موقف مصر من الأزمة القطرية.. تابع أم قيادى؟!
مقالات مختارة | بقلم : منى مكرم عبيد
٢٣:
٠٩
م +02:00 EET
الاربعاء ٢٨ يونيو ٢٠١٧
تصاعد وتيرة الأزمة القطرية ليس مفاجأة، خاصة أن الخطوات القطرية فى السنوات الأخيرة كانت محل قلق وترقب من أغلب الدول العربية والأجنبية، وكانت هناك تحليلات وتقارير تشير إلى دور خفى تلعبه قطر، وتزايد هذا الدور بعد ثورات الربيع العربى، وبالرغم من الهدوء النسبى الذى خيم على الأزمة الخليجية- القطرية فى 2014، إلا أن تصاعد القرارات الأخيرة يثير كثيراً من علامات الاستفهام.
وإذا كانت شرارة الأزمة اندلعت عقب تصريحات تم بثها عبر وكالة الأنباء القطرية بشأن الدفاع عن إيران والخروج على الصف الخليجى فى وقف كل أشكال التعاون مع طهران، والإشارة إلى أن حسابات الوكالة على مواقع التواصل الاجتماعى تم اختراقها وبث أخبار مغلوطة، إلا أن اقتحام السفارة الإماراتية بالدوحة، واختراق الحسابات الشخصية لسفير الإمارات بواشنطن يوسف العتيبة، مع ثبوت واقعة تقديم الأموال فدية إلى جماعات إرهابية للإفراج عن أفراد من العائلة الحاكمة بقطر، دفع كلاً من السعودية والإمارات والبحرين ومصر إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، وإغلاق المجال الجوى أمام خطوط الطيران القطرى، والكشف عن قائمة الإرهاب الصادرة عن السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، 59 شخصا من 10 جنسيات عربية، أحدهم يحمل جنسية مزدوجة «كويتى- سعودى».
ولكن ما يهمنا فى هذا الإطار، أين الرؤية المصرية فى التعامل مع هذه القضية، فهل تملك القاهرة أجندة واضحة المعالم، أم تكتفى بموقفها المشترك مع السعودية والامارات، خاصة أن التصريحات الصادرة عن الكويت التى تلعب دورا فى الوساطة لا تشير إلى أى ردود أفعال من الدوحة تجاه الأزمة مع القاهرة، والإشارة فقط إلى أن قطر تتفهم هواجس أشقائها بالخليج، وتنازلات قدمتها دول الخليج للحالات الإنسانية للمواطنين، بينما لا يوجد حديث حول كيفية التعامل مع الغضب المصرى، كذلك لم تظهر أى بوادر للتعامل الجديد فى العلاقات مع الأردن بعد أن قامت بتخفيض العلاقات الدبلوماسية مع قطر إلى أدنى مستوى، ناهيك عن استخفاف قطر بقيام عدد من الدول العربية والأفريقية الأخرى باتخاذ موقف مماثل للموقف الخليجى، مثل موريتانيا وجزر القمر والنيجر وغيرها.
وإذا كانت مصر صعدت من جانبها إلى مجلس الأمن لإدانة قطر لتعاملها مع المنظمات الإرهابية، إلا أنه لم يتم الاعتراف بقائمة الإرهاب الصادرة عن مصر والسعودية والإمارات، والاكتفاء بالقائمة المعترف بها بمجلس الأمن، وهو ما يشير إلى فشل مصر خلال سنوات مضت إلى إدراج عدد من الجماعات والأفراد فى قائمة الإرهاب، وأن الجهود لم تستمر بالشكل المناسب، وإذا كنا فى هذه المرحلة الحرجة، وبالرغم من تغير المزاج العام العالمى وليس العربى فقط تجاه قطر، إلا أنه لم يكلل بالنجاح المنتظر نتيجة التراخى فى مخاطبة مجلس الأمن والأمم المتحدة بكثير من الوثائق التى كان يمكن أن تدعم الموقف المصرى فى هذه الأزمة، وهو نفس الموقف الذى لم تنجزه الخارجية المصرية فى التعامل مع هذا الملف فى الكونجرس الأمريكى، فبالرغم من وجود مشروع قرار لإدراج الإخوان على قوائم الإرهاب، إلا أنه لم يتم تمرير الأمر باحترافية وسمح لدول أن تستخدم نفوذها لعرقلة ظهور هذا القرار، مثلما فشلت مصر أيضا فى الضغط لخروج التقرير البريطانى الذى يربط الإخوان بالعنف والإرهاب.
أخشى أن تنتهى الوساطة الخليجية بتفاهمات بين هذه الدول، وتخرج مصر من المعادلة دون أن تستفيد من هذا الموقف.
بالطبع لا نريد مزيدا من الانشقاق للدول العربية، ومن الأفضل أن تحترم قطر الصف العربى لخدمة قضايا المنطقة، والحفاظ على علاقات الأخوة التى تجمع بين الأشقاء العرب، ولكن فى نفس الوقت لا يمكن أن تلعب الدوحة دورا سلبيا فى مصر وسوريا وليبيا واليمن ويتم تجاهل الأمر، وإذا كانت وجدت سندا وعونا من الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة باراك أوباما، إلا أنها الآن تواجه موقفا مغايرا من إدارة دونالد ترامب، الذى عبر أكثر من مرة عن ضرورة توقف قطر عن دعمها لجماعات العنف.
ربما تتغير المواقف الأمريكية فى ضوء تضارب تصريحات دونالد ترامب الذى يتخذ موقفا مضادا لسياسات قطر، بينما يدعو وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون إلى حل الخلافات بين دول الخليج.. وإذا التفت الدوحة على هذه الاتهامات بضخ مزيد من المليارات فى صورة تعاون مشترك مع عدد من العواصم الغربية، فى ظل تلميحات إلى رغبة البيت الأبيض فى الحصول على عقود تسليح أضعاف ما تم التوصل إليه مع الرياض مؤخرا، وقامت بتصحيح موقفها مع الدول الخليجية، يعنى تجويف القضية واستمرار احتضان الإرهابيين، والتدخل فى شؤون الدول العربية، وإهدار حقوق أسر الشهداء من الجرائم الإرهابية التى سبق أن اتهمت مصر قطر بالوقوف خلفها، خاصة العمليات الإرهابية فى سيناء والصعيد.
دماء الشهداء وحقوقهم لن تسقط، وعلى القاهرة أن تتعامل مع هذه الأزمة باحترافية، فإما أن يتم التصعيد لأقصى درجة والوصول إلى نتائج جيدة لتحقيق الوفاق العربى ومنع التدخل فى الشؤون الداخلية، ووقف تمويل الإرهابيين واحتضانهم، وتخليص منطقة الشرق الأوسط من كل المنظمات والكيانات الإرهابية وطردهم، مع وضع حد للمهاترات القطرية فى السودان وإثيوبيا لإزعاج القاهرة، وإما أن يظل الموقف المصرى غير واضح ويعتمد على تحركات السعودية والإمارات، وردود فعل الدوحة وما تقدمه من تنازلات لتخفيف حدة الانتقادات التى تتعرض لها.
هل تعى القاهرة ذلك أم لا؟
* برلمانية سابقة وأستاذ العلوم السياسية
نقلا عن المصرى اليوم