الأقباط متحدون - دستور ماعت.. وقانون الأزهر
  • ٠٢:٥٠
  • الأحد , ٢٥ يونيو ٢٠١٧
English version

دستور ماعت.. وقانون الأزهر

مقالات مختارة | بقلم :فاطمة ناعوت

٣٣: ١٠ م +02:00 EET

الأحد ٢٥ يونيو ٢٠١٧

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

 انتهى أمس الأول الشهرُ الكريم، الذى تُصفَّدُ فيه الشياطينُ، كما تخبرنا أدبياتُ الحسنات والآثام فى رمضان. لكن عشية غُرّة هذا الشهر الكريم، قبل بدايته بليلة، لم تكن، فيما يبدو، أغلالُ الشياطين وأصفادُها قد أُحكَمت على النحو الأكمل، فجرَتْ مذبحةٌ داميةٌ راح فيها أطفالٌ ونساءُ من أبناء مصر الطيبين، على يد إرهابيين أنذال أمطروا أبرياء عزلًا كانوا فى طريقهم للصلاة بأحد الأديرة. فكتبتُ مقالا هنا بزاويتى بجريدة «المصرى اليوم» عنوانه: «كيف سمحتَ بالدم وأنت كريم؟»، عاتبتُ فيه هذا الشهر الذى تُصفّدُ فيه الشياطين، وتتنزل الملائكةُ من عليائها إلى أرضنا التعسة. سوى أن تلك المذبحة الآثمة، كانت سبقتها بشهورٍ قليلة مذابحُ أخرى فى كنائس أخرى، دفع فيها أقباطُ مصر دمهم المسالمَ قربانًا للوطن مصر، دون ذنبٍ أو جريرة، وما زالوا يغفرون ويسامحون الخطاة ويدعون لهم ويباركونهم. وكان لا بد من وقفة حاسمة ضد الإرهاب الفكرى الذى هو أبٌ شرعى للإرهاب المسلّح الذى استفحل وتوغّل فى جنبات مصر.

ويا طول ما تأخرت تلك الوقفة! ربما كسلاً وربما إهمالا وربما تغافلاً وربما لسبب آخر لا أعلمه. وأخيرًا قرّر الأزهرُ الشريف أن يتحرّك ويُلقى حجرًا فى المياه الراكدة على ما بها من ظلام ووحل دام ركودُها عقودًا طوالا. وأنْ تتحرّك لمواجهة الشرّ متأخرًا جدًّا وجدًّا، خيرٌ، على كل حال، من ألا تتحرك على الإطلاق. فكان أن تقدّم الأزهرُ الشريفُ لرئاسة الجمهورية بمشروع قانون منحه اسم: «قانون مكافحة الكراهية والعنف باسم الدين» صاغه الدكتور «محمد عبدالسلام»، المستشار التشريعى والقانونى لشيخ الأزهر، وأقرّه فضيلة شيخ الأزهر، دكتور أحمد الطيب.

 
مشروع القانون منشورٌ فى الصحف لمن يودّ الاطلاع عليه. وبعيدًا عن أننى أراه محض امتدادٍ، أشدّ ظلمة وظلامًا وظُلمًا، للمادة (٩٨و) من قانون العقوبات، المعروفة شعبيًّا بقانون ازدراء الأديان، الذى استخدم تعسفيًّا وكيديًّا ضد أدباء ومفكرين وكتّاب، حتى تُكسر أقلامُهم وتُقصُّ ألسنُهم، وتُسجن أرواحُهم وأجسادُهم فى أقفاص حديدية، بعيدًا عن رأيى هذا، دعونى أطرح عليكم مشروع قانون آخر كتبه سلفُنا الصالح، أجدادُنا المصريون، قبل سبعة آلاف عامٍ، لمواجهة الظلام والظلم والإرهاب والتطرف والخمول والكسل والبلادة والرخاوة وانعدام الضمير والأدب. اسمه: «دستور ماعت». وأما ماعت، فهى «ربّةُ العدل» فى الميثولوجيا المصرية القديمة التى تعلو رأسَها ريشةٌ، هى رمزٌ للضمير والحق والعدل والأخلاق. ماعت ترونها محفورة على جداريات المحاكم فى جميع أنحاء العالم، معصوبة العينين (دلالة العدل المطلق)، تحمل فى يدها ميزانًا ذهبيًّا. فى لحظة المحاكمة، تنزعُ ماعتُ ريشةَ العدل من فوق هامتها، وتضعها فى إحدى كفّتى الميزان، وفى الكفّة الأخرى تضعُ قلبَ الشخص الذى يُراد محاكمته بعد موته. وهنا يُعرف وزن خطايا المُحاسَبُ وحسناته بكل دقّة، ليُحدّد إن كان سيدخل الفردوس لأنه خيّرٌ نيّرٌ صالحٌ وطيبٌ، أو يُلقى به فى غياهب العدم، لأنه شريرٌ أشِرٌ ظالمٌ مظلمٌ طالح، وفاسد.
 
يتكون دستور ماعت من اثنين وأربعين مبدأً تحفظ النظام والتحضر والسمو والرقى والرغد والأخلاق فى وطننا القديم، الأبدى. اثنان وأربعون مبدأ، بعدد محافظات مصر آنذاك فى عهودها السحيقة المشرقة، كانت هى النبراس والطريق للعيش الكريم فى مجتمع كريم يسكنه كرماء. وكانت تلك المبادئ ساريةً على الفرعون الملك، مثلما هى ساريةٌ على رجالات البلاط، ورجال الكهنوت، مثلما هى سارية على عامة الشعب. وتُسمى فى الأدبيات المصرية القديمة: «الاعترافات السلبية»، لأن المرء ينفى فيها عن نفسه كل الخطايا البشرية المعروفة، سأذكر لكم بعضها:
 
أنا لم أقتل، ولم أُحرّض أى أحدٍ على القتل. أنا لم أنتقم لنفسى، ولم أتسبب فى الإرهاب ولم أعتدِ على إنسان، ولا كنتُ سببًا فى ألم إنسان. أنا لم أكن سببًا فى ذرف الدموع ولم أظلم ولم أضمر نيةً فى أى شر. أنا لم أسرق ولم آخذ من بلادى أكثر من حصتى العادلة ولم أُتلِف المحاصيل والحقول ولم أحرم إنسانًا من حقّ له. أنا لم أستدعِ شاهد زور، ولم أكذب، ولم أجرح شعور أحد ولم أتحدث بمكر، ولا خداع. أنا لم أزدرِ أحدًا ولم أتنصّت على أحد. أنا لم أتجاهل الحقيقة ولم أجاوز الصواب فى كلامى. أنا لم أحكم على إنسان فى تعجّل أو قسوة ولم أغضب دون سبب وجيه للغضب. أنا لم أعرقل تدفق المياه الجارية فى النهر ولم أهدرها، ولم ألوّث المياه أو الأرض. أنا لم أتخذ اسم الله هزوًا. أنا لم أسرق من الله، ولم أُمنح عطايا أكثر ولا أقل مما هو مُستحق لى. أنا لم أطمع فى ممتلكات جارى ولم أسرق من الموتى ولم أمنع القرابين المقدمة إلى الآلهة ولم أذبح بقصد الشر ولم أعذّب أى حيوان. أنا لم أتصرف بمكر أو وقاحة. أنا لم أكن فخورًا أو مغرورًا ولا تصرفت بغطرسة ولم أُضخّم حالى ولا تجاوزت ما هو مناسب. أنا لم أعمل أقلَّ مما تتطلب التزاماتى اليومية. أنا أطعتُ القانون ولم أرتكب خيانة وطنى.
 
قارنوا بين دستور ماعت الذى كتبته ريشةٌ مصريةٌ قبل آلاف السنين، وبين قانون الأزهر الشريف الذى كتبته يدُ البارحة. ثم اهتفوا: طوبى لسلفنا الصالح.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع