بقلم الدكتور رؤوف هـندي
الفاترينة باتـتْ شعار كثير من الحكومات والشعوب ولاسيما في الشرق الأوسط فما دُمتَ محافـظا عـلى الشكل الخارجيّ فأنت في أتمِّ عافية نفسيّة وسلوكية حتى ولو كنتَ من الداخل مختزنا لسيئات وموبقات الدنيا كلها فما دامتْ فاترينة العرض لديّك مزيّنة مضاءة ملونة فأنت في آمان حتى ولو كانت البضاعة متعفنة ومنتهية الصلاحية فأنت تصدّر للناس شكلك الخارجي وهذا هو المهم أما داخلك وجوهرك فهذه أشياء هامشية وهذه الفاترينة من شأنهاأن تخلق مجتمعات منافـقة كاذبة فاسدة متخلفة بل وتخلق زمنا يسمى بزمن الـقُبح !فنحن لديّنا تدين شكليّ فنرى مثلا السارق يهمس سرا أثناء ارتكاب جريمته"يارب استر"لأن مفهوم الدين تحول عندنا من جوهـر وقيم إنـسانية إلى مظاهر دراماتيكية وتـناسينا أن ديـنا لايظهر أثره الحميد على حياة صاحبه ومجتمعه لاقيمة له!وأخطر مافي المجتمعات المنافقة أنها تخاصم الفكروتعادي المنطق وتعـشق دفء القطيع بل ومن السهل استنساخ أفراده حتى يصبح الجميع عـجينة واحدة بلا ملامح أوتفكير فيكفي الآن أحد محترفي الفاترينة ان يطلق فكرة متخلفة معادية لـقيم العـالم الجديد وينـفخ فيها إعلاميا ليسير ورائها الملايين وهم مغيبون فنحن مجتمع أدمن الخرافة حتى الثمالة.
وسرتْ في كيانه حتى النخاع وعندما يغـيب العقل عن أمة يغيبُ عنها الوعي والفهم وكل أسباب الرقيّ والتحضّر فهناك وعن عمدٍ من يرمون بالعقـل في جُـب الخرافة والأساطير وسجن النص وقـيد الحرف ولايدركون قول سقراط"إن الحياة التي لاتخضع للفحص والنقد ليست جديرة بأن يحيياها الإنسان"وفي رأيي أن النصوص إن لم تكٌنْ تعبّرعن متطلبات الزمن وقيم العصر وإعلاء جوهرالإنسان باعتباره الرقم الأعظم في معادلة الوجود فهي نصوص ميّتة حتى ولو كانت ديـنية أو دستورية هذه هي الحـقيقة التي تأبى أن تدركها عقول محنطة في توابـيت الماضي السحيق الظلامي ويقول إبن رشـد" الله لايمكن ان يعطينا عـقولا ويعطينا شرائع مخالفة لها" ويقول فولتير" إن الذين يجعـلونك تعتقد بما هو مـخالف للعقل قادرون على جعلك ترتكب الفـظائع" فكٌن جـريئا في استخدام عقلك فهذا هو الشعار الذي رفـعه الفيلسوف إيمانويل كانط أحد أهم رواد الفكرالتنويري في التاريخ ولاتنخدعوا بمن يتربعون على عرش الفاتـرينة ولاتحوّل عـقلك إلى مخزنٍ لأوهام وأساطير وخرافات وفي إحيانٍ كثيرة لكي تُـبدع يـتوجب عليك أن تعطي ظهرك للآخرين كالموسيقار! الفاترينة هي أكبر حاضنة للطغاة ومتعـطشي السُلطة وحـملة المباخر دائما جاهزون والفاشية الدينية أشد خطرا وفتكا من الفاشية السياسية ولاتنسى إذا يوما قررت أن تبيع عـقلك فانتبْه أنه لايحق لك الأعتراض على الشاري! وللفاترينة قدرةٌ على خِداع النظر وخِداع السمع ومن هنا وقع للأسف الـكثيرون أسرى الخرافة وتغـييب العقل والتفكير وكراهية الآخر وعدم القدرة على التعايـش والتناغم في ظل تنوع وتعدد خلق به الله الكون والوجود فكٌنْ إنسانا في كل الاحوال وتمسك بفطرتك المحبة للبشر بكل قيمها العليا من الحق والخير والجمال وكما قال سقراط" الإنسانية ليست دين إنما رتبةٌ سامية يصل لها بعض البشر"والدين ليس طـقس ومظهر بل الدين ضمير وجوهر وقيم ! والإنسانية أوسع دائرة للمحبة والأخوّة والتسامح بين البشر جميعا ولكن للأسف نرى الأن من يقتلون يإسم الإله ويذبحون بإسم الإله ويحرقون بإسم الإله ولست أدري عن أي إله يتحدثون ! ويحضرني هنا بعضا من أقوال البابا فرنسيس رسول السلام والـمحبة بين البشر حين قال"الإله الحقيقي لايامر بالعنف والكراهية ولايبررهما وإن الله لايـحتاج حماية البشر فهو الذي يرعاهم ويحميهم"ولدينا كبشرخلقنا الله جميعا ومهما كانت عقائدنا أوأدياننا أوألوننا أوأجناسنا.
فلدينا مشتركات إنسانيةعديدة تجمعنا ولا تفرّقنا ولاتسبب جدلا أواحتقانا سواء بين أبناء الوطن الواحد أو حتى مع اهل العالم كله ولذا فترسيخ مفهوم القيم الإنسانية المشتركة في ظل الـتنوع والتعدد الحضاري والثقافي هو المخرج الوحيد لـنجاة إنسانـية باتتْ معـذبة من ويـلات التعـصب والكراهية! الـقيم الإنسانية الـمشتركة بيننا هي الأعظم والأبقى وهي طوق النجاة لهذا الـكوكب الأرضي بكل تـنوعه وثرائه الفكري والإنساني !
فالإنسـانية تسبق التدين الشكلي وتسمو فوق الفاترينة ومحترفيها وهنا يحضرني قول للأديب والفنان والشاعر والمفكر الإنساني الكبير جبران خليل جبران حينما قال مخاطبا الإنسان في كل زمان ومكان وبشاعرية قلم وسرمدية حروف نورانية" أنت أخي وأنا أحبُك سواء أكنت راكعـا في مسجدك أومصليا في كنيستك أوجالسا أمام صنمك أنت أخي وأحبك لأنك إنسان"فليتنا نتأمل قـول خليل جبران ونفكر فيه ونضعه امام أعيننا ونتمسك بكل فاترينة تضيء وتـشعُّ بالقيم الإنسانية.