الأقباط متحدون - الــديـــن لـــلـــه .. والـــــمـــتـــرو لـــلــجـــمــيـــع !
  • ١٨:٤٨
  • الثلاثاء , ٢٥ يوليو ٢٠١٧
English version

الــديـــن لـــلـــه .. والـــــمـــتـــرو لـــلــجـــمــيـــع !

د. أحمد الخميسي

مساحة رأي

٤٥: ٠٩ ص +02:00 EET

الثلاثاء ٢٥ يوليو ٢٠١٧

اكشاك الفتوي
اكشاك الفتوي
د. أحمد الخميسي
حكى رفاعة رافع الطهطاوى أنه حين ركب السفينة الحربية الفرنسية «لاترويت» متجها من الإسكندرية إلى باريس ضمن البعثة العلمية عام ١٨٢٨، فوجئ فى مرسيليا بحجز فوج من المسافرين فى الحجر الصحى «الكرنتينة»، وعندما أثير الموضوع أفتى البعض بأن الحجر الصحى حرام لأنه هروب من القضاء والقدر ولا يهرب من القضاء إلا الكفرة! بينما أفتى آخرون بأن الحجر الصحى حلال لأنه يمنع انتشار المرض. وهذا المثال يوضح تضارب وتناقض الفتاوى تاريخيا والتطاحن فى الآراء والقول بالشىء وضده، بينما نحن فى طريقنا لإقامة سلسلة أكشاك للفتاوى في محطات مترو الأنفاق بمصر، أى سلسلة من عشرات النقاط لإشاعة البلبلة والتناقض والفوضى الفكرية. وقد لا يعلم البعض السر فى تسمية صنبور الماء فى مصر «حنفية»؟ ووراء ذلك فتوى خرجت مع ظهور الصنابير تحرم استخدام الصنبور، لكن أتباع أبى حنيفة قالوا إن استخدام الصنبور حلال فصار العامة يقولون عن الصنبور «حنفية»، يقصدون أن «الحنفية»، أتباع أبى حنيفة، حللوا استخدامه! هاتان فتويان متضاربتان. انظر أيضا عام ١٨٢٨ حين أفتى البعض مع ظهور «الوقائع»، أولى الصحف المصرية، بأنها حرام لأنه قد ترد فيها أسماء مقدسة ثم يلقى بها إلى الأرض! ولو كنا مضينا وراء تلك الفتوى ما كانت فى مصر اليوم لا صحافة ولا ثقافة ولا علوم. مثال آخر على التضارب والتناقض الذى تثيره الفتاوى بحكم أنها تفانين من عقول البشر أنه فى عام ٢٠١٢ أعلن أحمد الطيب، شيخ الأزهر،

استنكار الأزهر السفر إلى القدس المحتلة، وذلك ردا على الزيارة التى قام بها الشيخ على جمعة، مفتى الجمهورية، حينذاك، للقدس! وهكذا نجد أنفسنا إزاء موقفين على طرفى نقيض من شخصيتين وجهتين دينيتين كبيرتين: شيخ الأزهر ثم مفتى الجمهورية! وبينما أفتى الشيخ جاد الحق، شيخ الأزهر الراحل، بتحريم الفائدة التى تصرفها البنوك عن الودائع المالية فإن محمد سيد طنطاوى، شيخ الأزهر الراحل، أفتى بأنها حلال! وفى ٢٠١٦ حرم مجمع البحوث الإسلامية القروض الخاصة بالتمويل العقارى وحللتها دار الإفتاء! ثم حين وضع مجمع البحوث شروطا متشددة للصلاة فى الجوامع التى تضم أضرحة فإن دار الإفتاء حللت تلك الصلاة بل اعتبرت أنها «جائزة ومشروعة ومستحبة أيضا»! الأمثلة على تضارب وتناقض وتطاحن الفتاوى كثيرة ولا تنتهى، فعلى أى أساس سيقيمون سلسلة أكشاك للفتاوى؟!. لقد أوجز دكتور سعد الهلالى، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، قصة الفتاوى بتصريح لـ«اليوم السابع» قال فيه: «إن الفتاوى التى يطلقها رجال الدين مجرد آراء شخصية». وإذا كانت الفتاوى آراء شخصية أو اجتهادا شخصيا فى أفضل الأحوال فمن أين سوف يستقى

رجال الكشك آراءهم الشخصية؟ أليس من الفكر السائد الإخوانى؟ يلقى الشيخ محمد الخلايلة، أمين عام دار الإفتاء الأردنية، الضوء على المصادر التى يستقى منها الدعاة فتاواهم فيقول إن الفتاوى: «منها ما جاء نتيجة اختلاف وجهات النظر فى الوقائع، ومنها ما هو لغرض معين، أو لتأييد حزب أو فكر سياسى، أو حتى لمحاباة جمهور من العوام أو حتى لمحاباة الحكام والأنظمة». وهكذا فإن مشروع الكشك المعلن فى محطات المترو يضعنا فى واقع الأمر أمام عملية نشر وترسيخ للفكر الظلامى الذى يخضع لاعتبارات شخصية لا أكثر ولنشأة فكرية رجعية حتى النخاع. وقد برر محيى الدين عفيفى، الأمين العام لمجمع البحوث، حكاية الكشك بقوله إنها تأتى: «لمحاربة التطرف»! لكن الحقيقة غير ذلك، فما يجرى ليس حربا على التطرف بل وثبة رسمية نحو التطرف والإرهاب اللذين يتغذيان على الجهل والعداء للفنون والثقافة والتمييز الدينى وتجريف قيمة المواطنة. ومشروع الكشك تجسيد لكل ذلك.
 
وبدلًا من إقامة كشك لقراءة الكتب، أو تبادل الكتب القديمة، أو الموسيقا، أو لنشر قيم المواطنة، أو للتوعية بالحقوق الدستورية، إذا بنا نقيم أكشاكا لتصورات فردية دينية لا يحكمها معيار أو ضابط وتخضع فى معظمها للأفكار السائدة. ومشروع الكشك مشروع للتطرف لأنه يبدأ بالتأكيد على الفصل بين المواطنين، وتقسيمهم إلى مسلمين لهم الحق فى أكشاك فتاوى ومسيحيين ليس لهم الحق فى ذلك، مع أن المواطن المسيحى يسهم فى دفع الضرائب التى تقام بفضلها تلك الأكشاك. ومشروع الكشك مشروع للتطرف لأنه حفارة لتقسيم الوطن إلى طوائف دينية، فإذا كنا قد أقمنا كشكًا للفتاوى الإسلامية، فمن البديهى أن يبرز السؤال: لماذا لا نقيم كشكا للفتاوى الشيعية؟ وآخر للسنية؟ وثالثًا للمسيحيين الأرثوذكس؟ ورابعًا للبروتستانت؟ وخامسًا للبهائيين؟ وهلم جرا. وإما أن نقيم كل تلك الأكشاك ونقسم الوطن، أو نعلن أنه ما من أكشاك إلا أكشاك المسلمين وبذلك نعترف صراحة بالتمييز الدينى وننكر الدولة المدنية. وإذا كان التطرف بل الإرهاب يقومان على العداء للثقافة والفنون فقد جاء الكشك المقام فى محطة الشهداء بحيث يغطى لوحة جدارية فرعونية، وهذه الخطوة، بحد ذاتها، فتوى تعلم الجمهور أن الفن لا قيمة له وزائد عن الحاجة. فهل أننا بإعلان احتقارنا الفن نحارب التطرف أم ندعمه؟ الأخطر من كل ذلك فى مشروع الكشك سيئ الصيت أنه مخصص لتكريس الانقسام الفكرى الدينى داخل المسلمين حسب عدد الفتاوى وتناقضها وتضاربها الذى سيكون بعدد العقول المتربعة داخل الأكشاك. الدين لله والوطن للجميع، هذه كانت وما زالت صيحة الحركة الوطنية منذ ثورة ١٩١٩، ويصح القول أيضا إن الدين لله والمترو للجميع، لا يجوز فيه التمييز الدينى، ولا يصح معه أن يصبح بؤرة لتقسيم  لوطن وإشاعة البلبلة والفوضى الفكرية.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع