الأقباط متحدون - حادثة السفارة الاسرائيلية في عمان، والدلال المتميز الذي يحظى به المواطن الاسرائيلي
  • ٠٦:١٣
  • الاربعاء , ٢٦ يوليو ٢٠١٧
English version

حادثة السفارة الاسرائيلية في عمان، والدلال المتميز الذي يحظى به المواطن الاسرائيلي

ميشيل حنا حاج

مساحة رأي

٤١: ١٢ م +02:00 EET

الاربعاء ٢٦ يوليو ٢٠١٧

حادثة السفارة الاسرائيلية في عمان
حادثة السفارة الاسرائيلية في عمان
المفكر والمحلل السياسي مبشيل حنا الحاج
  اسرائيل هي الطفل المدلل جدا بين دول العالم قاطبة، فلا أحد يجروء على ادانتها  أو حتى لومها.  وكما هي الدولة كذلك رعاياها الذين لا يجوز محاكمتهم أو ملاحقتهم فضائيا على جريمة ارتكبوها. وهذه قضية باتت معروفة عن مدى الدلال المتميز والخاص الذي يراعى به ما يسمى بالمواطن الاسرائيلي.  
 
ولعل الافراج عن حارس الأمن في السفارة الاسرائيلية بعمان، الذي قتل برصاص رشاشه أردنيين بريئين  لم يرتكبا ذنبا يذكر... أحدث دليل على ذلك. فرغم وجود القاتل على أرض أردنية، تصرف وكأنه في منطقة احتلال من أراضي الضفة الغربية، وبالتالي قتل أردنيين برصاص حي، لمجرد أن أحدهما قد لوح بمفك براغي بيده ...ليس بخنجر...أو بسكين...أو بسيف، بل بمفك براغي لا يمكنه أن يكون قادرا الا على حل عقدة برغي ما، وليس الحاق أذى حقيقي أو فعال بجسم انسان ما. وأكدت الحقائق أن جراحه كانت طفيفة جدا نتيجة اصابته بنخزة من ذاك المفك، فلو لم تكن كذلك، لما استطاع الاسرائيليون نقله بسهولة الى اسرائيل.
 
وهذا أمر اعتاد عليه الاسرائيليون في اراضي الضفة الغربية المحتلة،  حيث بات الجنود  الاسرائيليون يقتلون برصاص حي وبدم بارد، كل من يشكون...مجرد شك، بأنه فلسطيني يحمل سكينا أو خنجرا، ولكن ليس مفك براغي...فهذه الحالة المتميزة،  قد بغى وارتقى الى مستواها حارس السفارة الاسرائيلية في عمان...فحسب. أي أن حملة السلاح الاسرائليين في الأراضي المحتلة، رغم قسوتهم ووحشيتهم  ووجوب ادانتهم، باتوا أرحم قليلا من الجندي الاسرائيلي العامل في حراسة السفارة في عمان، الذي قتل أردنيان تخوفا من مجرد "مفك" براغي هو جزء من المعدات المستخدمة في مهنته.
وحاولت اسرائيل الادعاء بأن العامل ذو الستة عشر عاما، كان يحمل خنجرا. وبرروا اطلاق النار على العامل، بوجود ذاك الخنجر في حوزته. لكن ذلك كان ادعاء مردودا ويتعذر تقبله، لأن من يدخل موقع السفارة الاسرائيلية وملحقاتها، يتعرض لتفتيش دقيق كما حدث مع الشاب القتيل لدى دخوله موقع  السفارة. فلو وجد بحوزنه خنجر أو أي أداة حادة، لما سمح رجال الأمن الاسرائيلي بدخوله. فما كان معه، هو مجرد مفك براغي يشكل جزءا معتادا من المعدات التي يحملها، وهو ليس سلاحا قاتلا أو حتى أداة مؤذية. 
 
ومن هنا كان من الطبيعي أن تجري محاكمة هذا الحارس في الأردن، لارتكابه على الأراضي الأردنية، عملا جرميا لا مبرر له، (رغم التكييف الدبلوماسي بأن سفارة دولة ما تعتبر امتدادا لأراضي تلك الدولة)، ولكون الضحيتين اللذين تسبب بمقتلهما، أي العامل محمد الدوايمة وطبيب العظام الدكتور بشار حمارنة، قد قتلا على الأراضي الأردنية وبدم بارد وبدون مبرر، مما يجعل الاختصاص  للنظر في هذه القضية، معقود لمحاكم الجنايات الأردنية. لكن صفقة ما جنبت الحارس الاسرائيلي مواجهة القضاء الأردني وتلقي العقاب العادل الذي يفرضه مبدأ قانوني وهو:"ان حكمتم فاحكموا بالعدل"، والعدالة كانت تقتضي اقتصاص الحق من قاتل هذين المواطنين الأردنيين البريئين.
 
ولكن لتجنيب حارس الأمن الاسرائيلي مواجهة العقاب، تأكيدا للاسرائيليين بأن المواطن الاسرائيلي هو مواطن متميز، ويظل  بالتالي فوق كل قوانين الدول الأخرى، وافقت اسرائيل فجأة رغم رفضها السابق والمستمر، والذي كرر وتكرس في جلسة الليلة السابقة لمجلس الأمن الاسرائيلي، والقاضي بوجوب بقاء البوابات الأليكترونية في مواقعها عند مداخل المسجد الأقصى والحرم الشريف.... وافقت فجأة على رفع تلك البوابات التي تسبب وضعها لدى مداخل المسجدين، في استشهاد عدة فلسطينيين وبوقوع سلسلة من الاضطرابات والمظاهرات التي كان بعضها داميا. وجاءت الموافقة المفاجئة  نتيجة ما وصف بصفقة مع الأردن (نفى أيمن الصفدي وزير الخارجية الأردني وجودها) تقضي برفع اسرائيل بوابات المراقبة الأليكترونية، مقابل السماح لذاك الحارس الاسرائيلي، ومعه كافة الدبلوماسيين والعاملين في السفارة، بمغادرة البلاد... مما يجنب الحارس الاسرائيلي مواجهة القضاء الأردني.
 
وكانت هناك صفقة سابقة مشابهة بين الأردن واسرائيل وذلك في تسعينات القرن الماضي، وفي عهد الملك الراحل حسين بن طلال، والد الملك عبد الله الثاني ملك الأردن. وكانت أسباب تلك الصفقة آنئذ، قيام عملاء اسرائيليين بحقن خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس، أثناء تواجده في الأردن، بمادة سامة سرية قاتلة. وشكل ذلك العمل اعتداء وانتهاكا واضحا للسيادة الأردنية. فطالب الملك حسين عندئذ  لتجنيب المعتدين مواجهة المحاكمة على الأراضي الأردنية: 
 
أولا) أن تزود اسرائيل الأردن فورا بالمادة  التي تشكل ترياق المادة التي حقن بها خالد مشعل، 
 
وثانيا) أن تطلق اسرائيل سراح الشيخ أحمد ياسين  مؤسس حركة حماس.  وحصل ذلك فعلا، فنجا خالد مشعل من الموت، وأطلق سراح الشيخ أحمد ياسين من السجون الاسرائيلية وجيء به الى عمان، مقابل عدم ملاحقة الأردن ومحاكمة عملاء اسرائيل الذين نفذوا على أراضيها، الاعتداء على خالد مشعل.
 
والواقع أن الأردن قد حصد عندئذ الكثير نتيجة تلك الصفقة الخاصة بالاعتداء على خالد مشعل. وكان أهم ما حصده هو تحرير الشيخ أحمد ياسين من أسر اسرائيل، الأمر الذي ما كان من المتوقع أن يتحقق، لولا تلك الحادثة التي ساعدت على تحققه.  أما في هذه الصفقة الأخيرة، صفقة اطلاق سبيل مطلق النار في داخل السفارة الاسرائيلية وملحقاتها والمتسبب بمقتل أردنيين، فان المقابل الذي تم تلقيه، كان نزع البوابات الأليكترونية من مداخل المسجد الأقصى. وهذا طبعا انجاز هام، لكن كان يمكن تحقيقه دون التنازل عن حق الحكومة الأردنية في التحقيق مع القاتل الاسرائيلي، وفي حقها بتقديمه للمحاكمة أمام المحاكم الأردنية، وذلك لأسباب عدة منها: 
 
1) الاضطرابات التي سادت في القدس وفي عموم الأراضي الأردنية، شكلت عبئا على اسرائيل باتت تعاني منه ومن نتائجه، اذ أصبح يهدد بتطور الأمر الى انتفاضة جديدة لا تعرف عقباها. وأضيف الى ذلك، ايقاف السلطة الوطنية الفلسطينية التعامل والتنسيق مع الجانب الاسرائيلي. 
2) مجلس الأمن الدولي عقد جلسة يوم الاثنين 24/7  لمناقشة  تفاعلات الأزمة، وجلسات لاحقة في يوم الثلاثاء، مما يشكل ضغطا على الحكومة الاسرائيلية، رافقه ضغوط من دول الاتحاد الأوروبي ومن الولايات المتحدة أيضا، بل ومن مجلس الأمن الذي أرسل مندوبا عنه الى المنطقة لمتابعة تطورات الأحداث. 
 
3) كان من المفضل أن تفصل الحكومة الأردنية بين أزمة السفارة ومسألة البوابات الألكترونية، لأنها كانت معنية أصلا بقضية البوابات الأردنية بصفتها حامية للمواقع المقدسة الموجودة في القدس. وكانت على أرض الواقع، وقبل وقوع حادثة السفارة، على اتصال دائم مع الجانب الاسرائيلي بخصوص أزمة البوابات الأليكترونية. وكان هناك احتمال بأن يجري التوصل الى حل ما بالنسبة للاجراءات الأمنية الاسرائيلية الطارئة عند مداخل المسجد، وكان من بين احتمالاتها التي قدر البعض احتمال دراستها، هو ابقاء البوابات الأليكترونية، على أن يشرف عليها رجال أمن أردنيون، لكون الأردن حامي المقدسات في القدس، مما يعني اختفاء الشرطة الاسرائيلية التي استفز تواجدها في ذاك المشهد، الشعب الفلسطيني المقهور كثيرا من غطرسة الاسرائيليين الذين باتوا يضعون اعتبارات أمن المواطن الاسرائيلي فوق وقبل أي اعتبار آخر، فوضعت البوابات الأليكترونية بمجرد مقتل اثنين من رجال الشرطة الاسرائيلية في ساحة المسجد. وقد لاحظنا مدى اهتمام ناتانياهو بضمان وصول القاتل الاسرائيلي  سالما آمنا غانما الى أراضي ما يسمى اسرائيل.
 
كل ما في الأمر أن الحكومة الأردنية، رغبة منها في الاستعجال بحل أزمة البوابات الأليكترونية، وبالتالي حقن مزيد من الدماء الفلسطينية التي أريقت في الأيام الأخيرة، ربما اختارت، التضحية بحق المواطنين الأردنيين في الاقتصاص لهم من عدو غاشم ظالم، يضع اعتبارات المواطنة الاسرائيلية فوق اعتبارات المواطنين الآخرين في كل دول العالم الأخرى. فرغم نفي وزير الخارجية الأردني وجود صفقة ما، فانه لم يفسر الخروج الآمن من الأردن لحارس السفارة الاسرائيلية الذي قتل مواطنين أردنيين.     
 
ولعل أبرز دليل على تميز المواطن  الاسرائيلي والاهتمام الفائض به من قبل الحكومة الاسرائيلية ، تلك الضغوط التي مورست على الأردن قبل قرابة العشرين عاما،  لمحاكمة "الدقامسة"...الجندي الأردني الذي أطلق النار على بعض الفتيات الاسرائيليات تواجدن في الجانب الاسرائيلي، وأخذوا من هناك يستفزونه بحركات استهزائية، مما أثار غضبه وأدى لاطلاقه النار عليهن فقتل بعضهن. 
 
فمع كل الاحترام للقضاء الأردني، جرت محاكمة الجندي الدقامسة، وطبق عليه قانون العقوبات  بأشد نصوصه، دون أن يأخذ بعين الاعتبار الأسباب التي قد تكون مخففة كاستفزاز الفتيات له، وهو الاستفزاز الذي أدى لقيامه باطلاق النار عليهن في لحظة غضب. بل وأمضى الجندي الدقامسة كامل مدة عقوبته بالسجن، فلم يشمله عفو عام، أو عفو خاص، خوفا من غضب السيد الاسرائيلي "الساكن قصادي"...لكن لا أحبه.... لا أحبه أبدا.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع