الأقباط متحدون - خطيئة «سيد قطب»
  • ٠٣:٢٩
  • الاربعاء , ٢١ يونيو ٢٠١٧
English version

خطيئة «سيد قطب»

مقالات مختارة | بقلم :د. محمود خليل

٤٣: ١٠ م +02:00 EET

الاربعاء ٢١ يونيو ٢٠١٧

د. محمود خليل
د. محمود خليل

 فخ أساسى وقع فيه المرحوم سيد قطب، عندما نصّب نفسه سيداً على العالم، ليصف مَن يخالفه فى التفكير، أو فى الإيمان، أو فى الرؤية العقائدية، أو فى الأداء السلوكى بأنه يحيا حياة جاهلية. تحدث «قطب» كثيراً فى كتاباته عن مفهوم «العبودية لله»، وأشار إلى أن العبودية الحقة تعنى التسليم الكامل لله عز وجل، واستشهد فى كتابه «معالم فى الطريق» بالواقعة التى دخل فيها ربعى بن عامر، على كسرى فارس، فسأله الأخير: مَن أنتم؟!. فردَّ عليه قائلاً: نحن قوم بعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، وذكر «قطب» أن هذا الكلام يعد تفسيراً للآية الكريمة التى تقول: «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ».

 
وحقيقة الأمر أنه لا يوجد بشر يعبد بشراً، وإنما يظهر فى الحياة بشر يحلمون بأن يعبدهم الآخرون ويتبعوا خطواتهم، ويؤمنوا بأفكارهم ويسلكوا مسلكهم فى الحياة. قد تجد لأمثال هؤلاء تابعين كثيرين، لا يسوقهم الإيمان قدر ما يحركهم الخوف من ذلك البشر المتأله الذى يريد من الجميع السمع والطاعة له. قد تسمع من هؤلاء التابعين كلاماً يشى بأنهم عبيد لذلك المتأله، لكنهم يرددون الكلام بألسنتهم لا يجاوز حناجرهم، أما القلوب فلا سلطان عليها إلا لمقلّب القلوب، وكذلك الأرواح لا سيطرة عليها إلا لخالق الأرواح. أخطأ سيد قطب فى قراءة المشهد الذى يعيش فيه، فنظر إلى حال المصريين ونعتهم بالجاهلية، ليس المصريين وفقط، بل المسلمين فى كل أرجاء المعمورة، اتهمهم بهذا الاتهام الخطير، ونسى فى غمرة حماسه وهو ينسج هذه الأفكار أنه يلعب نفس اللعبة التى يلعبها غيره من المتألهين، وأنه لا يريد إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، بل يريد أن يخرجهم من عبادة غيره إلى عبادة فكرته والسير على منهاجه، وكأنه فيما يكتب لا ينطق عن الهوى، رغم أنه كان مثل غيره مغلوباً بهواه، وتلك خطيئته.
 
لو تأمل سيد قطب قصة فرعون موسى بأناةٍ، لأدرك حجم الخطأ الذى وقع فيه. فقد أعلن فرعون نفسه إلهاً للمصريين: «وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِى»، لكن القرآن لا يذكر أن المصريين صلوا وصاموا وقاموا باسمه، ما يذكره القرآن أنهم أطاعوه، ويفسر ذلك باستخفاف فرعون لهم من ناحية، وفسقهم -وليس كفرهم أو جاهليتهم- من ناحية أخرى. يقول تعالى: «فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ». والقرآن يذكر أن من بين المصريين من رفض هذا السفه الفرعونى، مثل سحرة فرعون الذين آمنوا برب موسى وهارون، لما جاءهم موسى بمعجزته، يحكى القرآن أيضاً قصة مؤمن آل فرعون: «وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ»، كان الرجل مؤمناً، لكنه لم يعلن عن إيمانه خوفاً من بطش فرعون، نصح قومه قدر ما استطاع، ثم فوض أمره إلى الله تعالى، وتذكر آل فرعون كلامه عندما حلت عليهم عقوبة الله فأغرقهم أجمعين.. «وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ».
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع