رسالة من مستشار شيخ الأزهر
مقالات مختارة | حمدي رزق
الثلاثاء ٢٧ يونيو ٢٠١٧
تلقيت رسالة من محمد عبدالسلام، المستشار التشريعى والقانونى للإمام الأكبر شيخ الأزهر، ونظرا لطول الرسالة سنحتفظ بتعقيبنا لاحقا.
طالعتُ بكل اهتمامٍ رأى سيادتكم فى مشروع قانون مكافحة الكراهية والعنف المقترح من الأزهر الشريف والمنشور بعمودكم اليومى، والمقال يدور إجمالًا حول نص المادة الرابعة من مشروع القانون التى تنص على أنه: «لا يجوز الاحتجاج بحرية الرأى والتعبير أو النقد أو حرية الإعلام أو النشر أو الإبداع للإتيان بأى قولٍ أو عملٍ ينطوى على ما يخالف أحكام هذا القانون».
وتذكرون أن هذه المادة «تصادر حقَّ المتضرر أن يلجأ إلى القضاء ضد مَن يتهمونه بالحضِّ على الكراهية، والتهمة كما هو واردٌ فى مواد القانون مطَّاطة، وتسمح بالمزايدات باسم الدِّين، وتصادر حرية الرأى والتعبير والإبداع».
كما تتساءلون سيادتكم: «كيف سوغ مستشار الإمام الأكبر لشيخه هضم الحريات الفكرية والإبداعية فى قانون ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، ويصادر حتى الاحتجاج بحرية الرأى، وكأنها منكرةٌ، ولا تجوز، ولا تصحُّ، وليست مستقرة فى الأدبيات القانونية التى توفر عليها المستشار درسًا وعملًا؟».
وتحذِّرون سيادتكم من مشروع القانون؛ لأنه «قانونٌ لا يعتدُّ بالحريات ولا يحتجُّ بها، ويهدر نضال القرون تمامًا فى مادةٍ واحدةٍ، ولا سبيل أمام الكاتب أو المبدع أن يحتجَّ بحريته أمام بلاغ يتَّهمه بما لم يستبطنه سوى الخرس تمامًا».. إلى آخر المقال.
وأود أن أنوِّه لسيادتكم عن بعض الملاحظات علَّها تردُّ على المثالب التى تفضلتم بعرضها على النحو الآتى:
أولًا: القاعدة فى تفسير القوانين أن نصوص القانون يكمِّل بعضها بعضًا، ولا يجوز اقتطاع مادة أو عبارة وتفسيرها بمعزلٍ عن باقى نصوص القانون التى يفسِّر بعضها البعض ويكمِّل بعضها البعض، ولذلك فإن الوقوف عند نصِّ المادة الرابعة وإخراجها من السياق الذى وردت فيه يخالف قواعد التفسير التشريعى، ويؤدى إلى معانٍ منبتَّة الصِّلة بالمقصود منها.
ثانيًا: إن كل التزامٍ سواء أكان سلوكًا إيجابيًّا بالفعل أم سلبيًّا بالامتناع هو فى حدِّ ذاته يعدُّ قيدًا على الحقوق والحريات، ويعتبر حق الملكية الفردية من أقدس الحقوق قاطبةً، ومع ذلك فإن كل تشريعات العالم، ومنها القانون المدنى المصرى بمادته الخامسة، قيَّدته بعدم جواز التعسف فى استعمال الحقِّ وأصبحت نظريةً عامةً، فكل حقٍّ أو حريةٍ تقف عند حدود عدم الإضرار بحقوق وحريات الغير.
ومِن هنا فإن مبادئ حرية الرأى والتعبير أو النقد أو حرية الإعلام أو النشر أو الإبداع يقيدها مبادئ عدم جواز الإضرار بالغير، ومبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون، وعدم جواز التمييز أو التفرقة بسبب الدِّين. وبالتَّالى فإن تقييد هذه الحريات بقيد عدم جواز الحضِّ على الكراهية أو التفرقة والتمييز بسبب الدِّين هو أمرٌ مقبولٌ دستوريًّا وإنسانيًّا لحماية وطن من الفتن، لأنَّ الحرية المطلقة هى عنوانٌ للانفلات الذى يضرُّ بالكافة ويهدِّد تماسك المجتمع.
ثالثًّا: إن المشروع بما فى ذلك المادة الرابعة مأخوذٌ به ومُطبَّق فى عدد من التشريعات المقارنة بالدول الأخرى.
رابعًا: إن المشروع برمَّته هو رأى خالصٌ لوجه الله والوطن لحماية مصرَ ووَحدتها من شرور الفتنة وإعلاء قيم الإخاء والتسامح والمواطنة والمساواة وقبول الآخر، وقد عكف عليه فريقٌ من المخلصين، وتدارستْه هيئة كبار العلماء، وجرى رفعه للجهات المختصَّة باعتباره مقترحًا ووجهة نظرٍ لا تقيِّد ولا تُلزم السلطة التشريعيَّة المختصَّة التى يحقُّ لها أن تناقشَه وتأخذ به أو تعدِّله أو تضيف إليه، ويحقُّ لسيادتكم- ولكلِّ أصحاب الرأى- أن يدلى بدلوه فى مشروع القانون دون إجحافٍ أو إلحافٍ أو تعريضٍ بالأزهر الشريف الذى اجتهد وأبدى رأيًا يجب احترامه، أخذًا بحريَّة الرأى التى يدافع عنها البعض ثم ينكرها على الأزهر الشَّريف.
خامسًا: إن التخوُّف من اتساع مفهوم بعض المصطلحات الواردة بالمشروع هو تخوُّفٌ مشروعٌ لدى البعض من أصحاب الرأى، وحاولنا قدرَ الإمكان ضبط هذه الصياغة لتحديد مدلولها، وهى مشكلة عامَّة فى العديد من الاصطلاحات القانونية بالقوانين المختلفة التى تتم معالجتها بأدوات الصياغة التشريعيَّة وقواعد التَّفسير المستقرة وفقا لما تواتر عليه العمل التشريعى.
وأخيرًا: أمَّا عن تساؤل سيادتكم: «كيف سوَّغ مستشار الإمام الأكبر لشيخه هضم الحريات الفكرية والإبداعية فى قانون ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، ويصادر حتى الاحتجاج بحرية الرأى»، فلا أملك يا عزيزى الفاضل سوى أنْ أدعوَ الله أنْ يعفوَ عنَّا وعنكم فى هذه الأيام المباركة.
نقلا عن الوطن