ثَوْرَةٌ مِنْ نَوْعٍ آخِرٍ
ماجد سوس
٠١:
٠٦
م +02:00 EET
الاربعاء ٢٨ يونيو ٢٠١٧
بقلم : مَاجِدُ سُوسٍ
الطيبَةُ وَ الوداعة أَصبحت عُملةٌ نادرةٌ في أَيَّامنا هذه فتجِد من يقِف مزْهوًّا و هو يَنْعَتُ آخر بهاتينِ الصّفَتين بعد أن كانتا هما أَصْل الإنسان المخلوق على صورة الله و أَصبحت العصبيَّة و الرُّدود العنِيفة الجارحة القاسية هي السِّمَة الغالبة حتى على أبناء الله في مُجتمعاتِنا و تجمعاتنا .
وعلى الرَّغم مِن أَنَّ العصَبيّة خَلَلٌ نفسيٌّ يُصيب الإنسان و ضَعْف رُوحيّ يُعدُّ بمثَابة خَطّيَّة مُكْتَملة الأركان إِلَّا أَنَّك تَجد من يُبرِّر عصبيَّة شخصٍ بِمقولة بَسّ طيِّب أو عصبي بَسّ رُوحَاني
أَنا أَتفهَّم أَنْ يكونَ الإنسان الرُّوحيُّ إنسانًا مُجاهِدًا ضد عصَبيَّته رافضًا لها مُصَلّيًا بدموعٍ ليرفعها عنه الرَّب يسوع ، عارف في أعماقه انها تغضبُ قلب اللَّه و هي تحتاج إلى جهاد يوميّ وتدريب شاق و توبة حقيقيَّة و صلاة بدموع ليرفعها الله .
بعيدًا عن العوامِل الوراثية هناك عوامل مُكتسبة تظهر في طريقة التَّربية مِن الصغر فالطّفل الَّذي يُقسى عليه يَصير رجُلا عصبيًّا أَو العكس الطِّفل المُدَلَّل مِن صغرِهِ تظهر عصبيتهُ بِشدَّة حينما لا يحصل على مايريده حتى مع تقدم سنه و لاسيما مع تَضخُّم الأَنا التي تكتَبُر بالتوازي مع كِبر الذَّات.
على أَنَّ العامل الأَكبر في تكوين الشخصية بجَانب الأُسرة هي المَدرسة و الجامعة و بمنظُورٍ أَعلى أَقصد منْظُومة التَّعليم ككل فَقَهر الطالب و ضَربِهِ المُستمر و إهانَتهِ بِجرح مشاعِره سواء بالشَّتيمة أَو إحراجه أَمام زُمَلائه كل هذا يَنْقُشُ تعَبًا نفسيًّا عميقًا في خلَجَات النَّفس يَصعُبُ شِفَاءهُ .
و المصيبة الكبرى تكمن في المناهج التعليمية ووسائِل التَّعليم مِن جِهة و نظام الِامتحانات و طريقة تَقييم الطَّالب مِن جهة أُخرى.
رهبة الطَّالب مِن الفشل و خاصَّةً في الثانويَّة العامَّة و لاسيما انه لا يُؤخذ في الاعتبار كل جهده الفائِت و سنوات الدراسة السابقة و كل ما تَحصّل عليه مِن درجات أَو تقْدير طوال كل أَيام دراستهِ كل هذا لا قيمة له فأمره يتحدَّد في امتحان واحد فقط ، كل هذا يُصِيبُ الطَّالِبُ بِأمراض نفسيَّة خطيرة تَعلِقُ به حتَّى بعد تخرُّجه مِن الجامعة فتجد مَن يُصَاب بالخَوف المرضي و القلق و التَّوَتُّر أو الِاكتئاب و غالبا ما تكون العصَبيَّة عاملا مُشتركًا بينهم و يعاني المجتمع و أسرته و أبناءه من عصبيته و قلقه الدائم .
أما المناهجِ فحَدِّث و لا حرج من تكديسِ المعلومات و ثقلها إلى الموضوعات ذاتها و طريقة تقديمها و بدلًا مِن أَنْ ييكون تقييم الطَّالِب مِن خلال أبحاث و مشاريع يقدّمها و يقوم بعرضها أَمام زملائه كما يحدث في كل بلاد العالم أَو بالدراسة العمليَّة في المعامل و عمل النَّدوات والحوارات المفتوحة و المسابقات و في كل هذا يُقِيم الطَّالب و يحسب لهُ كل جهد يضافُ إِلى رصيده فيشعر بالآمان و الثقة في النفس و الأمل في مستقبل يحدده بنفسه و حسب ميوله و مهاراته .
مُنذُ أَيَّام سمعت عَنْ استقالة أُستاذة جامعيَّة في كلّية أَدبية بسبب سلوكيات الطلَاب و استقالة أستاذة في طب قصر العيني لِأَنها لا تريد أَنْ تشترك في تخريج أطباء بهذا السلوك و هذا المستوى العلمي الضعيف
أَنظر إلى سلوكيَّات النَّاس في الشَّوارع الآن و كيف ساءت ، أَنظر إلى حالات التَّحرُّش التي ازدادت وتنوّعت و بكل أَسف أَصبحت حديث المجتمع الدَّولِي لذا من المهم أيضاً وجود كتباً دراسية تبني سلوكيات الطالب الإيجابية كفن الإتيكيت و فنّ التَّعامُل مع الآخرِ و نعلَمه فيها كيف يتحدث و كيف يتحاور و كيف يتصرف في المواقف الاجتماعيَّة المختلفة و كيف يأكل و توجيه سلوكه مع الآخرين حتى في وقت التَّرفيه و أثناء اللَّعِب .
بحٌّ صوتِي مِنْ سنوات و أَنا أَقول لماذا لا تدرس مادة المرور وسلوكيّات المشاة و التَّعاملِ مع الممتلكات العامة و الخاصّة و تدريب الطلاب عمليًا على السلوك في الشَّارع و في الأَماكن العامَّة ويدرس هذا مِنْ التَّعليم الِابتِدائي و ما بعده و حين يصل إلى المرحلة الثَّانويَّة يدرس كل ما يخص طريقة سوّاقة السيارات و الِالتزام بقواعد المرور الَّتي سبقتنا فيها دول عربيَّة كثيرة كانت خلفنا لسنوات .
إِنْ كنا نخاف على مصرنا بحق فعلينا أَنْ يكون شغلنا الشَّاغل في المرحلة القادمة هي بناء سلوكيات الإِنسان المصري من جديد مستخدمين كل ما نملك مِنْ وسائل و تقنِية و إعلام و سوشيال ميديا حتى تسمع الدنيا صوتنا في ثورة جديدة مِنْ نوع آخر و هيَ ثورة لبناء المصريّين مع ثورة بناء مصر .