الأقباط متحدون - إرهاب المعلومة الناقصة
  • ٠٢:٤٢
  • الاثنين , ١٧ يوليو ٢٠١٧
English version

إرهاب المعلومة الناقصة

مقالات مختارة | بقلم : أمينة خيري

٣٨: ٠٦ م +02:00 EET

الاثنين ١٧ يوليو ٢٠١٧

أمينة خيري
أمينة خيري

 فى داخل كل منا خبير استراتيجى يفضل أن يبقى كامناً. وفى داخل كل منا محلل عسكرى نرجوه أن يستمر ساكناً. وفى داخل كل منا متكتك أمنى نتمنى أن يهدأ قليلاً. ولأننا جميعاً، حاكما ومحكوما، جنديا ومواطنا، وزيرا وخفيرا، فى مركب واحد، فعلينا التفكر والتدبر لاجتياز ما هو آت بأقل خسائر ممكنة.

 
إمكانية تواتر أو تكرار أو انتقال العمليات الإرهابية واردة ومتوقعة. ووقوع أى منا ضحية لهذه العمليات أمر قائم. وإلقاء الاتهامات فى ملعب هذا أو فضاء ذاك لم يعد مجدياً بل هو مهدر للأعصاب والوقت والمجهود ولم يتبق لنا الكثير منها.
 
ومن حق المواطن أن يعرف. وكذلك من حقه أن يدلو بدلوه. لكن الدلو بما لا دلو لنا فيه فى مثل هذه الأيام أمر لا تحمد عقباه. كما لا تحمد عقبى البقاء فى عتمة ضرب الأخماس فى الأسداس أو الاضطرار إلى اللجوء إلى البلورة المسحورة أو «تويتر» الجبار أو «فيسبوك» الصنديد بحثاً عما ينبغى على المواطن أن يفعله أو لا يفعله فى مثل تلك الأوقات الصعبة التى تبزغ فيها ذئاب منفردة يصعب تطويقها وإيقاف سمومها.
 
لكن سم العتمة أكثر ظلمة وقسوة. مصر تواجه إرهاب عصابات؟ نعم. مصر تواجه ضربات دول من تحت الحزام؟ نعم. الموقف صعب؟ نعم. لكنه ما يجعله أكثر صعوبة هو ترك الملايين لقمة سائغة حيث بحر شح المعلومات أمامها وعدو القنوات متخصصة الردح دون منطق والتحليل دون معلومة والتهييج دون رؤية والحشد دون وجهة وراءها، وبينهما وزارة الداخلية وجميعنا يعلم مدى مشغولياتها، ولكن...
 
ولكنْ هناك بدل الطريقة عشرٌ، وبدل الوسيلة مئةٌ، وبدل الفكرة ألفٌ فى تجهيز وتأهيل وتدريب ومساعدة الشعب المواجه للإرهاب. لماذا لا ننظر إلى دول أخرى تواجه الإرهاب أيضاً ولكن بسبل تحترم عقول شعوبها؟ (رغم أنها قد لا تحترم عقول شعوب أخرى).
 
الشرطة البريطانية دائماً تستخدم كلمة (Vigilant) فى مخاطبة المواطنين عقب كل حادث إرهاب، وتعنى الانتباه دون هلع. وبدلاً من أرقام هواتف تطالب المواطنين بالإبلاغ عن تصرفات أو أشخاص تثير الشكوك، حيث ما يثير شكّى قد لا يثير شكك بالضرورة، فقد خرجت الشرطة البريطانية بكتيبات وأدلة متاحة على الشبكة العنكبوتية لتدعم وتساعد وتثقف مواطنيها وزائريها فى هذا الشأن.
 
فمثلاً: علامات وجود نشاط إرهابى أو أشخاص يخططون لعمل إرهابى تتراوح بين: أماكن التخزين وجراجات السيارات التى يمكن استخدامها فى تخزين أسلحة ومعدات، شراء مواد كيميائية بكميات كبيرة، وجود نظارات بلاستيكية تستخدم فى التعامل مع المواد الحارقة فى القمامة مثلاً، أشخاص غرباء يستأجرون شققاً ويثيرون الشك أو الريبة، إلخ.
 
والأسئلة التى تطرحها الشرطة البريطانية على سبيل التوجيه لتشجيع المواطنين على الإبلاغ تتراوح بين: هل لاحظت معاملات بنكية مريبة أو تثير الشك حيث إن تمويل الإرهاب يبدأ هنا؟.. هل رأيت أحدهم يستخدم عدداً من الهواتف المحمولة دون داع منطقى؟.. التخطيط والتدريب على القيام بعمليات إرهابية تستوجب غياباً وسفراً، فهل تعرف أحداً يسافر سفريات غامضة؟.. القيام بعمليات إرهابية يستوجب وجود مركبة بشكل أو بآخر، فهل لاحظت أو تعرف أحدهم استأجر سيارة أو دراجة نارية بشكل مثير للريبة؟.
 
طبعاً تطبيق مثل هذه الأسئلة والتعليمات فى مصر أمر صعب. ويكفى أن لدينا أعداداً كبيرة من السيارات التى تركض فى شوارعنا دون لوحات أرقام، ناهيك عن الدراجات النارية غير معلومة المصدر أو الوجهة أو الملكية التى تجوب المحروسة جهاراً نهاراً تحت مرأى ومسمع من إدارة المرور، وآلاف التكاتك غير المرخصة أصلاً. لكن مازال هناك ما يمكن الاستعانة به من نصائح وخطوات، أولها رؤية واضحة من قبل الشرطة مشروحة بشكل واف للمواطنين. وثانيها تطبيق للرؤية والتعليمات على نفسها لتكون قدوة. (وهنا أشير مثلاً إلى سيارات الضباط منزوعة الأرقام أو موظفى الأمن فى المترو الذين يجاملون قطقوطة بطبوطة بالسماح لها بالمرور بحقائبها دون التوقف عند جهاز الكشف عن المفرقعات أو تفضيل متابعة «كاندى كراش» على الموبايل بدلاً من التدقيق فى شاشة الجهاز)، وثالثها رسالة واضحة ومباشرة بأن الجميع يعمل ويعلم ما هو مقبل عليه، بدلاً من إلقاء المهمة على شاشات تليفزيونية تفقع المرارة بأغنيات وطنية عن الاصطفاف دون معلومات، أو تطلق العنان لمذيعين أشاوس يحاضرون ساعات حول المؤامرات الكونية والجماعات الإرهابية والدسائس والتمويل والتخوين دون نظرة أو لمحة عما ينبغى أن يفعله المواطن فى مواجهة الإرهاب وليس ما ينبغى عليه أن يشعر به. أعطنى معلومة كاملة ولا تمل علىّ شعوراً.
نقلا عن المصرى اليوم

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع