انتشار حالة «الهوس الدينى» (٢)
مقالات مختارة | د. عماد جاد
الاربعاء ٢٦ يوليو ٢٠١٧
تتناسب حالة «الهوس الدينى» والاستغراق فى التدين الشكلى طردياً مع حالة التخلف الاقتصادى والاجتماعى والثقافى بل والسياسى أيضاً، وتتناسب عكسياً مع السير فى طريق التنمية الشاملة وتحقيق معدلات عالية من الإنجاز فى شتى المجالات.
وقد مرت مختلف المجتمعات بحالة الهوس الدينى فى مراحل تخلفها وعدم قدرتها على الإنجاز على أى مستوى من المستويات، وأيضاً مراحل رغبة الحاكم الفرد فى السيطرة على الشعب ونهب ثرواته والتحكم فيه، فظهرت نظريات الحق الإلهى فى الحكم وخليفة الله على الأرض، ظهر تزاوج السلطة بالدين قبل أن يظهر تزاوج السلطة بالمال. فالحاكم الفرد المتسلط سواء كان أميراً أو ملكاً أو سلطاناً كان بحاجة إلى إخضاع الشعوب عبر رجال الدين، الذين يحثون الشعوب على الخضوع للحاكم وعدم مقاومته بل وعدم الدفاع عن حقوقهم التى كان الملك أو القيصر يهضمها فيقوم رجال الدين بتخدير الشعب من خلال توظيف الدين، فمن «ابن الطاعة تحل عليه البركة» فى المسيحية، و«أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله»، إلى «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر»، إلى تحريم الخروج على الحاكم فى الإسلام. فمن قصة دور البطريرك الروسى فى إخماد غضب الشعب على استيلاء القيصر على منتجاتهم الزراعية ظلماً وعدواناً، خرج كارل ماركس بمقولة «الدين أفيون الشعوب»، بمعنى أن رجال الدين يستخدمونه فى امتصاص غضب المطالبين بحقوقهم المدافعين عن ممتلكاتهم التى كانت تتعرض للنهب، فبعد جلسة مع رجال الدين تهدأ الأعصاب ويخمد الغضب ويتطلع المرء إلى مرحلة المجىء الثانى للمسيح ومن ثم ينتظر التعويض فى السماء.
ظاهرة الهوس الدينى بدأت على يد الحكام الذين كانوا فى حاجة لرجل الدين إلى جوارهم، يحلل لهم ما يريدون تحليله، ويحرم ما يرغب الحاكم فى تحريمه، يهدئ من غضب الشعوب، يخدرهم، ويهبط من عزيمتهم، ويتقاسم المكاسب مع الحاكم. وكلما كان الحاكم متسلطاً، زاد احتياجه لرجل الدين، كلما كان ديمقراطياً إصلاحياً، دفع باتجاه الفصل بين الدين والسياسة، بمعنى توقف عن توظيف الدين فى خدمة السياسة، القاعدة العامة هى أن الحاكم فى مراحل ما قبل التطور الديمقراطى عادة ما يحتاج لرجال الدين وللخلط بين الدين والسياسة، ولدينا حالة «السادات» تعد حالة نموذجية فى تديين المجال العام والخلط بين الدين والسياسة، وأحياناً قليلة يكون الحاكم راغباً فى تقليص مساحة التداخل بين الدين والسياسة لمصلحة المجالين معاً، وحتى ينشر الفكر العلمى ويقلص مساحة الخرافة والتواكل، وتأتيه المقاومة من المؤسسة الدينية ومن الشعب الذى دخل فى مرحلة الهوس الدينى واستراح فيها ولا يريد مغادرتها، وهناك حالات نادرة قام فيها رجال الدين والمؤسسة الدينية بدور تنويرى تقدمى، مثل العظماء من رجال الأزهر، رفاعة الطهطاوى، ومحمد عبده، والأخوين على ومصطفى عبدالرازق، وفلسفة لاهوت التحرير التى قدمتها الكنيسة الكاثوليكية فى أمريكا اللاتينية، لكن النتيجة العامة هى أنه لا تنمية ولا تقدم ولا تطوير دون فصل الدين عن السياسة، لا توجد دولة متقدمة بمعايير التقدم الشامل تخلط بين الدين والسياسة، ولا توجد دولة دينية متقدمة، أولى خطوات التقدم وتمهيد الأرض للانطلاق تتمثل فى فصل الدين عن السياسة ونشر التفكير العلمى مع احترام الدين باعتباره علاقة خاصة بين الإنسان وخالق الكون، لا تخص أحداً غيره. من هنا لا بد من وقف عملية الخلط المتعمد بين الدين والسياسة فى مصر التى انتشرت حتى داخل مؤسسات ومرافق الدولة المصرية فأنتجت لنا ظاهرة التدين الشكلى التى قادت إلى انتشار ظاهرة الهوس الدينى.
نقلا عن الوطن