غربلة| رباب كمال تكتب: ثورة الجسد
مقالات مختارة | رباب كمال
٣٧:
٠٩
م +02:00 EET
الخميس ٢٠ يوليو ٢٠١٧
ملايين من الناس يتضورون جوعًا، آلاف يموتون كل عام بسبب التصحر ونقص المياه والمجاعات، آلاف من البشر قضى نحبه بوباء الكوليرا الذي ضرب اليمن التعيس، آلاف قُتلوا وُشردوا في حرب سوريا والعراق، مئات العمليات الانتحارية تودي بأروح الأبرياء في الشرق الأوسط .
وبعد كل ذلك يريد البعض أن يقنعنا بأن الله يجلس على عرشه متربصًا بكل فتاة تخرج من منزلها متبرجة أو غير محجبة أو كاشفة لوجهها.
فلماذا يسطحون فكرة البشر عن الله؟
تذكرت عبارة الشاعر المصري الراحل حلمي سالم "الرب ليس شرطيًا، الرب ليس عسكري مرور" في قصيدة "شرفة ليلة مراد" وهي العبارات التي كادت أن ُتلقي به إلى السجن بعدما صنعت الدولة من سجونها قسمًا مخصصًا لسجون الله وهي سجون تستقبل المحكوم عليهم فيما أسموه ازدراء الأديان وأراد حلمي سالم كما أفصح فيما بعد أن ينتقد هؤلاء الذين تقمصوا روح الله على الأرض.
كلما تحدثنا عما تكابده النساء من تسلط وقمع لتحتجب جسدا وعقلا، ظهرت فئة ليست بقليلة لتحدثنا عن ضرورة اهتمامنا بحقوق المرأة الأصيلة والابتعاد عن السطحية، وفي حقيقة الأمر لابد أن نطرح نحن السؤال، كيف نناقش قضايا المرأة من خلف حجاب، والحجاب هنا ليس حجاب الشكل أو قماش الرأس وإنما حجاب دفنا فيه عقولنا؟ فأصل المشاكل واحد والمعضلة هي تدنيس المرأة وتبخيسها جسدا وعقلا.
تُدنس المرأة في محاكم الأسرة (وهي في حقيقة أمرها محاكم شرعية) لترضخ لقوانين زواج نظمت حياه الأفراد في شبة الجزيرة العربية قبل قرون ولم تَعُد تواكب متطلبات عصر وزمان مختلفين، وُتدنس مشاكل المرأة التي تواجه العنف الأسري والانتهاكات الجسدية لأنها ترضخ لمنظومة ولاية الرجل الشرعية والتي بالمناسبة لا ُيجرمها أو ُيحرمها القانون بل يشرعنها في كثير من الحالات، وُتدنس المرأة جسدًا وعقلا حين يحولها المجتمع إلى المتهمة إن تعرضت للتحرش الجسدي أو اللفظي لينتصر ذات المجتمع للجاني ويجعل منه ضحية، وُتدنس المرأة حين تقوم القيامة وتزلزل الأرض من تحتها إن خرجت من منزلها مخالفة لقواعد التعبئة والتغليف.
المشكلة أصلها ثابت وفرعها في السماء وحان وقت قص الفروع واقتلاع الجذور ومن هنا بدأت بعض النساء يتمردن عقلا وجسدًا .
فالمرأة التي ترغب في التحرر في العالم العربي لا يسعها أن ُتغير قوانين المحاكم الشرعية ولا قوانين ولاية الرجل عليها، ولا قوانين الإرث، فلجأت للتمرد بجسدها وصنعت منه قنبلة موقوتة لـُتحدث به دوي ُيعبر عما في نفسها.
حال النساء في البلاد العربية يكاد يكون متشابهًا وفيه تطغى سلطة الشرع على حقوق المرأة، حيث يصبح الشرع سقفًا لا يمكن أن تتجاوزه حقوق المرأة، وهي الحالة التي نطلق عليها مجازًا "تكريم المرأة" ونلجأ فيها إلى تبرير الكثير من حالات اللامساواة.
لكن رغمًا عن ذلك تظل المملكة العربية الوهابية السنية هي واحدة من أسوأ بلاد العالم على الاطلاق امتهانًا لحقوق المرأة، النساء السعوديات حتى يومنا هذا ُيحظر عليهن الحصول على جواز سفر، أو الزواج، أو الحصول على تعليم عال، دون موافقة ولي الأمر الذكر عادة ما يكون إما الزوج أو الأب أو الأخ أو الابن، كما ُيحظر على النساء السعوديات القيادة، وُيجبرن على الحصول على إذن من ولي الأمر للسفر أو العمل. ورغما عن ذلك انُتخبت المملكة السعودية لعضوية لجنة حقوق المرأة بالأمم المتحدة من بين 12 دولة !!
ومن ثم بدأنا نسمع عن بعض الفتيات المتمردات في الأراضي الحجازية، ومنهن "خلود" التي تجولت في إحدى المناطق الأثرية بالمملكة وهي ترتدي تنورة قصيرة ومن ثم نشرت الفيديو المسجل على مواقع التواصل الاجتماعي، وانهالت المطالبات من بعدها بالقبض على خلود ومحاكمتها وشارك في الحملة ما يزيد عن مئة ألف ُمغرد على صفحات التواصل الإجتماعي، بالرغم أن الصراخ أقرب من التغريد في هذه الحالة.
أما المتحدث الرسمي باسم هيئة الأمر بالمعروف صرح بأنه جاري التنسيق مع الجهات المختصة بعدما تم رصد الفتاة بلباس مخالف!!
رغمًا عن كل ما يجري في العالم من جرائم ومجازر بحق الإنسان، إلا أن المملكة الوهابية تفرغت لمطاردة ما أسمته لباسًا مخالفًا!
فأصبحنا نعيش في ثقافة اعتبرت أن شعر المرأة أخطر من الأحزمة الناسفة، وكعبها العالي أخطر على الأمة من السيارات المفخخة، وعطرها يثير الفتنة أكثر من الاعتداءات الطائفية .
أشعلت خلود ثورة الجسد، وأضحى الأمر مسألة حياة أو موت، وبالفعل كان انكشاف الجسد مسألة موت في حادث حريق مروع وقع في المملكة السعودية قبل عدة سنوات.
وقع الحريق في 11 مارس 2002 بمدرسة داخلية للفتيات في مكة تضم أكثر من 800 طالبة، وتسبب الحريق في مقتل 15 فتاة.
حادث أليم، إلا أنه ما تداولته بعض الصحف السعودية بعد الحادث كان أكثر ألمًا، فنشرت صحيفة الاقتصادية يوم 13 مارس أن أحد رجال المطافئ ذكر أن رجال هيئة الأمر بالمعروف منعوا رجال الشرطة والإسعاف من دخول المدرسة لأن الفتيات لا يرتدين العباءات .
صحيفة "سعودي جازيت" نقلت عن شهود عيان قولَهم إن أفراد "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" منعوا رجالا آخرين من مساعدة التلميذات وحذروهم من أن "مس الفتيات يعتبر ذنبا"
أما رئيس شرطة مكة وهو العقيد محمد الحارثي أفاد لوكالة الـ Associated Press يوم 17 مارس أنه حين وصل لموقع الحريق وجد أحد رجال الشرطة الدينية (هيئة الأمر بالمعروف) يتشاجر مع ضباط الشرطة مانعًا إياهم من محاولة الدخول.
الأمير نايف عبد العزيز وزير الداخلية حينها أنكر تورط بعض رجال هيئة الأمر بالمعروف في منع رجال الإنقاذ من اقتحام المدرسة، ولكن على صعيد آخر أصر رجال الشرطة في مكة فعلا أن رجال الإنقاذ ُمنعوا من دخول المدرسة لأنهم ليسوا من المحارم وتم فتح تحقيق داخلي في القضية، وانتهى التقرير إلى إعفاء رجال الهيئة من المسؤولية وخلُص أن المدرسة لم يكن بها عددًا كافيًا من أجهزة الإطفاء.
هيئة الأمر بالمعروف تقوم بدور يصلح في مسرحيات الكوميديا السوداء، حيث تفرغت الهيئة لمصادرة دمية الباربي عام 2003 لأنها تهدد النظام العام و في عام 2016 قامت الهيئة باعتقال دمية، نعم دمية أنثى، وضعها صاحب محل حلويات بمدينة الخرج أمام متجره، فتم اعتقال الدمية لأنها تخالف اللباس الشرعي!
تعاني السعوديات الأمرين بكل تأكيد بسبب تلك الشرطة الدينية ولسان حال كثير من نساء البلاد العربية أنهن أفضل حالا وبالتأكيد أننا أفضل حالا، فلا توجد شرطة دينية في بلادنا تسحل النساء في الشارع كما فعلت هيئة الأمر بالمعروف في فبراير 2016 حين ضربت وسحلت فتاة في النخيل مول في الرياض بتهمة الاختلاط.
لكن ليس بالضروري أن تكون لدينا شرطة دينية لتشعر النساء بالقهر، لأن المجتمع بل والشرطة المدنية ورجال القانون يتقمصون دور المحتسب, وفي كثير من الأحيان تتقمص هذا الدور بعض النساء الرافضات لحرية غيرهن من النساء ويتصاعد هذا الدور في نهار شهر رمضان تحديدا حيت تتعرض الفتيات للتحرش تحت مسميات استباحة ما ليس مستورًا .
تظل القضية هي جسد المرأة الذي أصبح ثورة في حد ذاته كلما تمرد هذا الجسد على تقاليد ومفاهيم وقناعات بالية.
القضية لا تكمن في مجرد الانفعال تجاه تنورة قصيرة، القضية هي محاولتهم المستميتة للدفاع عن منظومة أبوية ذكورية لازالت متأثرة بذهنية سبي النساء.
الكلمات المتعلقة