د.عبدالخالق حسين
زار رئيس الوزراء حيدر العبادي، مدينة الموصل يوم الأحد المصادف 9/7/2017، لتهنئة القوات الحكومية والشعب العراقي بـ"النصر"، على داعش. فقد خاضت القوات العراقية، مدعومة بقصف جوي أمريكي، قتالا لاستعادة السيطرة على المدينة، منذ السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي. والجدير بالذكر أن تنظيم داعش سيطر على المدينة في 10 يونيو/حزيران من عام 2014، قبل أن يستولي على كثير من الأراضي التي يقطنها العرب السنة، ويعلن عن الخلافة الإسلامية، التي تضم أراض في كل من العراق وسوريا. وشارك في الحملة العسكرية، الجيش العراقي والحشد الشعبي، و البشمركة، ورجال قبائل سنة، ودعمها تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة. (1 و2 و3)
أرجو من القراء الأعزاء أن يفتحوا الرابط أدناه ، ليروا صور الخراب الذي سببته القوى الطائفية الظلامية لمناطقهم، ومن ثم مواصلة القراءة. الرابط:(خراب الموصل Mosul in Ruins )(4)
إن ما شاهدتموه سيداتي وسادتي، ما هو إلا الجزء القليل الضئيل المرئي من الخراب، عدى المأساة الإنسانية التي تعرض لها أهل الموصل، وبقية المناطق التي حكمتها "داعش" لثلاث سنوات عجاف، إضافة إلى آلاف الشهداء من الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل التحرير. فقد حصل كل هذا الخراب لسبب واحد وهو إلغاء الديمقراطية التي أقرت مشاركة كل مكونات الشعب العراقي في حكم بلادهم، فسخروا لها فرسان البلاغة والبيان، لاختراع أبشع الألفاظ وأسوأ النعوت التسقيطية ضد الديمقراطية الوليدة، لتبشيعها وتشويه صورتها، فأطلقوا عليها (ديمقراطية المحاصصة الطائفية والعنصرية)، من أجل إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 2003، إلى حكم دكتاتورية المكون الواحد، والحزب الواحد، والشخص الواحد.
نعم، تحررت الموصل الجريحة، وتحطمت خرافة "داعش" التي حاولت القوى الدولية والمحلية ووسائل إعلامها أن يصنعوا منها أسطورة ملحمية لا يمكن "وقف زحفها على بغداد"، لتدمير كل العراق، بل ودول المنطقة، ومنع التنمية فيها.
فمن المسؤول عن جريمة القرن؟ وما هو ثمن التحرير هذا؟ وهل كان من الضروري أن يمر شعب العراق بكل هذه الإرهاصات، والعذابات، وتجربة داعش، لكي يثبتوا أنه لا يصح إلا الصحيح، وأن النظام الديمقراطي لا رجعة عنه، وأنه محكوم له وعليه بالنجاح، لأن ليس هناك أي نظام آخر صالح لحكم العراق، متعدد المكونات إلا النظام الديمقراطي، وأن دكتاتورية المكون الواحد هو وحده المسؤول الأول والأخير عن كل ما مر به العراق من حروب ودمار وعدم الإستقرار خلال المائة سنة الماضية؟
فمن هم المسؤولون عن هذه الجريمة الكبرى؟
- المسؤولون هم أولئك الذين أثاروا الفتن الطائفية، ورفعوا شعار "المقاومة الوطنية الشريفة"، ضد "الاحتلال الأمريكي الغاشم" الذي حررهم من أبشع نظام همجي عرفه التاريخ، ولكن نشروا الإرهاب والإبادة الجماعية في الأحياء المأهولة بفقراء الشيعة من أجل تفجير حرب أهلية؟ وليقولوا لهم هذه هي ثمار الديمقراطية التي تريدونها!!
- هم أولئك الذين نظموا ساحات الإعتصامات، وأقاموا فيها ورشات عمل لتفخيخ السيارات بالمتفجرات لتفجيرها في ساحات مساطر الفقراء الباحثين عن عمل يومي لإعالة عوائلهم في بغداد والحلة وغيرها من المحافظات في الوسط والجنوب،
- هم أولئك الذين كانوا ومازالوا يرددون هتافات عائدون يا بغداد، وسنحررها من سيطرة الفرس المجوس،
- هم أولئك الذين حرضوا سكان الموصل والفلوجة والرمادي وتكريت ضد الجيش العراقي، وأسموه بجيش المالكي، والجيش الشيعي الرافضي، والجيش الإيراني المجوسي، وغيرها من الأسماء التسقيطية، وكانوا يرمون الجنود بالحجارة ويبصقون عليهم؟
-أولئك الذين خدعوا العرب السنة بدعايات أيتام البث وأسيادهم السعوديين بأن العراق صار مستعمرة إيرانية، وأن الجنرال الإيراني قاسم سليماني هو الحاكم الحقيقي للعراق،
- هم أولئك الذين اعتبروا كل من يتعاون مع الحكومة الفيدرالية في بغداد، من السنة والكرد، أنهم سنة المالكي، وكرد المالكي! وكانوا مهددين بالقتل.
- هم أولئك الذين عقدوا عشرات المؤتمرات الطائفية التآمرية في أربيل وعمّان واسطنبول وأنقرة والرياض ودبي وقطر، وبروكسل، وباريس، ولندن وغيرها، التي مهدت لداعش.
- كذلك الحكومات مثل السعودية والقطرية والتركية التي مولت الإرهاب وحرضت على الفتن الطائفية لوأد العملية السياسية وتدمير العراق.
وكما افتضح أمرهم بعد أن نشب الصراع بين الحرامية، بين السعودية وقطر، وبغفلة منه انحاز الإرهابي طارق الهاشمي إلى قطر، مما أغضب أولياء نعمته السعوديين، وللإنتقام منه اعترفت صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية أن المملكة قدمت له (للهاشمي)، 2.5 مليار دولار. هذا المتآمر والأخوين النجيفي، و رافع العيساوي، ومسعود بارزاني، وخميس الخنجر، وعشرات غيرهم من الذين ضللوا أهاليهم من أجل إجهاض العملية السياسية، هم المسؤولون عن هذه الجريمة، ويجب أن يحاكموا أمام الشعب لينالوا جزاءهم العادل لما ارتكبوا من جرائم بحق الملايين من أبناء الشعب العراقي.
نعم، تحقق النصر ولكن بثمن باهظ جداً، فقد شاهدنا صور المقابر للشهداء الأبطال من أبناء القوات المسلحة والجيش الشعبي، وفرسان العشائر، ولولا شجاعتهم وتضحياتهم بأرواحهم ودمائهم الزكية لما تحقق هذا النصر. لقد شاهد أهل الموصل عملياً كيف خدعتهم قياداتهم السياسية في إثارة عدائهم للجيش العراقي، وحكومة بغداد بكذبة التهميش، فسلطوا عليهم الدواعش "الثوار"، لثلاث سنوات، حتى عرفوا الحقيقة بأنفسهم، فقد جرب أهل السنة الدواعش وحكمهم المتوعش.
لقد تحررت الموصل، وهناك معارك أخرى تنتظر لتحرير تلعفر، والحويجة وغربي الرمادي وغيرها مازالت بأيدي الدواعش. وكذلك أيديولوجية الإرهاب مازالت باقية يستخدمها السياسيون الطائفيون، أعداء الحضارة والإنسانية لغسل عقول المزيد من الشباب، فما زالوا يسعون لعقد مؤتمرهم الطائفي التآمري في بغداد يوم 17 تموز، لاحظوا التاريخ وما يحمله من رمزية لإحدى أكبر الجرئم التي ارتكبها البعثيون بحق العراق.
مرة أخرى نقول أنه لا يمكن اعتماد الإرهاب أو أية وسيلة شريرة لتحقيق أغراض سياسية عادلة، وعلى أهل السنة أن يعرفوا جيداً أولئك الذين خدعوهم و قادوهم إلى هذا المصير البائس. فيا أهل السنة الكرام، وبعد كل هذا العذاب، وكما قال الجواهري:
ويهْتِفُ بالنَّفَر المُهطِعين.... أهينوا لئامكم تكرموا.
ــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في الموصل للاحتفال بـ"النصر" على تنظيم الدولة الإسلامية
2- العبادي: العالم لم يتصور أن العراقيين سيقضون على "داعش" بهذه السرعة
3- العبادي يعلن رسميا النصر على تنظيم الدولة في الموصل
4- الموصل في صور خراب شامل Mosul in Ruins
5- الموصليات يحرقن النقاب (فيديو)