الأقباط متحدون - الأبعاد الاستراتيجية المتعددة لأزمة الخليج،هل يمكن أن تؤدي لربيع عربي في دوله؟
  • ٠٥:٢٣
  • الأحد , ٩ يوليو ٢٠١٧
English version

الأبعاد الاستراتيجية المتعددة لأزمة الخليج،هل يمكن أن تؤدي لربيع عربي في دوله؟

ميشيل حنا حاج

مساحة رأي

١٩: ٠٩ ص +02:00 EET

الأحد ٩ يوليو ٢٠١٧

قطر
قطر

 المفكر والكاتب ميشيل حنا الحاج

الأزمة بين دول الخليج وقطر لها أبعاد كثيرة، ولا أحد يعلم الى أين تتجه.  فالخلاف بين هذه الدول قد تفاقم،  واعتقد البعض أنه ربما وصل الى طريق مسدود. واذا كان الفصل الاول من الازمة قد أدى لاستقدام قوات تركية، فهل من المحتمل أن يتطور الأمر، في الفصل الثاني من الصراع، لاستقدام حرس الثورة الايرانيةليقبعوا على الحدود القطرية السعودية، فلا تعود المملكة بالتالي بحاجة لأن تذهب بعيدا لتقاتل ايران، بعد ان باتت القوات الايرانية وحرس ثورتها الاسلامية، قابعين على حدودها مباشرة. 
 
وتدل بعض المؤشرات، على أنقطر ربما تملك أوراقا أكثر تلعب بها، مما تملكه دول الخليج من اوراق. فقطر تعد منذ زمن بعيد بدهاء وذكاء مفرط يبدو أن الأمير تميم قد تميز به، ليوم كهذا. فالتحالف الاستراتيجي الذي وقعه الأمير القطري الشاب مع الرئيس التركي أردوغان منذ عام 2014، كان رؤية مبكرة تشكل ردا على  التعهدات التي طالبته بها المملكة السعودية في عام 2013، فوعد بها، لكنه لم يلتزم بها، مما اضطر السعودية لمطالبته في عام 2014، للتوقيع على وثيقة خطية تتضمن تلك التىعهدات. وقد وقعها على مضض في أحد القواعد العسكرية السعودية بحضور أمير الكويت كشاهد على هذا الاتفاق، ولكن ليذهب بعدها الى تركيا ليوقع معها ترياق وثيقة السم التي اضطر للتوقيع عليها مع السعودية. وتمثل ذلك بالمعاهدة الاستراتيجية سابقة الذكر التي وقعها مع الرئيس أردوغان.

 وفي المقابل، فانالورقة الكبرى التي يمكن للدول الخليجية الثلاث أن تلعبها في وجه قطر، هي ورقة  طرد قطر أو تجميد عضويتها في مجلس التعاون الخليجي.ولكن حتى هذا الاجراء قد يكون مشكوكا بفعاليته، لكون طرد قطر أو تجميد عضويتهافي المجلس، وهو العنصر الرئيسي في العقوبات اللاحقة المتوقعة، يحتاج الى اجماع دول الخليج، ومن المرجحأنه لا سلطنة عمان أو امارة الكويت، سيوافقان على اجراء كهذا.
 
وتتحدث السعودية ودولة الامارات عن اجراءات قانونية وسياسية  ضد قطر.لكن أيا منهما لا يحدد بعد كنهها أومضمونها،وما اذا كانت مفيدة ، منتجة، أو حتى قابلة للتنفيذ. هذا في الوقت الذي تملك فيه قطر الكثير من الأوراق اضافة لورقتي تركيا وايران.  ومن الأوراق التي قد تملكها سرا وخفية، ورقة تحريك خلايا نائمة هنا وهناك تابعة للدولة الاسلامية أو للقاعدة، أو حتى لطالبان التي تملك قطر علاقة وثيقة معها، وذلكللعمل ضد مصالح بعض دول الخليج،  بغية اضفاء لمسة من الربيع العربي، وما حمله من دمار لبعض الدول العربية...على بعض دول الخليج، وما فيش حدا أحسن من حدا رغم الطبيعة الصحراوية لدول الخليج.
 
فاذا كانوا يتهمونها بكونها ممولة للارهاب، فان ما لفت نظري أنها ربما لم تكن مجرد ممول لبعض الحركات الارهابية، بل هي مؤسسة لبعضها. فقد لاحظت أن الخلاف الكبير الأول الذي نشب بين السعودية وقطر، قد بدأ في عام  2013، وهو العام الذي حصل فيه الانشقاق بين ابو محمد الجولاني امير تنظيم القاعدة في سوريا، وأبو بكر البغدادي أمير حزب الدولة الاسلامية القادم من العراق ليقاتل الحكومة السورية الى جانب أبو محمد الجولاني وتنظيم القاعدة الذي انتمى الرجلان  اليها. 
 
فدولة قطر ربما كانت تقف وراء نشوب النزاع بين الرجلين، والذي أدى لظهور داعش في ذاك العام، وهو التنظيم الذي لم يكتف بالتوجه لمقاتلة الحكومة السورية ككل التنظيمات الأخرى المسلحة،  بل شرع  أيضا في مقاتلة التنظيمات المسلحة التي تقاتل الدولة السورية. وكانت معركة أعزاز في الشمال السوري، وهي المعركة التي طردت فيها الدولة الاسلامية لواء عاصفة الشمال من مدينة أعزاز، من أكبر  المعارك التي خاضها ضد الجيبش السوري الحر، والتي انتهت بطرده من المدينة، وبحدوث انشقاق في صفوف الجيش السوري الحر،  واعلان بعض فرقه الخروج عن هيمنة الائتلاف السوري الحر الذي كان آنئذ يقود المعارضة السورية المسلحة.
 
لكن الأمر لم يتوقف لدى وقوع الانشقاق بين الجولاني والبغداديوظهور داعش نتيجة له، بل امتد ليشمل تلك النعم التمويلية والتسليحية التي هبطت فجأة على تنظيم داعش، والتي بات يرجح الآن أن مصدرها كان قطر. فتنظيم داعش الذي كان أضعف الفصائل المسلحة المقاتلة في بداية ظهوره، أصبح فجأة  وبما يشبه المعجزة، بعد ذاك السيل من التمويل والتسليح الذي هبط عليه فجأة، مانحا اياه قوة غريبة في حجمها وكيفية ظهورها...قوة  عجيبة بظهورها القوي لتضاهي قوة  الرجل الأخضر (The Hulk)....فتصبح داعش بالتالي أقوى تلك التنظيمات قاطبة، وربما مجتمعة، مما مكنها من مقاتلة الحكومة السورية، والجيش السوري الحر، وعددا من التنظيمات المسلحة، كلها في آن واحد،  بما فيها تلك المنتىمية والمؤازرة من قبل المملكة السعودية.
 
فهذا التطور الخطير هو ما أثار شكوك السعودية آنئذ، ودفعها منذ عام  2013، لتدخل في نزاع مع قطر، وتتهمها بدعم الارهاب، بل وربما بتأسيس احدى تنظيماته. فنفت قطر ذلك الادعاء، متعهدة بعدم السماح لأجهزتها مستقبلا القيام بتصرفات كهذه ، وهي التعهدات التي لم تحافظ عليها، مما اضطر السعوديةفي العام التاليللمطالبة بتعهدات خطية من قطر، وهي التعهدات التي اضطرت قطر للتوقيع عليها على مضض، لكن مهرولة بعدها، تخوفا من نزاعات قادمة مع السعودية، الى تركيا، مطالبة بتوقيع معاهدة تحالف استراتيجي مع انقرة كما سبق وذكرت.
 
 والواقع أن هذه الخطوة بحد ذاتها، قد كشفتحجم الفراغ في مدى التنسيق بين قطر ودول الخليج بشكل عام، ومع السعودية بشكل خاص,  كما كشفت عن مدى دهاء الأمير القطري، ومدى البساطة التي تكاد تبلغ حد السذاجة، لدى بعض دول الخليج الأخرى التي فوجئت باستدعاء القوات التركية، غير مدركة أن توقيع الاتفاق القطري التركي منذ عام 2014، لم يكن قد تم الا ليوم كهذا.
 
فالنزاع الخليجي كله مع قطر، نابع من مخاوف قطر من التوجه السعودي للهيمنة على مجلس التعاون الخليجي، (وهي الهيمنة التي تخشاها سلطنة عمان أيضا)، وبالذات من مساعيها لاحتواء قطر الى درجة قد تبلغ تحويل قطر لاقليم سعودي له حكم ذاتي. وكانت خلافات مريرة بعضها بلغ حد النزاع المسلح، قد  نشبت فعلا بين الدولتين في بدايات تسعينات القرن الماضي. فمخاوف قطر من السعودية، تبلورت للعيان بشكل واضح، منذ أن قرر الأمير الوالد حمد، السماح بانشاء قاعدة أميركية في عيديد تعنى بحماية المصالح الأميركية، لكنها تتعهد أيضا بحماية قطر من عدوان خارجي،وتضمن أمنها واستقلالها.
 
وجاءت لاحقامعاهدة الدفاع الاستراتيجيةالموقعة مع تركيا، لتستكمل بها قطر الفصل الثاني من الخطوات الاحترازية التي اتخذتها، للوقاية مما تعتبره خطر السعودية عليها.وربما تعد الآن لانجاز الخطوة الثالثة  التي قد تصل الى حد التعاون او التحالف العسكري مع ايران، ما لم تليها أيضا عملية انتقال بعضالدواعش من الموصل والرقة الى قطر أيضا، تماما كما انتقل قادة الاخوان المسلمين في مصر، من القاهرة الى الدوحة بعد الاطاحة بالرئيس محمد مرسي.
 
أما أكثر الدول حذرا  من هذه الازمة، فهي الولايات المتحدةالتي لها عشرة آلافجندي في قاعدة عيديد.  فأكثر ما تخشاه  أن يؤثر ذاك الصراع على عمل تلك القاعدة المعروفة باسم  سنتكوم،  أي القيادة الوسطى للقوات الاميركية في المنطقة. كما تخشى بحق، ان تتطور هذه الأزمة الى حد تخرج عن نطاق السيطرة، فتبلغ معهقضية التآمر والتآمر المضاد بين هذه الدول،مرحلة تحولها الى ربيع عربي آخر مدمر.
الاعلامي العربي الأول والمميز لعام 2017، كما أسمته الهيئة العليا للاعلاميين العرب.
مستشار في المركز الأوروبي لمكافحة الارهاب – برلين.
 

 

حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد