الأنبا مكاريوس يحدث خدام الكنيسة عن قيمة النفس الواحدة
محرر المنيا
٣٨:
١٢
م +02:00 EET
الثلاثاء ١٨ يوليو ٢٠١٧
محرر المنيا
قال نيافة الحبر الجليل الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا وأبو قرقاص، اهتم السيد المسيح بالجموع، فالتقى بهم في الجبال والسهول وعلى ضفاف النهر. واهتم بالجماعات الصغيرة، فالتقى بها في بعض المنازل والطرقات، وكانوا يمشون خلفه.
كما اهتم بالأفراد والتقى بهم، مثل زكا ولاوي ونيقوديموس والسامرية والمجدلية وغيرهم. لقد علمنا السيد المسيح أن كل نفس لها قيمتها، ومن هنا لا تُقاس الخدمة بالأعداد، وإنما بالاهتمام بكل نفس. والفرق بين العمل الفردي والاهتمام بالنفس الواحدة، فهو أن العمل الفردي هو التركيز على شخص بعينه، أمّا الاهتمام بالنفس الواحدة فهو اهتمام بكل شخص.
في هذا لنا عدة ملاحظات:
١) نحن جسد كبير بأعضاء كثيرة، كل جزء أو عضو في الجسد هام جدً،ا ولا يمكن الاستخفاف بأيٍّ منها، ومهما بدا العضو صغيرًا تافهًا إلّا أنه يكمّل الجسد. اهتم بكل الأعضاء.. ونحن لسنا عبارة عن تراكم أشخاص، وإنما شخص واحد ينمو في جميع الاتجاهات، أي أننا نكمّل بعضنا بعضًا.
٢) أنت لا تعلم كيف سيصبح الشخص الذي ربما تراه ساذجًا ضعيفًا، فقد يصبح عظيمًا، حتى أن كثيرين من العظماء والمؤثرين كانوا مغمورين، لا يبدو عليهم في حداثتهم أيّة علائم نبوغ! وكم من مرة أشبع الله الفقراء وصرف الأغنياء فارغين؛ من ثَمّ لا تحكم على شخص من ظاهره.
لا تستخف بأحد ما، فقد يصبح المتميز عاديًا ويتميز العادي، يتقدم المتأخر ويتأخر المتقدم. وكم من شخص يحمل بين ضلوعه آمالًا عراضًا لا يعبر عنها. وكم من شخص أضاع فرصًا نادرة بعدم حكمته وقلة اجتهاده. وكم من شخص انتفض فجأة لينزع عنه تراخيه. ثم تذكر أنه في الملكوت سيتبدّل الوضع، لا مرض ولا فقر ولا سذاجة، ولا إعاقة ولا نقص في أيّ شيء مما نعرفه هنا.
٣) ليكن لك عمل مع كل شخص، لا تدع أحدًا يفلت منك: بالابتسامة العابرة، والكلمة المشجّعة، والموقف المساند، والسؤال الصادق... ليشعر أنه موضع اهتمامك، ليس الذين في دائرتك فقط، بل كل من تقابله. لقد تعجبت عندما قرأت كيف أن الله سأل عن إيليا بشكل شخصي: «ما لكَ ههنا يا إيليّا؟» (١ملوك١٩: ٩). الكل مهم عند الله، ويكفي أن الله مات عن كل شخص، لذلك يقول المرنم: "ربي، إلهي، مخلصي، راعيّ، مجدي...الخ".
٤) إيّاك أن تقول من جهة إنسان ما أنك بذلتَ أقصى طاقتك معه، أو أن تقول "بناقص فلان"، أو أن "ابن الهلاك للهلاك يُدعى"، أو "دمه على رأسه"، أو "أنا بريء من دمه"... لا تيأس من أحد ما مهما صدر عنه، إن كلمة واحدة قد تنقذ شخصًا بينما أخرى قد تحطمه.
٥) الشخص الواحد الذي تهتم به من الممكن أن يصبح راعيًا، أو رأس قبيلة، أو زعيًما، أو بطريركًا، أو مسئولًا عن كثيرين، ومن هنا فإن اهتمامك بشخص ما يعني اهتمامك بكثيرين. ذكرني ذلك بـ"صانعي النجوم"، والذين يهوون تحويل العادي إلى مبدع، ويُخرجون من الجافي حلاوة. بل أن خاطئًا تهتم به حتى يتوب قد يجذب بدوره كثيرين إلى التوبة «اُجذُبني وراءَكَ فنَجريَ..» (نشيد١: ٤). مثلما نهتم بهرطوقي فنكسب كل من يتبعه.. وبالعكس إن أُعثِر شخص ما فقد يجرّ كثيرين معه إلى أسفل.
٦) اسم الشخص: أذكر أن القديس بولس الرسول كان يذكر في كل رسالة الكثير ممن يعملون معه أو يتعاملون معه: يسلم عليكم... سلموا لي على... لا سيما في نهاية رسالة رومية، بل يوصي بالسلام على كل واحد: «سلِّموا علَى كُلِّ قِدّيسٍ في المَسيحِ يَسوعَ. يُسَلِّمُ علَيكُمُ الإخوَةُ الّذينَ مَعي» (فيلبي٤: ٢١). إن لذلك أثره الكبير في النفس، فالاسم يعني الشخص نفسه وليس مجموع حروف، فإن نطقت اسم شخص حضر أمامك او أجابك.. لذلك فإن حفظ أسماء المخدومين يعني أن له مكانة خاصة لديك، وأنه ليس مجرد رقم في قائمة، يقول السيد الرب: «هوذا علَى كفَّيَّ نَقَشتُكِ. أسوارُكِ أمامي دائمًا» (إشعياء٤٩: ١٦).
٧) النزلات الصاروخية: على الرغم من العزلة التي عاشها آباء البرية عن العالم، إلّا أن بعضهم كان يترك مغارته لينزل لإنقاذ شخص ما من براثن الخطية، مثل القديس يحنس القصير والقديس سرابيون والقديس بيصاريون، إيمانًا منهم بأهمية النفس الواحدة التي جعلت ابن الله يتجسد ويموت ويقوم.
٨) ويدخل في الاهتمام بالنفس الواحدة الاهتمام بالفئات الخاصة، مثل المعاقين جسدًيا أو ذهنيًا، والأيتام، والأرامل، والمكفوفين، والصم والبكم، وأصحاب الأمراض النادرة والخطيرة، والذين في الغيبوبة، والمحكوم عليهم أحكامًا قاسية، والذين وقعوا في ورطة ما، وكل الذين ليس لهم أحد يذكرهم.
يجب أن ترى في الشخص ما لا يراه الناس فيه، وما لا يراه هو في نفسه، المفروض أنك تكتشفه لنفسه وللآخرين، تجده.. تقدمه لله وللآخرين.
الكلمات المتعلقة