الأقباط متحدون - تلك الأعمال الدرامية عن يهود مصر
  • ١٢:٠٤
  • الاثنين , ٢٦ يونيو ٢٠١٧
English version

تلك الأعمال الدرامية عن يهود مصر

مقالات مختارة | د.رياض حسن محرم

٤٧: ١١ ص +02:00 EET

الاثنين ٢٦ يونيو ٢٠١٧

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

 د.رياض حسن محرم  
 رغم تأثيرهم الملحوظ فى الواقع المصرى إقتصاديا وإجتماعيا وثقافيا فقد ظل يهود مصر على مدى تاريخها يشكلون أقلية سكانية صغيرة مقارنة بأعداد المسلمين أو المسيحيين، وفى أقصى تمثيل لهم لم يزيدوا عن بضعة عشرات من الألاف، ربما يرجع ذلك فى أحد جوانبه الى الطبيعة غير التبشيرية للدين اليهودى، وبرغم من أنهم شكلوا تاريخيا أقلية إلاّ أنهم لبراعتهم فى الأعمال الإدارية والمالية كان لهم وجودا نافذا وملموسا فى الدواوين الحكومية منذ الدولة الفاطمية كما تفوقوا فى بعض المهن كالطب والصيدلة وصياغة وبيع المجوهرات وأعمال المال والبنوك، لكن داخل تلك الأقلية كانت النسبة الغالبة منهم شديدوا الفقر ويمتهنون التسول وتتكفل بهم العائلات الغنية (موصيرى وقطاوى وسوارس) والجمعيات الخيرية للطائفة، وتزامنت الهجرات اليهودية الى مصر باستقرار الأوضاع وانتعاش الحالة الإقتصادية وإذدهار التجارة كما حدث فى زمن الفاطميين وفى عهد محمد على وبعد فتح قناة السويس أثناء حكم إسماعيل، وقد إنقسم اليهود فى مصر الى ثلاثة أقسام هم:

 
 
1- اليهود الأصليون:
وهم اليهود من أصول مصرية خالصة وشكلوا حوالى 15% من إجمالى اليهود.
 
2- اليهود المتمصرون:
وهم من أصول أجنبية هاجروا الى مصر واحتفط معطمهم بجنسيتهم الأصلية ليستفيدوا من الحماية الممنوحة لهم بموجب تصريح 1922 ولكنهم سارعوا للحصول على الجنسية المصرية بعد عقد معاهدة 1936 وسقوط مبدأ حماية الأقليات، وشكلوا حوالى 50%.
 
3- اليهود الأجانب:
وهم مثل بقية الجنسيات الأجنبية التى إختارت الحياة فى مصر.
 
وبناءا على الميثالوجيات والأساطير فإن اليهود المصريين يشكلون أقدم المجتمعات اليهودية فى العالم حيث نزلت التوراه على نبيهم موسى بطور سيناء وتولى نبيهم يوسف خزائن مصر وإستقدامه لقبيلته مرة أخرى بعد خروجهم من مصر، وفى العصر الحديث شارك بعض اليهود فى الحركة الوطنية وساهموا فى ثورة 1919 وكان منهم القيادى الوفدى المقرب من سعد زغلول المحامى ” ليون كاسترو” و “ديفيد حزان” الذى أعدمه الإنجليز، وفى تلك الأثناء نشأت ونشطت كثير من الروابط اليهودية وأندية المكافى فى القاهرة والأسكندرية وبعض المحافظات ومنظمة بوند اليهودية فى القاهرة، كما لعب اليهود دورا بارزا فى نشأة وتطور الحركة الشيوعية المصرية وخاصة فى حلقتها الثانية فى الأربعينات والخمسينات ومن أبرزها الحركة الديموقراطية للتحرر الوطنى “حدّتو” أكبر منظماتها والتى تمكنت من التغلغل فى صفوف العمال والطلاب والفلاحين والمثقفين وأنشأ مؤسس الحركة “هنرى كورييل” وهو يهودى مصرى قسما بالجيش يتبعه مباشرة عرف ب “قسم البيادة” وكان القاضى “أحمد فؤاد” هو حلقة الوصل بين التنظيم والضباط الأحرار الذين أسهمت حدتو فيه ب 37 ضابطا من المنتسبين اليها بتنظيم الضباط الأحرار وبعد قيام ثورة يوليو كان لها عضوان بمجلس قيادة الثورة، ومن المعروف أن منشورات الضباط الأحرار كانت تطبع بمطابع حدتو .
 
فى الوقت الذى وقف فيه مجموعة صغيرة من اليهود اليساريين على رأسهم يوسف درويش وريمون دويك وأحمد صادق سعد وشحاته هارون “والد ماجدة هارون رئيسة الطائفة اليهودية” ضد الصهيونية وإسرائيل وأسسوا ” المنظمة اليهودية لمقاومة الصهيونية” فقد كان معظم اليهود المصريين يؤيدون المنظمات الصهونية فى فلسطين “يأتى ذلك فى السياق العام لليهود فى جميع أنحاء العالم”، وإنتهازا للفرصة قامت جماعة الإخوان المسلمين بإعلان الجهاد المقدس ضد اليهود وتفجير العديد من المحلات والمتاجر الخاصة باليهود ” شيكوريل وعدس وبنزايون” وحرق المعابد اليهودية وغيرها وتحولوا بعدها الى الهجوم المباشرعلى حارة اليهود وسط دعاية دينية تستدعى آيات القرآن التى تصف اليهود بالخيانة للرسول وتآمرهم ضد الإسلام مستغلين فى ذلك إسلام العامة الشعبوى وظهرت أغانى من قبيل ” أخى جاوز الظالمون المدى” و ” يا مجاهد فى سبيل الله دا اليوم اللى بتتمناه” وغيرها، وبدأت الهجرات الواسعة لليهود الى أرض الميعاد وسط توترات وصراعات داخلية متفجرة قادت فى النهاية الى حريق القاهرة الشهير فى 26 يناير 1952 وقيام عناصر معينة بالهجوم ضد المصالح والممتلكات اليهودية ما أدى الى تدمير 500 محل “حسب محاضر البوليس” وقتل وجرح واصابة العديد منهم وهو ما سرّع بقيام ثورة يوليو، بعد الثورة حدثت هدنة مؤقتة مع الطائفة اليهودية واستقبل محمد نجيب الحاخام اليهودى، وعندما بدأ القادة الجدد للثورة يقتربون من المعسكر الغربى والولايات المتحدة مما سبب فى أنزعاج إسرائيل وإستخدمت بعض الشباب اليهودى فى القاهرة والأسكندرية فى سلسلة من التفجيرات ضد المصالح الغربية لإفساد هذا التقارب فيما عرف ب” عملية سوزانا” أو “فضيحة لافون وزير الدفاع الإسرائيلى وقتها” وتم إعتقال المزيد من اليهود وإعدام المتورطين فى العملية، وبقيام العدوان الثلاثى على مصر الذى خططت له وشاركت فيه إسرائيل إتخذ عبد الناصر قرارا باعتقال جميع من تبقى من اليهود ومساومتهم للخروج من مصر الى أية دولة أوربية وقد مُنح اليهود يومان لإخلاء ملكياتهم العقارية “التي صودرت في وقت لاحق من قبل الحكومة”، وأُجبروا على مغادرة مصر مع حقيبة واحدة ومبلغ من النقود لا يزيد عن عشرين دولاراً الى أية دولة أوروبية ومنها الى إسرائيل، بينما أصرّ قليل منهم على البقاء فى مصر، واستمر موقف النظام منهم ثابتا حتى أن عبد الناصر لم يشفع لهنرى كورييل ولاؤه العميق لمصر حيث حصل على خطّة الغزو الفرنسي لمصر في عام 1956 وكلّف المناضلة الشيوعية “جويس بلاو” بتقديمها إلى ضابط مصري كان ملحقا عسكريا بباريس هو “ثروت عكاشة” الّذي قدّمها بدوره إلى الرئيس جمال عبد الناصر ورفض الأخير رد الجنسية المصرية الى كورييل رغم رجاء ثروت عكاشة،، وبنهاية العقد الأول من القرن الجديد لم يتبقى فى مصر سوى 20 يهوديا من العجائز. 
 
  السيدة/ ماجدة هارون رئيسة الطائفة اليهودية المصرية
السيدة/ ماجدة هارون رئيسة الطائفة اليهودية المصرية
 
ثلاث أسباب رئيسية ساهمت فى سرعة خروج اليهود من مصر أولها تقدم قوات النازى بقيادة روميل فى الصحراء الغربية وخوف اليهود من إحتلال الألمان لمصر والخوف من مجازر هتلر ومحرقته لليهود، ثانيها ذلك الصراع الذى إحتدم بين العرب واليهود على أرض فلسطين ودوره فى تأجيج المشاعر الدينية والقومية والحروب بين مصر وإسرائيل والتصفية الإجبارية ليهود مصر بعد حرب 1956 أما العامل الثالث وهو الأهم فيكمن فى رغبة يهود مصر والعالم فى نجاح مشروع دولتهم وتوقهم للمشاركة فى بناء دولة إسرائيل، وبالرغم من توقيع إتفاقية سلام مع إسرائيل ومحاولات السادات الدائمة للتقريب والصلح تحت مسمى “كسر الحاجز النفسى” بين مصر وإسرائيل فقد وقف الحاجز الدينى والقومى حائلين بين التطبيع مع إسرائيل وإن كان للعامل الدينى الأولوية فى إستمرار الكراهية تجاههم، ولم يسمح الشعب المصرى لإتفاقيات التطبيع أن تمر وإستمر التحريض على اليهود فى المساجد والدعوات بفنائهم ترتفع عقب كل صلاة كسد عال منيع ضد إندماج إسرائيل فى المنطقة وفشلت جميع المحاولات المباشرة والإتفاقيات والمعاهدات أن تذيب جبل الجليد المتراكم لقرون طويلة، وجاءت أخيرا تلك الأعمال الدرامية السنيمائية والتلفزيونية التى صنعها فنانون لا يسهل التشكيك فى وطنيتهم وليسوا “فى الحقيقة” عامدين الى تسويق تلك الصورة عن اليهود ولكنها جزء من قناعتهم الشخصية، فعلى مدى عدة عقود لم يسجل من مظاهر التطبيع سوى ما عرف ب”مجموعة كوبنهاجن” لجماعة محدودة من المثقفين المصريين والإسرائيليين بالإضافة لبعض دعاة التطبيع من المثقفين الذين يعّدون على أصابع اليد الواحدة، ورغم أن ال 18 يوما فى إعتصام التحرير لم تشهد لمرة واحدة إحراق العلم الإسرائيلى “الذى شهد إحراقه كل الفعاليات الإحتجاجية والوقفات على سلالم النقابة” الاّ أن ذلك لم يكن يعنى تطبيعا حقيقيا ولكن رغبة فى الظهور بشكل موحد وتوجيه رسالة الى العالم، ولكن الصورة التى ظهر بها اليهود بشكل عام واليهود المصريين بشكل خاص فى تلك الأعمال الدرامية بعد الثورة جاءت مغايرة لتظهر حبهم العميق لمصر وحنينهم الجارف اليها ولذكريات طفولتهم بها، ومن تلك الأعمال ما يقدمه المخرج الشاب “أمير رمسيس” من وثائقيات ودراميات عن اليهود المصريين يتقصى فيها من بقى منهم على قيد الحياة ويسرد لذكرياتهم عن فترة طفولتهم وعلاقاتهم الحميمية مع المسلمين والأقباط المصريين، ويحكى على ألسنتهم عن تسامح المصريين وخاصة الفقراء منهم تجاه اليهود والعلاقات الإنسانية والعاطفية التى ربطت بينهم، ومن هذه الأعمال فى رمضان الحالى يبرز عملان، الأول هو مسلسل “الظاهر” والثانى “حارة اليهود” وكلا العملين يجمعهما علاقة عاطفية بين فتاتان يهوديتان وضابطى جيش حتى تكتمل ملامح الصورة المراد أن تصل الى المتلقى عن إمكانية التعايش بل وإشتعال الحب بين طرفى نقيض وذلك لمحاولة تليين المسار المسدود وإيجاد ثغرة بسيطة قد تفتح أبواب المرور البريئ لثقافة التطبيع..أو التعايش على الأقل.

نقلا عن حركة مصر المدنية
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع