الأقباط متحدون - الباقى من الزمن ساعة (2)
  • ٢٣:٢١
  • الاربعاء , ١٩ يوليو ٢٠١٧
English version

الباقى من الزمن ساعة (2)

مقالات مختارة | بقلم : د. محمود خليل

٢٩: ١٠ م +02:00 EET

الاربعاء ١٩ يوليو ٢٠١٧

د. محمود خليل
د. محمود خليل

 فرح «محمد» الإخوانى أيما فرح بثورة يوليو، وشاركه فى الفرحة الغامرة سليمان بهجت زوج شقيقته «منيرة»، خصوصاً عندما علم أن أخاه الضابط شريك فى الثورة وواحد من رجالاتها. انتفخ «محمد» أمام أسرته، وأصبح يتحدث كواحد من الحكام، وأخذ يبشر بالتحولات القادمة، وكذلك انتفخ سليمان بهجت الموظف المغمور، وشرع يحلم بالمكاسب القادمة، اعتماداً على أخيه الضابط، ولما انتهى صراع الأشهر الأولى من عمر الثورة، وتم تقليم أظافر الإخوان، وسيطر جمال عبدالناصر على الحكم، كان محمد حامد برهان فى السجن، فى حين تبوأ سليمان بهجت شقيق الضابط منصباً كبيراً فى وزارة الزراعة.

 
قطار الحياة يمضى، وأيام العمر تمر إلا ساعة، تحلم كل شخصية من شخصيات العمل بأن تنال المنى فيها، تمكث كثيراً فى انتظار ما لا يجىء، لكنها تتمسك بالأمل. كانت تلك حال «محمد» الإخوانى بعد أن خرج من السجن بعرج واضح فى إحدى ساقيه، وعور لا يخطأ فى إحدى عينيه، تحول إلى كتلة من الحقد على الواقع، لا يعرف فى قاموس اللغة إلا كلمات اللعنة، يمكث دائماً فى انتظار ساعة سقوط لخصمه، يشعر فيها بالتشفى فيه. يظهر ذلك واضحاً جلياً فى كل آرائه التى يتحدث فيها عن الماضى الملكى الذى كان يلعنه أيام كان إخوانياً وآمن بالثورة عليه، ويقارنه بما هو حاصل، فيجده جنة فى مقابل جحيم، يسخر من توجه الزعيم نحو السوفييت الملاحدة، فى وقت يحارب فيه المسلمين!. باغته أمل كبير عندما وقع العدوان الثلاثى على مصر، وحلم بساعة خلاص، لكن الزعيم خرج من المعركة منتصراً وأقوى مما كان. عندما وقعت حرب اليمن تحدث إلى سليمان بهجت شقيق الضابط ضاحكاً: هل سمعت أغنية أم كلثوم الجديدة «هسيبك لليمن»؟!، يغمز بقوله إلى خسائر المصريين فى حرب اليمن.
 
جاءت لحظته عندما وقع الزلزال الكبير فى يونيو 1967، أخذ حظه كاملاً من الشماتة والتشفى، وقال إن تلك هى نهاية أى نظام يقوم على «الكفر والفساد». وصف نجيب محفوظ حالة الذهول العام التى عاشها المصريون بعد النكسة، وكأنهم «مخبوطين على رؤوسهم» ودخولهم فى حالة هلوسة تاريخية، تختلط فيها الضحكة بالبكاء، والنكتة بجلد الذات، حالة من انعدام الوزن ضربت الجميع، وسحابات من اليأس والإحباط ظللت رؤوسهم، ورغم ذلك كان محمد الإخوانجى هو الأكثر انتعاشاً بين الجميع، خصوصاً أن المساحة أمامه امتدت لكى يبالغ فى صب لعناته على الواقع، لكنه فى كل الأحوال لم يكن ليجرؤ على البوح بما فى مكنون صدره إلا بين أفراد أسرته، وخارجهم يكون شديد التحفظ، حتى عندما سمع وهو عائد من عمله خبر وفاة جمال عبدالناصر، أشاح عمن يحدثه قائلاً: «لا تتحدث فى أمور ليس لديك علم بها»، حتى أدرك أن «عبدالناصر» مات فعلاً، وأن ساعته حانت، فأخذ يحدث نفسه بأن ساعته هو الآخر قد حانت.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع