.
أضجعت العذراء "الطفل في مزود"، ولذا حرص الأمبراطور قسطنطين علي أن يكون داخل الكنيسة مُثمنًا فيه فتحة تؤدي إلي مغارة الميلاد، وبدخلها مزود مُزين بالمرمر، وتوجد فوق المزود النجمة الفضية التي تُشير إلي النجم الذي أرشد المجوس لمكان الطفل، ومكتوب فوق المزود عبارة باللآتينية معناها بالعربي "هنا ولد المسيح يسوع من العذراء مريم" وتجد حول المزود خمسة عشر قنديلًا تمثل الطوائف المسيحية المختلفة.
مغارة المهد تقع تحت هيكل الكنيسة، ولها بابين، واحدًا للدخول والآخر للخروج، ومن البابين توجد عدة درجات ليهبط أو يصعد الزائر، والدرجات مصنوعة من الرخام الأبيض المصقول.
المغارة نفسها مستطيلة الشكل، مُعتمة يضيئها 48 قنديلًا، أما جدران المغارة فقد تم تلبيس جزء منها بالرخام والجزء الآخر تم تركه كما هو من الصخور الطبيعية.
ويقابل الهيكل تجويف في الصخر يتم النزول إليه بثلاث درجات وضع فيه المزود ةالنجمة الفضية.
علي الجانب الغربي من المغارة تجد بازيليكا كبيرة، تنتهي ببهو واسع، مُحاطًا بالأعمدة، وتطل علي مدينة بيت لحم.
الكنيسة مساحتها حوالي 12 ألف متر مربع، وتمتد من الغرب إلي الشرق، ولها مدخل صغير، وقد تتساءل لماذا مدخل هذه الكنيسة الضخمة صغيرا هكذا؟
والإجابة تقول؛ أنه تم في القرن العاشر الميلادي تصغير مدخل الكنيسة من أجل حمايتها من الغزاة، وأيضًا لمنع دخول الحيوانات والجياد داخلها.
عندما تدخل من باب الكنيسة، ستجد نفسك في صدر الكنيسة، وهو أوسع مكان فيها، سوف تشاهد بقايا رسوم الفسيفساء البارزة علي جدران صحن الكنيسة، والتي تصور شجرة الحياة لأجداد السيد المسيح.
صحن الكنيسة مُقسم إلي أربعة صفوف من الأعمدة الحجرية الوردية اللون.
كل صف مكون من 11 عمودًا، كل عمود ينتهي بتاج كورنثي النقش له صليب بارز، طول العمود مع التاج يصل إلي 5.7 متر، ويقوم فوق صفي الأعمدة، جدران خشبية تتخلل كل واحد منها عشرة نوافذ متوسطة الحجم تضئ داخل الكنيسة.
حينما تتطلع إلي جدران الكنيسة تجدها منقوشة بلوحات فنية رائعة تحكي قصة الميلاد، وصورة ليوحنا المعمدان وهو يعمد السيد المسيح في نهر الأردن، هذا بالإضافة إلي صورة تمثل العشاء الرباني.
إذا نظرت تحت قدميك سوف تجد أرضية الكنيسة مفروشة بموازييك في منتهي الروعة.
تعالوا نتحرك إلي داخل الكنيسة، فالقسم الأمامي منها، مكون من جرن المعمودية المُثمن الأضلاع، والمنحوت من الحجرالوردي، ومن ثلاث حنيات، وإذا رفعت عينيك لسقف المعمودية ستجده مُستندًا على ستة أعمدة حجرية، أكبر من أعمدة صدرالكنيسة، أما أرضية الجزء الخاص بالمعمودية فهو من الرخام الأبيض.
ويوجد بالكنيسة هيكل آخر تم تكريسه باسم المجوس، وتوجد به لوحتان للفنان الإيطالي جون فافيولي من عام 1885، لوحة للمجوس والأخري للرعاة.
كنيسة المهد، تعتبر أول موقع فلسطيني يُدرج ضمن قائمة مواقع التراث العالمي بمنظمة اليونسكو، وتم ذلك في عام 2012 م.
الكنيسة يوجد بها زوايا للطوائف المسيحية الأرثوذكسية المختلفة مثل؛ السريان الأرثوذكس، الأقباط الأرثوذكس، الأرمن الأرثوذكس، وغيرهم، ولكن بشكل عام تُقام الطقوس الدينية في الكنيسة علي حسب تقليد الروم الأرثوذكس.
أنها دعوة مفتوحة، لكل من يريد أن يستمتع بمُشاهدة موطن السيد المسيح الأرضي، ويمتلأ من روحانيات المكان، ويتأمل في الذي كان منذ الأزل ومازال، ولما جاء الزمان جاء ملء الزمان، ليبارك طبيعتنا ويقدس معيشتنا.
تعالوا أحبائي، لتشاهدوا المكان، وتستمتعوا بأنفاس الطفل يسوع، التي كانت وستظل إلي الأبد لأنة ملء المكان والزمان.