وأخيراً سقطت دولة الخرافة
د. عبد الخالق حسين
٢٩:
١٠
ص +02:00 EET
الأحد ٢ يوليو ٢٠١٧
د.عبدالخالق حسين
بشهادة مراسل بي بي سي، استعادت قوات الأمن العراقية السيطرة على موقع حطام جامع النوري الكبير في الموصل بعد طرد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية، وأن " الخلافة المزعومة للتنظيم المتشدد تنهار من الداخل والخارج". كما وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن استعادة السيطرة على منطقة جامع النوري "نهاية دويلة الباطل الداعشية".(1)
وبهذه المناسبة التاريخية السعيدة، نقدم التهاني الحارة لقواتنا المسلحة الباسلة، وفصائل الحشد الشعبي، والبيشمركة، والعشائر، والقوات الدولية، على انتصارها الساحق على قوى الشر والظلام. وهو انتصار ليس على داعش فحسب، بل وعلى قياداتها السياسية المشاركة في العملية السياسية، الذين مهدوا لمجيء داعش باعتصاماتهم ومؤتمراتهم سيئة الصيت، و قدموا مناطقهم لقمة سائغة للدواعش "الثوار" على حد تعبيرهم، من أجل إفشال العملية السياسية ووأد الديمقراطية، ولكن رُدت سهامهم إلى نحورهم، وباؤوا بالفشل المبين. وهذا درس يجب أن يستوعبوه، وإلا فمصيرهم كمصير سيدهم صدام حسين، في مزبلة التاريخ.
وكما ذكرتُ في مقال لي بعنوان (تسليم الموصل لداعش بالتواطؤ)(2)، أن تسليم الموصل إلى داعش قد تم بمؤامرة شاركت فيها قوى محلية ودولية لتحقيق غاية حقيرة وعلى رأسها التخلص من رئيس الوزراء السابق السيد نوري المالكي بعد أن فشلوا في إزاحته بالوسائل الديمقراطية، غير مبالين بما ستكلف هذه المؤامرة الشعب العراقي من تكاليف باهظة في الأرواح، والممتلكات، وتعطيل التنمية و الإعمار، وثلاث سنوات عجاف عانى منها أهاليهم أشد المعاناة.
كما وأود التأكيد مرة أخرى، أن ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، ما هو إلا فلول البعث و جيش الحرس الجمهوري الذي أسسه حزب البعث بعد اغتصابه السلطة عام 1968. وقد حافظ صدام حسين على هذا الجيش، فلم يزجه في حروبه العبثية، و جهزه بأرقى الأسلحة والتكنولوجية، والتدريب، والولاء والشحن الأيديولوجي، والانضباط العسكري، وكانت مهمة هذا الجيش حماية السلطة البعثية من غضبة الشعب. وحتى المدعو (أبو بكر البغدادي) هو بعثي، وكذلك المرشحان الحاليان لخلافته هما ضابطان من بقايا ضباط الحرس الجمهوري البعثي.
لذلك، فما يسمى بـ(داعش) ما هو إلا فلول البعث الساقط الذي اتخذ من داعش اسماً وغطاءً لتدمير العراق. فقد بات معروفاً للقاصي والداني أن البعثيين ارتكبوا جميع جرائمهم الإرهابية ضد الشعب العراقي بجميع مكوناته بأسماء تنظيمات إسلامية وهمية مثل: جند الإسلام، وجيش محمد، وجيش النقشبندية، وأخيراً استقروا على اسم (داعش). ففي العراق داعش تعني فلول البعث، وهو في تحالف مع القاعدة. يعني (داعش) وأيديولوجيتها المتخلفة هما نهاية البعث.
لذلك، فهزيمة داعش يوم 29 حزيران 2017، تعتبر السقوط الثاني للبعث بعد سقوطه الأول يوم 9 نيسان/أبريل 2003، والسقوط الأخير الذي تم في الموصل هو سقوط البعث بنسخته الداعشية، ويمثل سقوطاً في نظر أهل السنة الذين خدعتهم قياداتهم فربطوا مصيرهم بالبعث وبدوافع طائفية. فهذا السقوط أكد لهم مرة أخرى أن البعث شر على الجميع، و أنه لا يصح إلا الصحيح، وأن من يتخذ الإرهاب وسيلة لتحقيق أغراضه السياسية مصيره السقوط والهزيمة والعار والشنار. والجدير بالذكر أن هذا السقوط لا يعني نهاية الإرهاب في العراق، إذ لا بد وأنهم زرعوا آلاف الألغام في الأماكن التي احتلوها، ولا بد من خلايا نائمة، تقوم بأعمال جبانة هنا وهناك بين حين وآخر، فهذه الأعمال الإجرامية تحصل حتى في أوربا.
ما بعد داعش
كتب كثيرون من الزملاء مئات المقالات عما يجب عمله ما بعد داعش. أما ممثلو داعش السياسيون من أمثال الأخوين النجيفي وغيرهما، فمازالوا يهددون بما سيأتي بعد داعش، و راحوا يتوعدون بداعش آخر، وبأشكال وأسماء أخرى أشد توحشاً إن لم تستجب الحكومة المركزية لمطالبهم!! وهذا ممكن. والسؤال هنا: ما هي مطالبهم؟ إعادة الشرعية لحزب البعث، وإصدار عفو عام عن كافة المجرمين الذين تورطوا في الإرهاب، وإلغاء الديمقراطية طبعاً وإبقاءها بالاسم فقط.
كما و حذر بعض المخلصين من احتمال قيام فلول داعش وخلاياهم النائمة بعمليات انتقامية ضد أهل السنة لعدم وقوفهم معهم. وهذا وارد أيضاً، فالبعثيون الدواعش، معروفون بنزعاتهم الانتقامية حتى مع أهاليهم، و تاريخهم الأسود حافل بالعمليات الانتقامية مثل قيامهم بتفجير مساجد أهل السنة في ديالى، والبصرة، واغتيالهم شخصيات دينية من أهل السنة، وأخيراً تفجيرهم لجامع النوري ومنارته الحدباء في الموصل.(3)
لذاك نهيب بالأجهزة الأمنية، وكل أبناء شعبنا بأخذ الحيطة والحذر من محاولات الدواعش المهزومين، فهم اليوم أشبه بالوحوش الجريحة التي تهاجم و تنهش كل من يقترب منها. كما ويجب على السلطات الإسراع في تسهيل إعادة النازحين إلى مناطقهم، ومدهم بالغذاء والدواء وفتح المدارس للأطفال.
و مما تجدر الإشاره إليه، أن هناك محاولات من قبل الذراع السياسي لداعش بعقد مؤتمر في بغداد هدفه سرقة النصر من أصحابه الحقيقيين الذين ضحوا بأرواحهم، والإدعاء بأنهم هم المحررون، ويطالبون اليوم بتطبيق مبدأ (عفا الله عما سلف، والعفو عند المقدرة...الخ)، الشعار الذي طبقه الزعيم عبدالكريم قاسم ودفع ثمنه مع شعبناً غالياً. فالذين تلطخت أيديهم بدماء شعبنا لا يعرفون لغة عفا الله عما سلف، إذ كما قال الشاعر العربي:
فمن يجعل المعروف في غير أهله.... يكن حمده ذماً عليه ويندمِ
والعاقل لا يلدغ من جحر مرتين. لذلك يجب إفشال هذا المؤتمر المشبوه، ما لم يمنعوا مشاركة كل من ارتكب جرائم بحق شعبنا وتواطأ مع داعش.
وأخيراً، نؤكد على السيد رئيس الوزراء العبادي، للمرة العاشرة، أن يواصل سياسته الحكيمة في كسب إيران وأمريكا إلى جانبه، وعدم معاداتهما، بل كسبهما والإستفادة منهما لصالح شعبنا، وعدم زج العراق في أي محور من المحاور المتصارعة التي ليس للعراق فيها ناقة ولا جمل.
المجد والخلود للشهداء الأبرار الذين دفعوا حياتهم ثمناً للنصر وتحقيق الوحدة الوطنية، وعزاؤنا لذويهم، وتمنياتنا للجرحى بالشفاء العاجل، والخزي والعار لأتباع دولة الخرافة.
روابط ذات صلة
1- معركة الموصل: استعادة السيطرة على موقع جامع النوري
2- د. عبد الخالق حسين : تسليم الموصل لداعش بالتواطؤ
3- د.عبدالخالق حسين: داعش تفجر جامع النوري في الموصل