الأقباط متحدون - جريمة «الشيخ عبدالله نصر»... بين التراث والموروث
  • ٠٦:٥٣
  • الاثنين , ٢٤ يوليو ٢٠١٧
English version

جريمة «الشيخ عبدالله نصر»... بين التراث والموروث

مقالات مختارة | فاطمة ناعوت

١٢: ٠٩ ص +02:00 EET

الاثنين ٢٤ يوليو ٢٠١٧

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

السؤال: ماذا فعل الشيخ «محمد عبدالله نصر»، وما جريمتُه حتى يدخل السجن ويُنسى بين عتمة ظلمائه، منذ شهور، قد تمتدُّ إلى سنوات، لا سمح الله، لو لم يُستجب لندائنا للإفراج عنه؟!

الإجابة: لقد طبّق هذه الآية الكريمة: «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الْأَرْضِ». الرعد ١٧.

هذا ما قاله الله تعالى حتى يبين لنا الفارقَ الهائل بين نقيضين. أحدهما ضارٌّ، والآخر نافع. «الزَّبَد» هو الرغوة التى تعلو الماء عند غليانه وتختفى عندما يبرد، أو ما يعلو موج البحر من رغوة بيضاء سرعان ما تتلاشى عند ارتطامها بالشاطئ. الآية السابقة تميّز إذن بين الزائل والباقى، بين الآفل والخالد، بين الغثّ والسمين. بين الخرافات المشينات التى تجعلنا نتوارى خجلا من الناس، وبين الفرائد النفائس الرواسخ التى تُزيّن جباهَنا بالنور وتُكلّل هاماتنا بأكاليل الفخر.

تلك الآية الكريمة بكل بساطة تميّز بين نقيضين هما: «الموروث»، و«التراث». والفارق بينهما هو الفارق بين حصوات الطريق ونجوم السماء. أما «الموروث» فهو «كل» و«جميع» ما ورثناه عن آبائنا وأجدادنا الأولين من عادات وتقاليد وأفكار، قليلُها جيدٌ، وكثيرها خرافات وشعوذات، تجعل الناسَ، إن اتبعوها، يرزحون تحت ويلات الفقر والمرض والجهل، وعادة ما ينتهى الحالُ بهم إلى الاقتتال دفاعًا عن تلك الخرافات الموروثة. وأما التراث، فهو العنصرُ المشعّ من «الموروث». التراث هو القليل الممتاز من الكثير الركيك. التراث هو قطعة الألماس الخبيئة بين كوم القش. التراث هو الأثر الخالد الذى تركه لنا الآباءُ والأجدادُ لنفخر به بين الأمم. هو العادات الراقية والتقاليد السامية التى تجعل واقعنا الراهن أكثر جمالًا ويسرًا وإنسانيةً ونبلًا وفنًّا وتحضّرًا. التراث هو «الصالح» من الآثار العلمية والفنية والأدبية والفلسفية، المتجسدة فى الآثار والكتب والمقطوعات الفنية الساحرة من التشكيل والموسيقى والنحت، مما ترك لنا السلفُ الصالح. التراث هو الفلسفات الرفيعة التى تُعلى من قيمة الإنسان، مما ورثنا عن السلف، ولفرط سموّها وخلودها ورُقيّها، نظلُّ نتوارثها جيلا بعد جيل، حتى وصلت إلينا، وسوف نظلُّ نُورّثها لأولادنا وأحفادنا جيلا بعد جيل لأنها خالدة لا يجوز لها أن تندثر. أما الموروث، فإن العقل السليم ينتخب منه الجيدَ (فقط) ليرثه من السلف ويُورّثه للخلف، ويلفظُ منه الهشَّ الركيك حتى يتوارى وتطمره السنواتُ. بينما يأخذه كلَّه دون تأمل ولا فلترة، العقلُ الذى بين ثناياه مرضٌ.

لكل ثقافة وكل دولة وكل مجتمع وكل عقيدة، هناك دائمًا: «موروث» كثير وغزير، و«تراث» أصيلٌ وقليل. وتنقسم المجتمعاتُ فى التعامل مع هذين الشيئين تبعًا لتحضّرها أو تخلفها. المجتمعات الظلامية المتخلفة التى تقع فى ذيل ركب العالم تؤمن بالموروث (كله) دون تنقية، بحلوه ومُرّه، خيره وشرّه. أما الدول الراقية المتحضرة التى تقود العالم، فإنها تنتخبُ الجميل «فقط» من «الموروث»، وهو «التراث».

هذا بالضبط ما فعله الشيخ «محمد عبد الله نصر». رفض أن يلتصق بالإسلام كلُّ «الموروث» الذى فيه ما فيه من جيد ورديء. فانتخب «الجيدَ» (التراث) وأقرَّ به، ورفض «الردىء» من الموروث مما يخالف القرآنَ، وقال: حاشا لدينى وعقيدتى أن تصدقه.

أنصتوا من جديد لكل لقاءات الشيخ، فى ضوء ما سبق، حتى تعرفوا كم هو مُفترى عليه. الشيخ «محمد عبد الله نصر» لم يُحرّض يومًا على قتل الناس، ولم ينشر البغضاء بين أركان مصر، حتى يُسجن ثلاثةَ عشر عامًا! إنما فكّر وبحث وقال. وفى جميع قوله حاول تبرئة عقيدتنا مما يلصقه به مُشوهو الإسلام، خصومُ السلام. وأولئك هم الآمنون من الملاحقات القضائية! يترهلون على أرائك بيوتهم الوثيرة، يثرثرون على طاولات فضائياتهم، ويثرون ثراء فاحشًا بهدم الدين وتقويض الوطن والتحريض على قتل الأبرياء العزل المسالمين.

نداء متجدد للرئيس عبدالفتاح السيسى: الأمةُ التى تسجن مَن فكّر وقال، سواء أصاب أم أخطأ، وتلاحق بالقضايا من يحثّ على السلام بين الناس، وفى ذات الوقت تسكتُ عمن قتل وعمن حرّض على القتل، هى أمةٌ تستحق ما هى فيه من ويل. ومصرُ.... لا يليق بها هذا!

سيادة الرئيس، بالأصالة عن نفسى، وبالنيابة عن كل عقلاء مصر، ممن يؤمنون بنهج ابن رشد: «الرأىُ يُحاجَجُ بالرأى، لا بالسجن»، أناشدك للمرة الثالثة التدخّل لحماية مفكرى مصر من الارتزاقيين الذين يشتهرون ويثرون بهدم الإسلام وتحطيم صورة مصر أمام العالم. وعلّكم تعرفون أن الشيخ «محمد عبد الله نصر» مصابٌ بالسكر وبالتليف الكبدى، ولن يصمد للسجن طويلا.

إن لم تنته تلك المهازلُ، فإننى أعلنُ بكل أسًى أن هذه الأمة المنكودة لا أمل فيها ولا رجاء، مادامت تُصعَّد للقضاء تلك الدعاوى الكيدية البليدة التى وراءها شخوصٌ فارغون؛ لا شغلَ يشغلهم ولا مشغلة، يرتعبون إن شاهدوا شخصًا يفكر ويجتهد ويخطئ ويصيب، كما هو حال الإنسان منذ نشأ. فالدماغُ يُرعب من ليس له دماغ. والإسلامُ برىءٌ من المُنفّرين. والحريةُ للشيخ محمد عبد الله نصر.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع