الأقباط متحدون - من راس العش للعبور.. «مدد مدد شدى حيلك يا بلد»
  • ١٣:٤٢
  • الثلاثاء , ٢٠ يونيو ٢٠١٧
English version

من راس العش للعبور.. «مدد مدد شدى حيلك يا بلد»

مقالات مختارة | بقلم : سليمان شفيق

٣٥: ١٠ م +02:00 EET

الثلاثاء ٢٠ يونيو ٢٠١٧

سليمان شفيق
سليمان شفيق

 الأسبوع المقبل نحتفل بذكرى غالية جدا، إنها ذكرى معركة راس العش المجيدة، نسترجع تلك الأيام الأليمة، سقوط سيناء، هزيمة، وتصورت إسرائيل أنها قضت على مقاومة الجيش المصرى.

 
كان الحزن ملء الجفون، وطعم الهزيمة علقم فى طعامنا، ورائحة المعدات المحترقة لا تفارق شهيقنا وزفيرنا، ودماء الشهداء لم تجف فى سيناء، وما أفظع «كسرة النفس» بعد أن تسرب حلم الثورة كالماء من بين أصابعنا، وكما قال الخال الأبنودى: «عدى النهار والمغربية جاية تتخفى ورا ظهر الشجر، وعشان نتوه فى السكة، شالت من ليالينا القمر، وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها، جانا نهار مقدرش يدفع مهرها، يا هل ترى الليل الحزين أبو النجوم الدبلانين، أبو الغناوى المجروحيين، يقدر ينسينا الصباح أبوشمس بترش الحنين».
 
وفجأة الساعة السابعة والنصف من مساء 30 يونيو بدأ اشتباك فصيلة مصرية قليلة العدد وبسلاح خفيف مع رتل من مدرعات العدو الصهيونى فى راس العش ببور فؤاد حاولت قوات العدو أن تعبر القناة، إلا أن قواتنا استماتت فى قتال ضارى حتى فجر الأول من يوليو ودمرت دبابتين للعدو، وعددا من العربات المجنزرة، وقتلت حوالى عشرة من الجنود الصهاينة، ظل جمال عبدالناصر يتابع المعركة طوال الليل من محطة إرشاد السفن بمنطقة راس العش مع قائد الكتيبة بغرب القناة الرائد سيد الشرقاوى، وبعد هذا الإعجاز القتالى أصدر عبدالناصر أوامره بترقية الجميع ترقية استثنائية.. وتم تكريم السبعة شهداء الذين استشهدوا فى المعركة.
 
فى السابعة من صباح الأول من يوليو توقف المصريون أمام البيان الذى أصدره القائد العام فى إذاعة البرنامج العام تحكى لنا أول فعل مقاومة يؤكد أننا قادرين على المضى إلى النصر، وبالفعل ظلت نقطة راس العش حصينة حتى العبور 1973.
 
أفقنا على معركة راس العش، وتلاها عملية تدمير المدمرة البحرية الإسرائيلية «إيلات»، بعد قيام القوات البحرية بإغراقها فى البحر المتوسط أمام مدينة بورسعيد فى 21 أكتوبر 1967، بعد أربعة شهور من الهزيمة، وغيرها من عمليات أخرى ثلاثة تم إغراق عدد من السفن الحربية الإسرائيلية وتفجير الرصيف الحربى لميناء إيلات.
 
أيقظت قواتنا المسلحة «المجروحة» الروح، وبدأ الحلم بالمقاومة ينعش قلوب المصريين، وتكونت الكتائب الشبابية من الفدائيين، ومنها منظمة سيناء العربية، وبدأنا أعظم طريق للمقاومة، وحرب الاستنزاف لم تكسرنا الهزيمة ولا عربدة الطيران الإسرائيلى وقتل أطفال بحر البقر، ولا عمال مصنع أبوزعبل، وكان الطيران الصهيونى يقوم بما يشبه العمليات الإرهابية الآن، ولكننا بعد استشهاد البطل عبدالمنعم رياض الذى استشهد على الجبهة، هتفنا: «بالروح بالدم هنكمل المشوار»، وغنينا مع العظيم محمد نوح: «مدد مدد وشدى حيلك يا بلد، أن كان فى أرضك مات شهيد.. فيه ألف غيره بيتولد، بكرة الوليد جاى من بعيد.. راكب خيول فجرة الجديد»،.. وتغنينا مع محمد حمام «يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى.. استشهد تحتك وتعيشى أنتِ»، وبرز من بين القتال الكابتن غزالى كعنقاء الرماد من الدمار، وأسس فرقة أولاد الأرض تغنى السمسمية بروح المقاومة وتحول إلى أيقونة نضال ومقاومة.. ونشطت الحركة الطلابية، ويكتب الشاعر زين العابدين فؤاد: «واتجمع العشاق فى سجن القلعة واتجمع العشاق فى باب الخلق، ومصر من بين الزنازين طالعة، ومصر غنوة مفرعة فى الحلق، اتجمع العشاق فى الزنزانة، مهما يطول السجن.. مهما القهر، مهما يزيد الفجر بالسجانة.. مين اللى يقدر ساعة يحبس مصر»، هناك كان أحمد عبدالله رزة وأحمد بهاء الدين وسهام صبرى وسمير غطاس وغيرهم من زينة شباب مصر، وتظاهرنا وسجنا وغنينا مع نجم وإمام: «مصر يا أمة يا بهية يا أم طرحة وجلابية الزمن شاب وأنتِ شابة هو رايح وأنتِ جاية»، ومع الراحل الفنان عدلى فخرى والشاعر الكبير سمير عبدالباقى أطال الله عمره: «مصر غيطان الرياح.. مصر أصوات التلامذة فى الصباح.. مصر دنشواى حلوان وسيناء»، وعبرنا وانتصرنا ولم تنكسر ارادتنا، وفى ليلة فض اعتصامنا فى التحرير 1972، هتافنا فى ميدان التحرير: «اصحى يا مصر»، وظل ميدان التحرير ملتقى للصمود حتى 25 يناير 2011، وكانت مصر مستيقظة ولم تنم، ومن شهداء راس العش إلى شهداء راس القهر ومعركة الجمل، إلى شهداء سيناء من القوات المسلحة والشرطة، إلى شهداء البطرسية ومارجرجس طنطا والمرقسية، واطفال طريق دير الأنبا صموائيل بمغاغة، تحدينا العدو الصهيونى والآن نصمد أمام ضربات الإرهاب الموجعة، صفا واحدا شعبا وقوات مسلحة، وكما استعدنا الأرض سنستعيد سيناء من جديد وكما كتب عمنا سمير عبدالباقى: «مصر غنيوة الألم لحن الجراح اللى عايشة العمر تتحدى الزمن، والأسى وسود الليالى والقدر، عمرها تزققنى ألحان الحماسة، أعشق الأحلام ولا أخشى الخطر، مصر تعرف فى السياسة.. عارفة إن الشمس فوق سيناء يطلعها البشر».
 
هذه خبرات الصمود والعض على الجراح، ووضع الملح على الجرح، ونضع على الجرح السكين ونعبر من الألم إلى الصمود نحو الوطن المقبل من أعماق الجرح وأحلام الشعراء العشاق، أن فقدنا فى أرضنا ألف شهيد بكرة غيرهم يتولد، وستظل سيناء وكل ذرة من تراب مصر لا يغتصبها لا عدو ولا إرهاب.
نقلا عن اليوم السابع
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع