الأقباط متحدون - ما بين مريم الأولى والثانية
  • ٠٤:١٤
  • الخميس , ٢٠ يوليو ٢٠١٧
English version

ما بين مريم الأولى والثانية

مقالات مختارة | درية شرف الدين

٥٦: ٠٩ ص +02:00 EET

الخميس ٢٠ يوليو ٢٠١٧

درية شرف الدين
درية شرف الدين

 مريم الأولى تلك الطالبة الأسيوطية التى جاءت نتيجتها صفراً لا غير فى الثانوية العامة من سنتين، سُرقت أوراق إجاباتها كلها، لم يتركوا ورقة واحدة ونسبوها لطالب أو لطالبة أخرى بليدة ارتضى أهلها أن يسرقوا نجاح (مريم) التى وصلت إلى الثانوية العامة بعد رحلة طويلة مكللة بالتفوق الساحق من الابتدائية إلى الإعدادية إلى الثانوية. سرق الأهل بمعاونة بعض من مشرفى الكنترول ثمرة كفاحها ونسبوها لابنهم أو لابنتهم التى هى أو هو الآن فى إحدى كليات القمة، وقتها ضعفت الفتاة الصغيرة مريم وحاولت الانتحار حزنا وقهراً لكنها استجمعت قوتها وذاكرت من جديد وذهبت إلى كنترول بعيد فى المنصورة ونجحت وهى الآن طالبة متميزة ومن الأوائل بكلية الصيدلة.

 
كان يمكن لمريم الأولى أن تيأس وتتراجع وتأبى إعادة التجربة المريرة لكنها تماسكت وبدأت من جديد وتفوقت كعادتها وستصبح بعد سنوات قليلة الدكتورة مريم. قدمت درسا فى قهر اليأس وجعلت من أسرة السارق مثالاً حقيراً ومتدنياً لاستلاب حقوق الغير ونِسبتها لابنهم أو لابنتهم، وبالقطع تلك أسرة ثرية ذات نفوذ تستطيع أن تأمر وأن تدفع، لكنها قدمت لمن سُرقت أوراق مريم لصالحه أسوأ مثال لعائلة لا دين لها ولا أخلاق.
 
تلك مريم الأولى، أما مريم الثانية فهى نوّارة الثانوية العامة لهذه السنة، كان من الممكن أن تهزمها ظروفها، ابنة لحارس عقار لا تخجل مريم أن تقول إنه بواب عمارة، لها أربع أخوات بنات، الجميع يعيشون فى حجرة واحدة، لا دروس خصوصية لأنهم لا يملكون نفقاتها، وفى محل مغلق ليلاً كانت مريم تذهب لاستذكار دروسها، ومعها تليفون تطمئن والدها عليها فقط لا فيس بوك ولا تويتر ولا انشغال بتفاهات لا تنتهى تلتهم وقت الشباب فى أسوأ استخدام لتلك الأجهزة الجديدة، أرادت مريم أن تُسعد أمها وأباها فقط، أن تنجح وأن تتفوق وأن تصبح دكتورة إرضاء لهما قبل نفسها، تقول مريم: إنها تريد أن ترد الجميل لوطنها الذى علّمها بالمجان فى المدرسة وسيعلمها بالمجان فى الجامعة، قالت لأبيها الفلاح ذات يوم لا تحزن وأنت لم تنجب ولدا، سأثبت لك يوما أنى أفضل من مئة ولد، وستتحدث مصر كلها عنك. وقد كان.
 
كان يمكن لمريم الثانية أن تخضع لظروفها الصعبة بل قد تكون المستحيلة وأن تستسلم لها دون مقاومة، أن تكتفى بشهادة متوسطة أو لا شهادة على الإطلاق لكنها الآن على أعتاب كلية الطب لتصبح هى الأخرى الدكتورة مريم، أما أسرتها المحترمة فلها منّا كل التقدير، وشتّان ما بين الأسرتين الأولى والثانية، الأولى التى سرقت أوراق مريم والثانية التى أجادت تربية وتنشئة مريم.
نقلا عن الصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع