بقلم: ماهر ميشيل
يبدو من هذا العنوان أننا داخلين على حصة في اللغة العربية قسم النحو، لكن في الواقع ليس هذا هو المقصود، لكنه –استعارة مكنية– عن فكرة تدور في ذهني.
فأنا عندما أُشاهد التليفزيون أقوم بدور "المُشاهد".
وعندما استمع إلى الراديو أقوم بدور "المُستمع".
وعندما أقرأ جريدة أو كتاب أقوم بدور "القارئ".
وعندما استخدم "الإنترنت" أقوم بدور "المُستخدم"... وهكذا..
مُشاهد، مستمع، قارئ، مُستخدم، كلها أدوار يمكن أن نطلق عليها أدوار "المتلقي" أو "المستهلك" ليس لي أي دور فيها، فأنا هنا سلبي لا حول لي ولا قوة، ومستسلم لما يُعرض عليَّ من أفكار ومن مواد ترفيهه، أستطيع أن أختار القناة، لكن لا أستطيع اختيار المادة التي تقدمها لي هذه القناة، وهكذا الحال في الراديو والمطبوعات والإنترنت، لكني في كل الأحوال أقوم بدور "المُتلقي" و"المستهلك"، هذا هو ما أقصده بكلمة "مفعول به".
ولهذا الدور –المفعول به– نتائج كثيرة، أحاول أن اسردها فيما يلي:
* السلبية:
من كثرة لعبي دور "المتلقي" تنشأ في شخصيتي صفة السلبية، فلا أبالي بأي شيء يدور في مجتمعي، لا تعنيني السياسة في شيء، ولا أي حدث عام، لا أنزعج إلا فقط عندما أسمع عن شيء يمسني شخصيًا، أو يمس أحد أفراد أسرتي، غير ذلك أنا في غيبوبة ومتغيب عن الحياة العامة بكل ما فيها ورافع شعار "زي ما ترسي دق لها"!! ولا أبالي بالأمور الدنيوية!!.
* جمود الفكر:
هذه النوعية من الناس "المتلقين" تجدهم يرددون أقوال بعض من صفوة المجتمع وبعض القادة –وخصوصًا الدينيين– دون أي تفكير فيما يقوله هؤلاء القادة، فبما أن "فلان" قال لا بد وأن يكون كلامه صادقًا بلا أي دراسة وبلا أي فحص للكتب، فهؤلاء هم العلماء ونحن يجب أن نقول "آمين" ورائهم وليس آمين فقط بل كل من يخالف أقوالهم يصبح صاحب بدعة وصاحب ضلالة.
هذه الفئة يسهل عليها جدًا تصديق "الإشاعات" وترديدها وانتشارها، وبما أننا بلد "إشاعات" إذًا هذه الفئة منتشرة جدًا في بلادنا الحبيبة مصر، لأننا لا نعرف تحري الدقة ولا طرق البحث ولا طرق التحليل المنطقي لأي شيء نسمعه.
* قتل الإبداع:
الشخص المُبدع هو الذي يخترع أو يبدأ بفكرة لم تكن موجودة من قبل أو يُجدد في أفكار قديمة بطريقة جديدة، فهو يرى ما لا يراه الآخرون، فقط لأنه استخدم قدراته التي وضعها الخالق فيه، فالإبداع اشتراك في عملية "الخلق" وهذه القدرة موجودة بالفطرة فينا على ما أعتقد، لكن ما نتعرض له من حالة "اللإستهلاك" وحالة "التلقي" تقتل فينا كل ما هو مبدع، فلا الشاعر يكتب شعرًا جديدًا، ولا الموسيقي يُلحن لحنًا جديدًا، وإن نجح أحدهم في ذلك نقول عليه مُبدع وهو فعلاً كذلك، لكن هذا المبدع دائمًا وللأسف.. ليس أنا!! فأنا اكتفي بدور المتفرج والمتلقي فقط لا غير.
* ضحالة الثقافة:
للأسف.. الشخصية المتلقية الإستهلاكية دائمًا ما تجد الثقافة عندها ضعيفة جدًا، فيميل إلى الأفلام والمسلسلات والأغاني وربما المباريات، لكن عند نشرة الأخبار تجده يغير القناة، وعند أي برنامج ثقافي حواري كذلك، فلا يهتم سوى بأبطال المسلسلات "كمهند ونور" –وذلك ليس عيبًا في حد ذاته– لكنه ليس كل شيء.
وكمثال على ضحالة الثقافة أعرف شخصية من هذه النوعية، تهتم بالرياضة والأفلام فقط وخريج جامعة وفي وظيفة محترمة، لكنه للأسف لم يعلم بأحداث 11 سبتمبر إلا بعد حدوثها بحوالي أسبوع من حديث دار في جلسة مع أحد أقاربه!!
* الكسل والخمول:
من نتائج هذه الشخصية –المفعول به– الكسل والخمول والتراخي، يقول سليمان الحكيم عن الكسلان: "قال الكسلان الأسد في الخارج فأقتل في الشوارع"، يشق عليه أي مجهود وأي نشاط حتى لو كان هذا النشاط فكري.
سألت نفسي وأنا أشاهد التلفزيون يومًا، لماذا لا أكون أنا داخل التلفزيون؟؟ (مع أني لم أظهر ولا مرة في التلفزيون) لكن الفكرة هي: هل لزامًا عليَّ أن أبقى مُتلقيًا؟؟ -مفعولاً به- ولست فاعلاً؟؟ هل الممثل أو المذيع أو الشاعر أو المغني أو المفكر، أفضل مني في شيء؟؟ هو إنسان مثلي ولديه نفس مواهبي، لكنه عرف الطريق لإظهار هذه المواهب، وأنا أكتفي بدور المتلقي.
دعوتي لنفسي وإليك عزيزي القارئ أن تُفكر في أن تتحول من "مُستهلك" إلى "مُنتج"، وتنفض غبار الكسل، وتحاول أن تصنع شيئًا جديدًا، ولو كتابة شعر جديد، كتابة قصة جديدة، نمّي قدراتك الموسيقية والرياضية، وإن كنت موهوب في التمثيل لا تهمل موهبتك، نمّي قدراتك في لغة أجنبية تحبها، في مجال الكمبيوتر هناك العديد من الكورسات التي يحتاجها سوق العمل اليوم، نمّي قدراتك وأبدع فيه، شارك في العمل التطوعي لكبار السن أو للأطفال، شارك في المنتديات واصنع مدونتك وانشر فكرك، لماذا لا تكتب خواطرك وأفكارك، لماذا لا تكتب كتيب صغير ثم كتاب كبير؟؟!! ابدأ كهاوي في أي مجال ثم رويدًا رويدًا ستتحول من مجرد هاوي لمحترف.
أعلم أنه يوجد معوقات كثيرة لهذه الأفكار كالإمكانيات المادية والفرص المتاحة والوسائط والمحسوبية والتعصب، معوقات كثيرة يعلمها جميعنا، لكني أقول لك أنه: "في كل تعب منفعة" حتى إذا تعبت وتعبك ذهب مع الريح، لكنك ستكون قد تعلمت دروسًا من هذا التعب، والعمل الجيد في النهاية يفرض نفسه بغض النظر عن أية معوقات.
إذا تحولنا جميعًا من قبول ما نحن عليه، لتغيرت بلادنا وأصبحنا منتجين وليس استهلاكيين، وأصبحنا فاعلين وليس مفعولاً بنا.