الأقباط متحدون - أمين مكتبة برتبة عسكرى
  • ٠١:٤٤
  • الاثنين , ١٧ يوليو ٢٠١٧
English version

أمين مكتبة برتبة عسكرى

منير بشاي

مساحة رأي

٣١: ١٠ ص +02:00 EET

الاثنين ١٧ يوليو ٢٠١٧

صور_أرشيفية
صور_أرشيفية
(من كتاب "رحلة حياتى" تحت الطبع)

بقلم منير بشاى
        تخرجت من كلية الآداب قسم المكتبات وعينت امين مكتبة باحدى المدارس الثانوية بالقاهرة. وكنت اعلم اننى علىّ ان اؤدى الخدمة العسكرية بعد التخرج.  ولكن قيل لى ان هذا لن يحدث الآن.  كان هناك قانون يطبق على المدرسين يؤجل تجنيدهم الى سن الثامنة والعشرين.  وقيل لى ان امناء مكتبات المدارس يعاملون معاملة المدرسين.  وعلمت ان هناك امناء مكتبات ممن طبق عليهم فعلا مبدأ التأجيل.
 
        وفى يوم من الايام تلقيت رسالة من اخى الاكبر فى اسيوط يقول فيها ان شيخ البلد جاء لكى يبلغنى ان اسلم نفسى لادارة التجنيد، ولما لم يجدنى ترك اخطارا مع أخى ان يتعهد باحضارى والا يكون هو مسئولا امامهم.  حاولت اقناعه انه لابد ان هناك لبس فى الموضوع واننى لست مطلوبا الآن.  فقال لى لابد ان احضر ثم اطلب التأجيل. 
 
        سافرت فى الحال الى اسيوط وفى اليوم التالى ذهبت الى ادارة التجنيد فعاملونى مثل اى شخص مطلوب للتجنيد.  حاولت ان اقنعهم انه من حقى التأجيل فقالوا لى ان اكتب طلبا واشرح فيه كل شىء ليعرض على قائد المعسكر.  فعلت ذلك واذ بالرد ياتى "يجند 18 شهرا كعسكرى مؤهلات".  لم يكن امامى مخرج آخر فهأنا محبوس رغما عنى بل ولم تتح لى تصفية امورى الخارجية ولم أبلغ مدير المدرسة التى اعمل بها اننى سأتغيب ولم اسلم العهدة لمن يحل مكانى بل ان مفاتيح المكتبة كانت ما تزال معى.
 
        اصبت بصدمة ولم ارد الاشتراك فى اى شىء.  وعملوا امتحانا لمعرفة المستوى الثقافى والنفسى لاختيار السلاح المناسب لكل مجند.  واتذكر اننى لم اجب على اسئلة الامتحان ولكن ومع ذلك جاء ادائى مرتفعا (ولا اعلم كيف حدث هذا) وبذلك تقرر تجنيدى فى القوات الجوية.
 
        قضيت الخمسة اشهر التالية فى التدريب الاساسى فى معسكر كسفريت على قناة السويس.  كان التدريب عنيفا دون امكانية ان نخرج ولو لمدة ساعات لنرى العالم الخارجى.  كان الهدف اعادة برمجة الجندى ليلغى عقله ويطيع الاوامر بدون تفكير.  واتذكر فى يوم من الايام ان الشاويش اخرجنا الى الفضاء وكانت صحراء لا يوجد بها غير الرمال والزلط.  وكانت اوامر الشاويش ان نجمع كل الزلط الموجود.  وكان هذا ضربا من المستحيل فالزلط الموجود لا حصر له.
 
        انتهت فترة التدريب واعطينا يومين اجازة قبل التوزيع.  خرجت الى العالم الخارجى واتذكر ان اول شىء لفت نظرى هو جمال الالوان التى تراها فى ملابس السيدات وفى البنايات وفى الزهور الخ... هذا بعد قضاء 5 شهور كاملة لا ترى فيها غير اللون الاصفر الكاكى سواء فى الملابس او لون الرمال او لون المركبات العسكرية او حتى لون الاكل (العدس).
 
        بعد عودتنا علمت انه وصلت اشارة من رئاسة القوات الجوية بطلب اسماء خريجى قسم المكتبات حتى يتم ترحيلهم الى مكتب الرئاسة للخدمة فى المكتبة التى يجرى  انشاؤها.  وكنت أنا من ينطبق عليه هذا الامر.
 
        وعندما وصلت الى مكانى الجديد فى مكتبة القوات الجوية عرفت ان احد زملائى فى الكلية تم تعيينه حديثا امينا للمكتبة كموظف مدنى.  وكنت اساعده فى العمل ولكن كعسكرى واخضع للنظام العسكرى واتبع الاوامر العسكرية مثل اى عسكرى واتلقى مرتب العسكرى وهو واحد من عشرة من مرتب المدنى..  كان زميلى المدنى اسمه نبيل شنودة وكان وجوده معى فى تلك الفترة سببا فى انقاذى من مآزق كان يمكن ان تكون وخيمة.
 
        كان يرأسنى عسكريا شخص برتبة شاويش.  وفى ذات يوم طلب منى الشاويش ان انظف المكتبة.  كبر الموضوع فى عينى امام زميلى المدنى فرفضت الاوامر.  فغضب الشاويش وامرنى ان اخرج الى الخارج ليقتادنى الى مكتب اركان حرب المعسكر ليوقع على العقاب.  امرنى بالسير يمين شمال الى ان وصلنا الى المكتب.  رأى زميلى نبيل ذلك وفى الحال اسرع وسبقنا الى مكتب اركان الحرب ليدافع عنى امام الضابط.  اقتادنى الشاويش الى المكتب وأدى التحية العسكرية للضابط ثم قال "يا افندم هذا العسكرى يمتنع عن تنفيذ الأوامر"  فكان رد الضابط "وما هى الاوامر؟"  فقال الشاويش "تنظيف المكتبة يا افندم".  وهنا رد الضابط موبخا "هذا المجند يقوم باعمال المكتبة الفنية وانت عندك مجندين من غير المؤهلات، الم تجد غير هذا ليترك عمله لينظف المكتبة؟"  ثم التفت الضابط الى وقال "وانت يا عسكرى لازم تعرف انك فى الجيش ولازم تطيع الاوامر فاهم؟" فرديت عليه "فاهم يا افندم."  وهنا امر الضابط الجميع بالانصراف.  فخرجت وانا لا اصدق اننى فلت من العقوبة التى كان يمكن ان تصل الى السجن او الجلد وفى نفس الوقت كان يمكن ان تضع نقطة سوداء فى سجل خدمتى العسكرى تسىء لى حتى بعد خروجى من الجيش سواء فى التعيين او الترقية.  وشكرت الله انه انقذنى من تبعات كبريائى التى دفعتنى الى ارتكاب حماقة عصيان الأوامر فى الجيش.  وما كان ممكنا ان اخرج من تلك الازمة لولا وجود زميلى نبيل شنودة.
 
        استمريت فى اداء الخدمة العسكرية فى مكتبة رئاسة القوات الجوية بحى روكسى القريب من مسكنى.  وكنت انام كل ليلة فى مسكننا الذى كان يعيش فيه اخى.  وانتهت مدة خدمتى بسهولة لم يختبرها معظم المجندين.  والعجيب ان يتزامن خروجى من الجيش بترك زميلى نبيل شنودة لوظيفته فى القوات الجوية والالتحاق بوظيفة امين مكتبة بجامعة القاهرة.
 
        وبعد ذلك عندما كنت استرجع الحوادث وارى قطع اللغز تتجمع كنت اتعجب كيف رتب الله هذا التوقيت الدقيق حيث سخّر نبيل ليأخذ وظيفته فى القوات الجوية بالضبط مع بداية خدمتى هناك ثم يتركها بعد انتهاء خدمتى مباشرة.
Mounir.bishay@sbcglobal.net
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع