الأقباط متحدون - رحلة في ذاكرتي الفلسطينية: بصمات فلسطينية في حرب عاصفة الصحراء
  • ٠١:٢٥
  • السبت , ٢٤ يونيو ٢٠١٧
English version

رحلة في ذاكرتي الفلسطينية: بصمات فلسطينية في حرب عاصفة الصحراء

ميشيل حنا حاج

مساحة رأي

٣٨: ٠٣ م +02:00 EET

السبت ٢٤ يونيو ٢٠١٧

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

الكاتب والمفكر ميشيل حنا الحاج
كثرت احتمالات الحلول السلمية التي تجعل الحلّ العسكري لأزمة غزو العراق للكويت في الثاني من آب 1990، ليس حلاًّ حتميّاً  أو لا بديل عنه. فقد اعتقد بعض المحلّلين أنّ قضية اجتياح الكويت، لم يكن من المتعذّر حلّها أو تجاوزها بالوسائل الدبلوماسية الهادئة. وكان عدد من رؤساء الوزراء السابقين، أي "السياسيين القدامى" الذين زاروا بغداد في محاولات لاطلاق سراح الرهائن الغربيين الذين كان العراق يحتفظ بهم، إضافة إلى السعي لإيجاد حل سلمي للأزمة... من المدافعين بقوّة عن [الحلّ] التفاوضي، كما قال جون بولوك وهارفي موريس في كتابهما "حرب صدام". وقد ظلّ عدد من الدبلوماسيين يتوقّعون حلاًّ سياسياً يظهر فجأة، في اللحظات الأخيرة، ويجعل تحـوّل "درع الصحراء " إلى "عاصفة الصحراء"، أمراً غير حتمي، بل وغير مرغوب فيه أيضاً.

وكان من أبرز السياسيين القدامى الذين زاروا بغداد آنئذ، كل من ادوارد هيث - رئيس وزراء بريطانيا سابقا، توني بن - وزير خارجية بريطانيا سابقا، ناكاسوني - رئيس وزراء اليابان الأسبق، أحمد بن بيللا - رئيس الجمهورية الجزائرية سابقا، إضافة إلى شخصيات أخرى كجيسي جاكسون، رامزي كلارك، ويلي برانت، وغيرهم كثيرون، جاءوا جميعهم ساعين للبحث عن حل سلمي يجنب المنطقة مخاطر الحرب.

وقد طرحت عدة مشاريع للحل السلمي ومنها مشروع سوفياتي وآخر فرنسي. لكن مشروع الحل الذي بات أكثر وهجا من كل الحلول الأخرى، هو الحل العراقي القاضي بتبادل الانسحابات من الأراضي المحتلة في هذه المنطقة من العالم. والمقصود بذ    لك، انسحاب العراق من الكويت مقابل انسحاب اسرائيل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، أي من الضفة الغربية والجولان. وهكذا نكون بصدد انسحاب يواكبه انسحاب مشابه ومقابل ومتزامن، فلا تبقى في المنطقة مناطق محتلة من دولة لا تملك حق احتلالها أو الهيمنة عليها.

ولكن المشروع الذي بدا للعالم آنئذ على أنه مشروع عراقي، ربما لم يكن بالضرورة كذلك. اذ ربما كانت له جذور فلسطينية بل ويوغوسلافية أيضا. وقد روى لي عزام الأحمد، سفير فلسطين في بغداد ابان أزمة الكويت، لدى تناولي طعام الغداء في فندق الرشيد في بغداد، معه ومع فاروق شكري مراسل وكالة الأنباء الفرنسية، حقيقة ما حدث والملابسات التي رافقت ذلك المشروع.

قال عزام الأحمد أن جذور المشروع قد تكون يوغوسلافية. اذ أوردها أحد الدبلوماسيين اليوغوسلافيين على مسامع أحد الدبلوماسيين الفلسطينيين العاملين في سفارة فلسطين في بلغراد، وذلك أثناء تناولهما طعام الغداء معا في أحد المطاعم اليوغوسلافية.  فقد أبدى الدبلوماسي اليوغوسلافي دهشته من اطالة أزمة العراق والكويت . فالعراق يحتل الكويت، وهو احتلال لا يختلف أبدا في حيثياته ونتائجه عن احتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية والسورية. اذن، استخلص الدبلوماسي اليوغوسلافي: "ليطالب العراق بتبادل عمليات الانسحاب من كل الأراضي المحتلة في المنطقة". 

وأدهش هذا الطرح الدبلوماسي الفلسطيني الذي بادر فور انتهاء الغداء، بالذهاب الى السفارة الفلسطينية ليدون في مذكرة مضمون الحوار الذي جرى بينه وبين الدبلوماسي اليوغوسلافي، ويبعث بتلك المذكرة  فورا الى تونس، معنونة لاهتمام الرئيس المرحوم ياسر عرفات.

وعندما قرأ  أبو عمار تلك المذكرة، لم يكن أقل اعجابا بمضمونها من اعجاب الدبلوماسي الفلسطيني العامل في السفارة الفلسطينية في بلغراد. ولذا عجل الى كتابة مذكرة موجهة لعزام الأحمد في بغداد، مطالبا اياه بنقل الاقتراح الى الحكومة العراقية.  وتلقى السفير عزام الأحمد مذكرة أبو عمار في ساعة متأخرة من الليل، ولكنه مع صباح اليوم التالي، عجل بالذهاب الى وزارة الخارجية العراقية مع الساعات الأولى لبدء الدوام فيها، وقدم لكبار المسؤولين مذكرة أبو عمار. ولم يعلق العراقيون بشيء على مضمون تلك المذكرة. 

لكن المرحوم صدام حسين بادر في اليوم التالي الى طرح المشروع العراقي بتبادل عمليات الانسحاب في آن واحد: انسحاب عراقي من الكويت، يقابله ويتزامن معه انسحاب اسرائيلي من الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة من قبل اسرائيل. ولم يعلم السفير عزام الأحمد (كما كان منصبه آىنئذ)، ان كان صدام حسين قد استقى فكرة ذاك المشروع من بنات أفكاره، أم من مذكرة أبو عمار، أم من نصيحة يوغوسلافية وردته مباشرة من بلغراد.  لكن المهم أن المشروع  قد طرح ،  ولكنه رفض من الأميركيين، كما رفض خصوصا من الاسرائيليين الذين لم يجدوا وجها للمقارنة أو الربط بين حالتي الغزو العراقي للكويت، كما ادعوا، والغزو الاسرائيلي الذي أدى لاحتلال اراض فلسطينية وسورية.

ولكن ذاك المقترح العراقي الصادر عن الرئيس صدام حسين، لم يكن الاشارة الوحيدة التي ربطت القضية الفلسطينية بقضية حرب عاصفة الصحراء.  فعندما بدأت الحرب في فجر السابع عشر من كانون الثاني 1991 ، وذلك بشروع الأميركيين بالقصف الجوي والصاروخي على الأراضي العراقية، رد العراق بقصف صاروخي مقابل على السعودية وعلى اسرائيل. وفي خطاب شهير للرئيس العراقي بعد انتهاء الحرب، ذكر صدام حسين  بأنه قد قصف اسرائيل بتسعة وأربعين صاروخا. واختتم خطابه بالتساؤل: "من سيقصفها بالصاروخ الخمسين؟".    لكن أيا من الدول العربية لم تقصف اسرائيل ولو بصاروخ واحد يكمل مجموعة الخمسين صاروخا. وهي لم تعد تفكر أبدا بقصفها ولو برشقات من رصاص البنادق والكلاشينكوفات. 

وعلى العكس من ذلك، فان بعض الدول العربية، باتت تخطط الآن لانهاء حالة الحرب مع اسرائيل، ولاطلاق حالة حرب أخرى مع ايران، باعتبارها دولة أكثر خطرا من اسرائيل على الأمتين العربية والاسلامية، علما بأن اسرائيل تحتل أراض عربية (فلسطينية وسورية)، وتهضم الحقوق الفلسطينية، ولا تعترف بحق اللاجئين بالعودة، أو بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة... بينما لا تحتل ايران أراض عربية غير الجزر الاماراتية الثلاث (أبو موسى، الطنب الكبرى والطنب الصغرى، وجميعها جزر غير مأهولة)، مع التذكير بأن احتلالها لتلك الجزر، قد تم من قبل جيش الشاهنشاه وفي عهده، وليس من قبل جمهورية ايران الاسلامية.

والخطأ الذي ترتكبه ايران الآن، بأنها لم تشرع بعد بالتفاوض مع دولة الامارات لايجاد حل مرض لتلك الأزمة، وينهي عملية الاحتلال تلك بطريقة مناسبة للطرفين، فيتم الاتفاق عندئذ (مثلا) على تقاسم النفوذ والسيطرة على مضيق هرمز الذي تفرزه احدى تلك الجزر من جانب وأراض ايرانية من الجانب الآخر، وعلى تقاسم منتوج النفط الذي تحققه احدى الجزر الثلاث والتي كانت تشكل كما أذكر، جزءا من امارة الشارقة. وكان الطرفان: ايران والشارقة، قد تفاوضا في مرحلة ما حول نفط تلك الجزيرة، واتفقا من حيث المبدأ على تقاسم العائدات، لكن حرب الخليج قد وقعت، وتم عندئذ تناسي مشروع ذاك الحل الذي يفترض بايران الآن، تأكيدا للنوايا الحسنة، العودة للتفاوض مع الشارقة أو مع دولة الامارات للتوصل الى حل عادل ومنطقي لتلك القضية التي باتت تستخدم كعذر لتأجيج العداء العربي ضد ايران.  فاهمال ايران السعي للتفاوض حول الجزر الثلاث، يشكل خطأ فادحا من جانبها، وهو خطأ مشابه للخطأ الذي ترتكبه بعض أو احدى الدول العربية، بتغليب الخطر الايراني على الخطر الاسرائيلي، لا لسبب الا لخلافات طائفية بسيطة بين الطرفين، اضافة الى نزاع  بينهما على مركز القيادة في المنطقة وفي العالم الاسلامي أيضا.

الاعلامي العربي الأول والمتميز لعام 2017، كما أطلقت عليه الهيئة العليا للاعلاميين العرب.
المستشار في المركز الأوروبي  لمكافحة الارهاب - برلين
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع