الأقباط متحدون | فقه التكفير
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٠:٥٣ | الأحد ١٣ مارس ٢٠١١ | ٤برمهات ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٣١ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

فقه التكفير

الأحد ١٣ مارس ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: عبد الرحيم علي
منذ أن فاز التيار القطبي في انتخابات مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، في يناير من عام 2010 بدأ أقطاب هذا التيار وفي مقدمتهم، المرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع، ونائبه الدكتور محمود عزت، حملة ترويج لسيد قطب ومشروعه الفكري، هدفها الرئيسي بعث أفكار الرجل من جديد، والتمهيد لاعتمادها كورقة رئيسية في منهج التربية داخل الجماعة. شملت حملات الترويج للمنهج القطبي ثلاث نقاط رئيسية:

الأولى ركزت على دماثة أخلاق الرجل، ورقة مشاعره، الأمر الذي ينتفي معه أن يكون داعية للعنف.
والثانية أن الرجل كان شاعرا وأديبا، وكان يستخدم لغة مجازية في كتابة أفكاره، حتى الفقهية منها،  الأمر الذي تسبب في خلط كثير عند بعض من قرؤوه.
والثالثة التأكيد على أن الرجل لم يقم أبدا بتكفير أحد من المسلمين أو غيرهم.
الرابعة وهي ملاحظة -من عندنا- حول مدى تأثير سيد قطب وأفكاره على كافة الحركات الجهادية التي أتت بعده.
ونظرا لأن الأمر جد خطير فسوف نتناول في هذا الفصل الرد على تلك النقاط الثلاث.

أولا: دماثة الخلق ورقة المشاعر:
وليسمح لي القارئ أن أروي له تجربة شخصية، حتى لا نوغل في الأحاديث النظرية كثيرا. ربما ما زال البعض منكم يتذكر أعمال العنف التي قامت بها "الجماعة الإسلامية المصرية"، وجناحها العسكري، في تسعينيات القرن الماضي، والتي بدأت باغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب في عام 1992، وانتهت بحادث الدير البحري، الذي أعلنت الجماعة – قبله بقليل- وقف العنف في يوليو1997.
وبين التاريخيين سقط على أرض مصر مئات الأنفس البريئة من مواطنين مسلمين وأقباط وسياح أجانب ورجال شرطة وجنود بسطاء، وكان يقف على رأس الجناح العسكري للجماعة طوال تلك الفترة، صديق طفولتي وصباي وزميل دراستي، حتى انتهاء المرحلة الثانوية، الدكتور صفوت أحمد عبد الغني. هذا الشاب الوديع الخجول، شديد الأدب، ذو الابتسامة الساحرة الأخاذة، زاملته اثني عشر عاماً من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية، كنت أشد منه قسوة في التعامل مع زملائي، وأصلب منه عودًا في مواجهة ألاعيب الصبية – خاصة ما يتعلق بمشاجرات المراهقين – وكان رقيقا حنوناً، لا يعرف العنف طريقا إلى تصرفاته، حتى انضم إلى الجماعة الإسلامية فكان المتهم الثاني في قضية أحداث أسيوط في عام 1981، والتي راح ضحيتها 180 جنديا وضابطا ومواطنا قتلوا على الهوية تحت دعوى الاستيلاء على مديرية أمن أسيوط والزحف المقدس من هناك للاستيلاء على كل المدن التي تقع في أيديهم، وصولاً إلى القاهرة، وهي الفكرة الساذجة -التي أجهضتها أجهزة الأمن في منبعها -التي كان مجلس شورى الجماعة قد وضعها للاستيلاء على الحكم في مصر عقب قيامهم باغتيال الرئيس السادات.
بعدها قام صفوت أحمد عبد الغني –بنفسه- بتنفيذ عملية اغتيال الدكتور رفعت المحجوب.

لم أصدق وقتها ما تناقلته الصحف، وظللت – ردحا من الزمن – أردد أن صفوت لا يستطيع القيام بتلك الأفعال، وأنها – لا بد – إحدى تلفيقات أجهزة الأمن المشهورة، حتى قرأت له شخصياً قصته مع رئاسة الجناح العسكري للجماعة الإسلامية، وكيف أشرف على تنفيذ حادث اغتيال الدكتور/ رفعت المحجوب – وكان المقصود وقتها وزير الداخلية اللواء / عبد الحليم موسى – وعندما قابلته –قبل عامين- عندما دعاني لحضور مناقشة رسالته للدكتوراه – رأيت الفتى وقد تغير كثيراً ولكن لم تزل الابتسامة تعلو وجهه الطفولي برغم اللحية الطويلة الصفراء. وليعذرني القارئ للإطالة في هذا الموضوع – الذي قد يغضب صديقا قديما – ولكني أردت أن أقول من خلاله أن الأخلاق ودماستها، والبراءة ودلالتها لا تمنع الإنسان – عندما يؤمن بفكرة ما –أن ينفذها بكل ما أوتي من قوة، وهو في هذه الحالة، شخصاً آخر غير الذي عرفناه في حياتنا العادية، وهكذا كان سيد قطب عندما خط أفكاره وسعى إلى تنفيذها.

* ثانيا: المجازية والفهم الخاطئ:
يكثر تلاميذ سيد قطب الجدد من الحديث عن المرحلة الأولى من حياته، مرحلة النقد الأدبي، في محاولة لإقناع القارئ بأن هذا هو الرجل، دون أي رتوش، وهي المحاولة التي لا تنطلي على أي دارس لعلم الاجتماع، خاصة أن ما يميز الإنسان عن الحيوان، هو القدرة على التغير؛ عبر اكتساب تجارب مختلفة والتواجد في بيئات مغايرة؛ وأنا هنا لا أناوش أحدا عبر مبادئ علم الاجتماع، ولكنني سأذكركم بما كتبه الدكتور يوسف القرضاوي، ونشره موقع إسلام أون لاين، تعليقا على عدد من منتقدي وجهة نظره في كتابات سيد قطب، قال القرضاوي: "ومما أثاره عدد من الإخوة المعقبين: ما تعلق بـ (أدبية) سيد رحمه الله لا (فقهيته)، وأنه كان (أديبا)، ولم يكن (فقيها)، وأنه أعلن ذلك مرارا. فينبغي ألا نحاسبه بما يحاسب به الفقهاء بعضهم بعضا إذ لم يكن واحدا منهم.
ويرد القرضاوي على هؤلاء بالقول: "ليس التعبير الأدبي سببا في غموض الكاتب، وضبابية ما يكتب، والتباسه على قارئه. فالأمر عندي بالعكس تماما، فالكاتب الأديب الأصيل إذا كتب في أي علم أضفى عليه من إشراق يراعه ومن نصاعة بيانه ما يجليه ويقربه إلى القارئ، ويزيح عنه أي لون من الغموض، وهو ما يسمونه (الأسلوب العلمي المتأدب). وقد رأينا هذا في كتابات العلماء الأدباء، مثل: محمد عبده، ود. محمد عبد الله دراز، وحسن البنا، ومحمد الغزالي، وعلي الطنطاوي، ومصطفى السباعي، والبهي الخولي وغيرهم". ويضيف القرضاوي "ولم يكن الرجل من دعاة الرمزية أو السريالية أو غيرها من المذاهب الأدبية التي تعمد إلى الغموض وتغلف مقولاتها وأفكارها بأغلفة تحجب معانيها عن جماهير القراء، ولم يكن سيد كذلك من دعاة الباطنية الذين يقولون القول، ولا يريدون به ما يفهمه سائر الناس. بل كان رجلا صريحا بيّنًا لا يحب الظلام ولا الضبابية فيما يقول ولا فيما يفعل؛ لذلك رأيناه يلح على فكرته، ويكررها ويؤكدها بأساليبه البيانية الرائقة والرائعة حتى تتضح كالشمس في رابعة النهار". (1)

ويورد القرضاوي تأكيدا لكلامه شهادة أحد رفقاء سيد قطب في المعتقل فيقول: "حدثني الأخ الدكتور محمد المهدي البدري أن أحد الإخوة المقربين من سيد قطب – كان معتقلا معه في محنة 1965 – أخبره أن الأستاذ سيد قطب، عليه رحمة الله، قال له: إن الذي يمثل فكري هو كتبي الأخيرة، خاصة  المعالم والأجزاء الأخيرة من الظلال، والطبعة الثانية من الأجزاء الأولى، وخصائص التصور الإسلامي ومقوماته، والإسلام ومشكلات الحضارة، ونحوها مما صدر له وهو في السجن، أما كتبه القديمة فهو لا يتبناها، فهي تمثل تاريخا لا أكثر، فقال له هذا الأخ من تلاميذه: إذن أنت كالشافعي لك مذهبان: قديم وجديد، والذي تتمسك به هو الجديد لا القديم من مذهبك. قال سيد رحمه الله: نعم، غيرت كما غير الشافعي رضي الله عنه، ولكن الشافعي غير في الفروع وأنا غيرت في الأصول".

ويعلق القرضاوي قائلاً: "الرجل يعرف مدى التغيير الذي حدث في فكره – فهو تغيير أصولي أو إستراتيجي"، كما يقولون اليوم(2).
وقريب من هذا الكلام قاله القيادي الإخواني وعضو مكتب الإرشاد السابق الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رداً على سؤال للروائي جمال الغيطاني أثناء قيام أبو الفتوح بزيارته الشهيرة في مايو 2006 للأديب العالمي نجيب محفوظ.

كان السؤال حول رؤية سيد قطب للأدب والفن في كتابه معالم في الطريق، وجاء رد أبو الفتوح حاسماً: "هناك اثنان (سيد قطب) الأول قبل (1954) والثاني بعد (1954).. الأول لا يختلف أحد عليه وعلى تقديره، فما كتبه في الظلال قبل 54 مختلف عما كتبه في الظلال بعد 54.. فعندما دخل السجن وتعرض للتعذيب استكمل الكتاب وأعاد كتابة الـ (14) جزءاً مرة أخرى ولكن في ظل حالة خصومة مع الدنيا كلها، وأنا كطبيب لا يمكن أن أؤاخذ إنسانا في حالة مرضية على تصرفاته"، وأنهى أبو الفتوح حديثه بالقول "إن ما كتبه سيد قطب في المعالم والظلال يختلف عما كتبه قبل عام 1954، كما يختلف عما كتبه الأستاذ البنا، ويتحمله سيد قطب وحده ولا علاقة له بالجماعة".

فهل نحتاج كلاما بعد كل تلك الشهادات، للتأكيد على أن قطب لم يكن يكتب بلغة مجازية، كما راح البعض يحاول إقناعنا، وإنما كان واضحا وصريحا، يعرف ما يقول، ويقول ما يقصد، ويلح عليه ويكرره حتى يتضح كالشمس في وضح النهار.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :